مزال الوسط الفني بالجزائر يعيشُ حالة ركُود طال أمدها حسب مُتتبعين بالمشهد ، فإنتاجُ الأعمال التلفزيونية لم يعد في متناول الجميع كما في السابق ، هذه الظاهرة أو النتيجة الحتمية للتهميش أثرت بشكل كبير على مستوى النُخب الفنية التي صنعت الحدث فيما سبق ، والتي كان من أجلها يلتم شمل العائلة كجمهور لم يعد يثق اليوم بالمنتوج الجزائري ، وإتجه بأنظاره نحو قنوات أخرى توفر له كل ما هُو جديد . فقد أعرب الممثلون ممن تحدثت إليهم " البلاد " عن إستيائهم الشديد وباقي زملائهم من الفنانين الكوميديين بالجزائر للإهمال الذي يتعرضون له إعلامياً وفنياً، مشيرين بنفس الوقت إلى أن هؤلاء الفنانين لن يقبلوا هذا التقييم والتمييز بحقهم مجدداً.والكل يشهد بأنهم كانو من أوائل الفرق التمثيلية التي شغلت الأستوديوهات الجزائرية ، ومع ذلك فهذا التعتيم المُحاط بهم جعلهم يعتذرون عن أغلب العروض التي قلّما تُقدم إليهم . في الجزائر مازلنا لم نتجاوز بعد مسألة التمييز بين الممثل الكوميدي والممثل التراجيدي ، لذلك فإختيار الأسماء غالبا ما يتم عبر هذا التصنيف ، على الرغم من أنهم قادرون على تأدية النوعين، وهذا ما يغفلُ عنه المنتجون او يتغافلون بشأنه . تعددُ أسباب التهميش من قبل القائمين على قطاع الثقافة، فيما يُصرّ عثمان عريوات على موقفه بعدم الظهور الإعلامي، رغم مُحاولاتنا المُتكررة في الاتصال به. من جهة أخرى، يملكُ عثمان مفهوما راق للفن، فهو يرفض المشاركة لإرضاء المنتجين، فلطالما اعتبر الفن رسالة قبل كل شيء، وأي عمل خال من رسالة تفيد المجتمع حسبهُ، فهي لا تُمثلهُ. شخصية عثمان عريوات العصيّة على التدجين، مواقفه والتزامه، عدم رضوخه لسلطة المال والإشهار، حرصه على الابتعاد عن الأضواء والشهرة، إيمانه العميق برسالته الفنية النبيلة، جميعها عوامل ربما ساهمت في تهميشه، وإقصائه من دائرة فنية تُعدُ حتى الآن شبه مغلقة، ترفض الاختلاف وتحارب التميّز، فالكوميديا عند عثمان عريوات، ليست مجرد تسلية وحسب، بل تنطوي على رسالة هادفة ووعي، وهذا ما جسدهُ في دوره الشهير "مخلوف البومباردي" بفيلم "كرنفال في دشرة" الذي مازال يحصُد النجاحات والمُتابع إلى يومنا هذا. الممثل علاوة زرماني ، كان ولا يزالُ يحتل مكانة خاصة عند الجمهور القسنطيني ، دخل البيوت الجزائرية من خلال إنتاج غزير ومتميز، صنع من خلاله الفرح والسعادة، وزرع الإبتسامة على مُحيا الصغار والكبار على حد سواء ، ورغم مرور السنين والظروف الصعبة التي عاشها ويعيشها إلا أنه ظل مُتمسكا بحبه لفنه وإحترامه لجمهوره، ويعتبر التمثيل الأكسجين الذي يتنفسه، والمسرح بيته الثاني ، كانت بدايته بتأسيس فرقة هاوية بالمسرح الجهوي لقسنطينة ،بعدها أصبح فنانا محترفا ،لا يزال " زرماني " يعتقد بأن الخشبة هي أكثر فضاء حر بالنسبة إليه ، وبعد سنوات من العطاء الفني الباذخ ، تستمر حياته الآن كفنان متتبع يطمح للمزيد من العطاء الذي يقربه من الجمهور الذي أحبه ومزال ينتظره في كل جديد ، يقول عن ذلك بأنه هناك