انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    قانون المالية: المحكمة الدستورية تصرح بعدم دستورية التعديلات الواردة على المواد 23 و29 و33 و55    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلاد ترصد حالات نزلائها: مراكز علاج الإدمان..خطوات الألم والأمل
نشر في البلاد أون لاين يوم 24 - 01 - 2011

سبعة آلاف مدمن مخدرات في الجزائر طلبوا العلاج في سنة ,,.2010 هذه إحدى إحصائيات الديوان الوطني لمكافحة المخدرات التي تتحدث عن عدد الجزائريين المقبلين على مراكز علاج الإدمان وإعادة الإدماج الاجتماعي على المستوى الوطني، لكن هذا الرقم وإن كان كبيرا لدى البعض فإنه يبقى ضئيلا أمام الواقع الذي يكشف أن تزايد أعداد المدمنين في بلادنا يزداد ولا يتناقص.. ومع تنامي هذه الآفة يزداد معها انتشار المشاكل الاجتماعية..
فكم من أسرة فككت؟ وكم من آباء احترقت قلوبهم بنيران ضياع فلذات أكبادهم في غياهب الإدمان؟ لكن ومع كل هذا الأفق المعتم، تظهر مراكز علاج الإدمان مؤشرات نجاح إيجابية ومشجعة للغاية، وهو ما حاولت ''البلاد'' استقصاءه والجلوس مع نزلائه عن قرب لمعرفة الحال قبل وبعد اجتياز بوابة الأمل كما يحلو للعائلات التي اكتوت بنيران الإدمان أن تسمي تلك المراكز. وللحديث عن واقع ويوميات هذه الشريحة التي اختارت عالما آخر، عالم لا يوجد فيه الألم، الاضطهاد والبؤس الاجتماعي، هناك حكايات حزينة ننقلها من خلف الجدران، ومن كواليس مسرح الحياة بعد أن أصبح أبطالها عبارة عن أجساد ضعيفة ولكن، رغم كل هذا ''البلاد'' حاولت البحث عن جوانب خفية، جوانب إنسانية يرويها ضحايا السموم القاتلة، وحتى الظروف والواقع الذي أوصلهم إلى نفق اسمه ''المخدرات''، وحالات اختارت الخروج من النفق بشتى الطرق.

نفق لابد من عبوره
في البدء كان الألم شرسا وغير محتمل، وكان البؤس أرضية خصبة لتنمو فيها كل الانحرافات ونكتب عليها كل المفردات التي تحمل المعنى نفسه: قلق، غضب، نرفزة، وانطواء على النفس ووجود رغبة كبيرة في وضع حد لكل هذا عن طريق اللجوء إلى من يسمعهم وينقذهم من الوحل العفن، ليقول الدكتور سعيد براهيمي ''يأتي الشبان والفتيات إلى مركز الإصغاء بباب الوادي ليحكوا كل المشاكل التي تسبب فيها إدمانهم وليبحثوا عن من يأخذهم إلى بر الأمان''.
هذا المركز أصبح يشكل محطة هامة في مسيرة المدمن الراغب في وضع حد لتبعيته الذليلة للمخدرات، ولكن يضيف المتحدث ''هؤلاء الشباب تسببوا في مشاكل عديدة لأنفسهم ولأهاليهم بل وأحب الناس إليهم''.
ويروي لنا الدكتور أن والدة أحد المدمنين، جاءت تتوسل إليه ''ابني أصبح مدمنا، لقد ترك الدراسة وترك كل شيء، بل وأصبح يضربها، ويكسر كل ما يجده في المنزل من أجل الحصول على نقود للحصول على جرعة تسكنه وتعيد إليه هدوءه، فماذا أفعل؟''.
هذه صورة وحيدة من بين الآلاف من الصور التي يصنعها أولئك الذين انغمسوا في لذة تأخذهم إلى فوق ولكن تفقدهم كل السيطرة على أنفسهم، بل يصبحوا مستعبدين، يفعلون أي شيء، يسرقون، يبتزون من أجل شراء أقراص أو غبار أبيض أو جرعة من السم. يؤكد الدكتور أنه انطلاقا من هذا المركز وحتى مراكز أخرى موجودة في مختلف المناطق يحول المدمن إلى مركز من مراكز علاج الإدماج الموجودة على مستوى الوطن، ليمكث فيه 21 يوما.
ولكن يشدد المتحدث على أن المدمن سيصاب بنوبات من القلق والخوف والألم عندما يتعرض في فترة ثلاثة أسابيع، يحتاج فيها إلى مساعدة ومتابعة نفسية وطبية واجتماعية وإلا سيكون عرضة للوقوع في الإدمان مرة أخرى.

رغبة في العلاج.. وخوف من الفشل
كان ممددا في سريره بمركز العلاج بالبليدة، في البداية كان من الصعب بمكان أن نتحدث إليه، رفض حتى أخذ صور، فضل الحديث بعد طول إقناع، فقصة نبيل ليست للتشهير وإنما لأخذ العبرة وإسقاط الضوء على عالم لا يمكن أن نتصور سوادويته ومخاطره على المجتمع، عندما اعتدل في جلوسه على ذلك السرير بدأ يحكي كيف وقع في فخ اسمه ''المخدرات''.. ''نعم في البداية كان فضول فقط للتجريب، وبعدها أصبحت لا أستغني عنها''، لقد وجد نفسه في المركز، تعرض لعمليات غسل المعدة في مصلحة الاستعجالات فحالته صعبة للغاية.
لقد حول إلى المركز ليخضع للعلاج، فهناك بصيص أمل في العودة إلى المجتمع الذي افتقده، بعدما كان يتلقى يوميا الضرب والشتم من زوجة أبيه، فهو طفل يتيم الأم، كان يأخذ أغراضه ويهرب بالأيام والليالي، ليقضيها بين بوفاريك وبئر توتة، تحت الجسور وفي محطات الحافلات، وأحيانا يلجأ إلى الخالة التي كانت تدفعه للعودة إلى البيت، نبيل اليوم عمره 17 سنة، فقد والدته وعمره سنتان فتح عينيه على زوجة أب تفرق بينه وبين أخواته الثلاثة الآخرين، ليجد نفسه بين حيطان غرفة في المركز.
الألم شديد عندما تخضع لعلاج قاس ولكنه مفيد حسب الدكاترة، هناك من يخاف حتى الحديث إلى الصحافة أو إلى الأصدقاء عن أنه يجري عمليات العلاج، ولكن للإشارة فقط فإن ملفات المرضى سرية، ويحافظ عليها الدكاترة، بل وهناك تعهدات من المدمن أن يحترم القوانين الداخلية. المركز يستقبل أكثر من 2000 حالة في السنة وهو رقم كبير يعني أن هناك من يحاولون العلاج مهما كان الثمن فيه جناح للرجال وجناح للنساء، لكن كم هو مؤلم أن نسمع قصص أولئك الذين دخلوا عالم الإدمان ويحاولون الخروج منه بعدما ضاقت بهم الحياة في الخارج.

صعب ولكنه ممكن
من السهل أن يواصل مدمن المخدرات العلاج، واتباع تعليمات الدكاترة والمختصين النفسانيين والتغلب على إرادة البحث عن هيرويين أو أي نوع من المخدرات، ولكن يجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع الحالة العادية والتخلص من تلك السموم القاتلة، أو كما عبرت عنها الدكتورة ''سميحة بن ناصر'' بأنها النشوة القاتلة، أشياء كثيرة وحقائق يمكن أن تسرد في قصص صحافية بلسان البعض من الضحايا لقاتل اسمه ''الكيف''، وقائع تخدش الحياء أحيانا وتقشعر لها البدن أحيانا أخرى لكنها في النهاية واقع يجب إزاحة الغبار عنه وتسليط الضوء عليه، في الوقت الذي يعاني الآلاف من مجرم اسمه المخدرات وسط العشرات من مراكز علاج المدمنين، التي يمكن أن نجزم أنها ناجحة بالقدر الذي تحاول أن تعيد الكثيرين إلى جادة الواقع والعودة إلى الحياة بعدما نقلتهم تلك السموم إلى عالم آخر، عالم مليء بالأوهام.