الكثير من الأعمال التي لا يزال لها تأثير كبير عليه حتى الآن ، ك "ريح سمسار" و"ناس الحومة" و"عرس الذيب" و"غسالة النوادر"، وحسبه فللمسرح الشعبي خصوصية ميزة لدى الجمهور وهو ناجح بخلاف أي مسرح آخر ، ومع ذلك فبالوقت الراهن ، يبق علاوة زرماني متحسرا من الوضع الذي آل إليه الوسط الفني من جميع جوانبه . عنتر هلال ، هو الآخر يعدُ من أحد أعمدة الكوميديا الجزائرية ، فحضوره بحصة "أعصاب وأوتار" مثلا، جعل لهُ جمهورا عريضا صنع منه نجما فنيا بلا منازع ، بقول أنه على الوسط الفني تجديد نفسه ، دون التخلي عن هويته . عنتر هلال وبعد إقصائه سابقا من دور بن بولعيد ، وتهميشهُ بتظاهرة قسنطينة العربية ، يؤكدُ أنه لا يقرع الأبواب حتى يحصل على عمل فني ، وما يطالب به فقط هو فتح تلك الأبواب ، ويضيف :" الواقع أنني لم أستدع للمشاركة ، أنا كغيري من الكثيرين الذين همشوا و تم إقصاءهم من المشاركة في عدة مناسبات، خاصة في ظل مركزية النشاطات الثقافية التي إقتصرت على العاصمة فقط . من جهة أخرى فإن مُؤسسات الإنتاج السمعي البصري تفضل التعامُل مع ممثلين من العاصمة لتخفيض عبء التكاليف " . وفي هذا الإطار ، وعلى ذكر مؤسسات السمعي البصري ، يُلاحظ كثيرا بأن هناك إحتكار للعمل الفني التلفزيوني والسينمائي من قبل مُؤسسات إنتاج معينة ، تستدعى في كل المناسبات وتقوم بمعظم الأعمال، هناك مؤسسات ربما صغيرة لكنها بقيادة شباب واعي و مثقف في المجال يمكنها أن تنتج أفضل الأعمال ،لكننها لا تتحصل على أدنى فرص ، ولا تتلقى أي دعم ، كما أن جميع المُبادرات التي تقوم بها مؤسسة التلفزيون و المؤسسات الثقافية لتطوير كتابة السيناريو تبق ضئيلة جدا مقارنة مع ما كانت تقدمه سابقا . من جهتها ، غابت الممثلة فاطمة حليلو عن المشهد هي الأخرى ، الفنانة التي عودتنا على بساطتها في تقمص الأدوار، و تلقائيتها في التعامل مع شخصيات تجعلنا نعتقد بأنها حقيقية ، تعاقبت نجاحاتها من "من ريح تور"، إلى "عيسى سطوري"، مرورا ب "قربي بالاس" إلى "بساتين البرتقال"، هذا الغياب إعتبرته ضروريا حفاظا على ذوق جمهورها بنوعية ظهورها ،معتبرة أن عدم تلقيها أي عرض جدير بمسيرتها الفنية ، يعود إلى نقص الإنتاج و ما يترتب عنه من نتائج لا تمت بصلة للفن المحترف ، هذا الامر حسبها أحالها على التقاعد المسبق . مشيرة إلى الظواهر الغريبة التي باتت تطبع الوسط الفني في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت العلاقات الخاصة و المحسوبية تتحكم في منح فرص العمل و توزيع الأدوار ، وهي تفضل الغياب عن الساحة الفنية على أن تظهر في أعمال دون المستوى ، وتضيف بأن إنتاج الأفلام و المسلسلات في الجزائر بات مُرتبطا بشهر رمضان ، فلا عمل إلا بإقتراب الشهر، أين يبدأ الجميع في الصراع فيما بينهم لأجل أشياء تافهة . هناك الكثير من الأسماء التي غُيبت ومازالت تغيب بفعل هذا الواقع الذي لم يعد ينتجُ سوى سياسة التهميش وإقصاء الأدوار الحضورية للعديد من الوجوه التي صنعت ومزالت تصنع إبتسامة الجزائريين .