رغم النهاية المأساوية التي وصلت إليها ''اسمهان'' من حي وادي قريش بالجزائر العاصمة، إلا أنها تتشبث بالحياة وتتشبث بالعودة إلى ممارسة حياتها بشكل طبيعي، قصة هذه ''الطفلة'' التي لم تتجاوز ستة عشر سنة مأساوية ومحزنة بل ومخدشة للحياء في بعض تفاصيلها الدقيقة ومشاهد يوميات كانت الطفلة وعمرها وقتذاك 12 سنة تقضيها بين المدرسة والبيت إلا أنها ومن سوء حظها تتعرض لاغتصاب من أحد أقاربها لتجد نفسها في عالم آخر اسمه البحث عن النشوة، وبأي طريقة، لتبدأ رحلتها في البحث عن ''بودرة'' باللون الأبيض تستنشقها لتنسى أنها فقدت عذريتها، ومن هنا تبدأ حكاية أخرى لواقع مرير، حيث أصبحت كل أنواع المخدرات تزور جسمها الطري وعضلاتها الضعيفة، وبالرغم من أن الأهل وقفوا إلى جانبها وخصوصا الأم التي دافعت عن ابنتها حتى آخر دقيقة، حيث سلمتها إلى مركز علاج المدمنين بالبليدة وهناك بدأت رحلة صعبة أخرى، فالعلاج يتطلب الجهد والنفس الطويل والمحاولة وإعادة المحاولة أيضا واتباع ما يقوله الأطباء حرفيا.
قصة ''اسمهان'' شهادة تسرد تفاصيلها على صفحات ''البلاد''، لكن بالنظر إلى أهمية تفاصيلها، ويمكن أن تكون قدوة لأولئك الذين فقدوا الأمل في العلاج، حيث تتعرض هذه الفتاة يوميا إلى نظام خاص من العلاج، بدأته عندما قررت أسرتها تحويلها إلى مركز علاج المدمنين بالبليدة، وهناك بدأت تتعاطى العلاج الطبي عن طريق الأدوية التي يحاول الدكاترة تخفيفها مقارنة بمفعول المخدرات التي كانت في السابق تتعاطاها.
اسمهان يمكن القول إنها ضحية منظومة اجتماعية، فالبداية كانت عندما أصبحت فريسة لأحد أقاربها لتدخلها حادثة الاغتصاب في حالة نفسية صعبة، حيث كانت تهرب من البيت بالأيام والليالي وهو ما دفعها إلى جر أذيال الخيبة نحو الملاهي الليلية والسهر وشرب الكحول حتى وهي في عمر الزهور.
لقد عرفت المخدرات بكل أنواعها ''نشمها أو نضرب شكة'' بفضل أصدقاء عرفتهم في الملاهي الليلية، تصمت برهة تستنشق هواء نقيا بعدما كانت تستنشق السموم، لتضيف قائلة، أشكر إحدى الشرطيات التي عاملتني بلطف وأخذتني بيدها إلى مركز علاج المدمنين بالبليدة. في تلك الأيام التي سبقت وجودي بالمركز كنت أعاني كثيرا بسبب معاملة زوج والدتي السيئة وكان يرفض وجودي في المنزل، لأنني ابنة رجل آخر، لتواصل قائلة ''الحمد لله اهتديت إلى مكان يمكنني فيه العودة إلى عقلي''، كما عبرت بذلك، رغم أن جسمها النحيل أصبح مليئا بالندوب من آثار الإبر وخدوش على مستوى أطراف في الجسد، فهي كانت تعيش بين الشارع والبيت.
محاولات عديدة آخرها نجاح
ليس من يرى كمن يسمع وليس من يجرب كمن يحكى له، عبارة قالها سمير، 29 سنة، هو ضحية لحب فاشل، يروي تفاصيلها في قسم الأمراض العقلية بمستشفى مصطفى باشا، هذا الشاب تعود على الهدوء وعلى الانطواء في منزله لمدة تزيد سنتين، تقول الوالدةئ،''ابني الوحيد أحب فتاة كانت تدرس معه في الجامعة، وفي النهاية تزوجت بشخص آخر، وهو ما جعله لا يخرج من المنزل لمدة تزيد عن سنتين، حتى أخذناه للعديد من الدكاترة، أصابته صدمة قوية، وأصبح يخضع لعلاج مستمر، في تلك الفترة أي في فترة الصدمة القوية تعرف على ''المخدرات'' أصبح يبحث عنها بأي ثمن، في البداية لم نكن ندري أنه وصل به الحد إلى استعمال المهلوسات للتخلص من الآلام، ليجد نفسه منذ خمس سنوات في هذه الحالة، لكن والحمد لله تواصل الوالدة اهتدينا إلى مركز علاج المدمنين، بعد محاولات حثيثة لإخراجه من هذه الحالة.
سمير في البداية كان يقول ''لا أستطيع أن أتخلص من استنشاق ''البدرة'' أو ''نشم'' أو كما قال ''نعمر راسي'' ولكنه مع مساندة والدته ومتابعته للعلاج أصبح اليوم يخرج ويتعرض لعلاج طبي ونفسي يومي. ورغم محاولاته الأولى التي باءت بالفشل إلا أنه أعاد الكرة مرتين وهو الآن في فترة نقاهة، وبالإضافة إلى اتباعه لتعليمات الدكاترة فقد كان يمارس الرياضة داخل المركز الذي يتوفر عل عدة نشاطات رياضية من شأنها أن ترفه عن المرضى، وتبعدهم شيئا فشيئا من عالم المخدرات.

الصبر والإصرار.. وصفتان للعلاج
الإدمان هو حاجة الجسم لمادة ما، مخدرة، حيث يشعر المدمن برغبة قهرية بتناول أي مادة، لكن مع مرور الوقت وتعوده على تلك المادة، يصبح الجسم يطلب زيادة جرعة أكثر فأكثر لأنها تصبح دون فائدة.
وعندما يحاول الفرد الإقلاع عن هذه المادة فإنها تؤدي هذه المادة إلى آلام جسدية ونفسية، فضلا عن تأثيرها على الجهاز العصبي وخلايا المخ، مما يفقد الفرد القدرة على التأقلم والتكيف مع الواقع. كما للمخدرات تأثير وظيفي يضعف قدرة الجسم على الاستجابة لكل المؤثرات الخارجية، بل ويؤدي به إلى الضعف الجنسي أيضا.
ويرى المختص في الطب العقلي الدكتور حميد ساسي الذي اشتغل مدة خمسة عشر سنة في مجال إعادة تأهيل المدمنين، أن هناك استراتيجيات يضعها الأطباء في علاج المدمنين فهي ليست بالسهلة في بدايتها، خصوصا وأننا نعلم، على حد تعبيره، بوجود العديد من المؤثرات التي يتعرض لها المدمن.
وأَضاف المتحدث في تصريح ل''البلاد'' أن الدكتور والأخصائي النفساني المعالج للمدمن من واجبه في البداية معرفة الخصائص الذي تميز المدمنين، لأن تلك الخصائص بإمكانها ووضع خطة علاجية وافية وناجعة ولو على المدى الطويل.
وشدد المتحدث على أن علاج المدمنين أمر صعب ومتشابك، وهنا يطرح السؤال التالي: هل المصاب ''المدمن'' مريض أم هو في طريق الإدمان أي في نهاية الهوس بتعاطي المخدرات؟ وهنا تشير الدكتور ة النفسانية نفيسة عبد الصمد إلى أن المدمن يشعر كثيرا بالقهر، والاستعباد من طرف شيء اسمه ''المخدر''.
لتضيف المتحدثة والتي تشارك في برنامج علاجي لعشرات المدمنين، أن عملية نزع سموم المخدرات تستوجب علاجا لمدة 21 يوما بالمستشفيات المختصة وذلك حسب نوع المخدرات المستهلكة وهو ما يكلف الدولة بين 10 إلى15 مليون سنتيم ليكون العمل بعد نهاية العلاج المساهمة في إبعاد المدمن عن عالم المخدرات.
ولكن تأسفت المتحدثة بالقول إنه من بين خمسة مدمنين يتم معالجة اثنين منهم فيما يعود ثلاثة إلى الإدمان مرة أخرى.
كما أن هناك طريقتين في العلاج أولها علاج خارجي ويتمثل في العلاج الطبي الذي يقوم على أساس معرفة نوع المخدر الذي كان يتعاطاه المدمن، ليتم علاجه بجرعات مخدرة أقل حدة وضعفا من المخدر الذي تعود عليه المدمن، وعادة ما يكون عقارات مثل ''الميتادون''الذي يعطى للمريض المدمن على جرعات أو فترات محددة، ليتم بعد هذا تخفيض الجرعة على فترات متباعدة حتى يتعود المريض المدمن على جرعات خفيفة وتدريجية وليس فجائية.
وتفسر الدكتورة ذلك بالقول ''المدمن لا يمكن أن ننزع عنه المخدر بصورة فجائية ونهائية لأنه يصاب بنوبات يمكن أن تدخله غيبوبة قاتلة، وهو ما يدفعنا إلى تخفيف الجرعات وتحديد فترات أخذها، حتى يصبح الجسم أكثر تقبلا لنوع قليل من المخدرات ثم يمكنه الإقلاع عنها. وطبعا في تلك الفترات الخاصة بالعلاج الطبي أو ما يسمى بلغة الطب ''الفطام الكلي من الإدمان'' وهي ممارسة شبهتها الطبيبة مثلما يمارس على الرضيع عند فطامه من ثدي أمه، حيث يتم تعويده على مصاصة بسيطة ثم نزع تلك المصاصة حتى يتعود على لا شيء، وطبعا تواصل الدكتورة أن العلاج الطبي لا يمكن إيفاء النتائج الإيجابية منه إلا عن طريق موازاته مع العلاج النفسي، عن طريق تحديد سلوك المدمن ومعرفة تفاصيل محيطه قبيل تعاطيه للمخدرات، فضلا عن محاولة إيجاد حلول لمشاكل كان يعيشها في السابق.
وفي هذا السياق تقول المتحدثة إن الكثير من المدمنين هم ضحايا مشاكل أسرية، ومحيط غير ملائم، وجدوا أنفسهم في وسط خطير أخذهم نحو البحث عن المجهول أو النشوة القاتلة.
وحول سؤال متعلق بالعلاج النفسي تقول الدكتورة إنها من أصعب العلاجات لأنها تبحث في البداية عن السلوك الذي يصدره المدمن وهي سلوكات بطبيعة الحال يكتسبها في وسط ظروف يعيشها يوميا سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو بيولوجية أيضا. ويعتمد هذا العلاج أساسا على تدريب يومي يقوم به المدمن بداية من ملاحظة الذات وما يصدر عنها وتقييمها أيضا وتقويم ما يقوم به المدمن بنهيه وبتعليمه بعض السلوكات الإيجابية وترك السلوكات السلبية.
من جهة أخرى حتى يتمكن المدمن من إتمام علاجه وجب على المخطط العلاجي أن يحمل أيضا العلاج الاجتماعي وهو ما يتم فيه إشراك الأسرة حتى يتم إعادة تكييف المدمن مع واقعه المعيش.
ومن واجب الأسرة أن تعرف الأسباب التي ساعدت على سلوك طريق الانحراف، لكن يتأسف العديد من الدكاترة والأطباء النفسانيين على أن 75 في المائة من المدمنين الذين يتماثلون للشفاء يرجعون إلى استهلاك المخدرات.
وأرجع عدد منهم ذلك إلى غياب المتابعة الاجتماعية والنفسية للمريض لأنها مهمة جدا خصوصا من طرف المحيط، ولكن هناك واقع آخر يتعلق بالمريض فهناك حالات لديها مشاكل اجتماعية كبيرة لا تحفز على الخروج من حالة الانهيار التي يعيشها المدمن قبل خروجه من مراكز العلاج، وهو ما يعني أن المتابعة ستكون صعبة جدا.

أرقام مبشرة تنتظر المزيد
كشف المدير العام للديوان الوطني لمكافحة المخدرات عبد المالك بسايح أنه تم إحصاء ما يقارب 7 آلاف مدمن طلبوا العلاج بصفة تلقائية، خلال السنة المنقضية. وتوقع المسؤول عن الديوان في تصريح ل''البلاد'' أن يرتفع عدد الأشخاص الذين سيطلبون العلاج طواعية ليصل إلى عشرة آلاف السنة الجارية، أمام نجاعة المراكز التي استثمرت في إعادة الآلاف من المدمنين على المخدرات إلى جادة الصواب.
وقال بسايح إن إنجاز هذه المراكز التي ستكون مستقلة عن المستشفيات سيكون لها أثرا في مساعدة الآلاف من الشباب أمام تعاظم الاتجار بهذه المهلوسات.
وفضلا عن ذلك فإن فتح مراكز للعناية بالمدمنين ومساعدتهم في العلاج اعترف بسايح بصعوبة تطبيق القضاة لقانون 04 - 18 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها، بسبب عدم إنجاز مراكز العلاج والتكفل بالمدمنين مما جعل المشرع يفضل عقوبة السجن على العلاج الذي أصبح بمقتضى القانون حقا للمدمنين.
وأضاف أن هذه المراكز تسمح بتطبيق القانون واستفادة المدمنين من العلاج.
وحول علاج المدمنين أشار بسايح إلى أنه لا يمكننا معاقبة المدمن، إلا في حال ارتكابه لجريمة، ولا يمكننا اعتباره شخص منبوذ في المجتمع وعليه تم سن القانون الجديد الذي يقضي بضرورة معالجته لأنه إنسان مريض ولا يمكن في أي حال من الأحوال معاقبته على إدمانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.