يحمل العمل الخيري قيمة إنسانية كبرى، فهو سلوك حضاري حي لا يمكنه النمو سوى في المجتمعات التي تنعم بمستويات متقدمة من الثقافة والوعي والمسؤولية، خصوصا أنهُ يلعب دورا مهما وإيجابيا في تطويرها وتنميتها، فمن خلالها يُتاح لكافة الأفراد فرصة المساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي اللاّزمة ويساعد على تنمية الإحساس بالمسؤولية لدى المُشاركين والفاعلين، بجعلهم يشعرون بقدرتهم على العطاء وتقديم الخبرة والنصيحة في المجال الذي يتميزون فيه. لقد كان للخدمات التطوعية الخيرية دور كبير في نهضة الكثير من الحضارات والمجتمعات ونشر الأفكار عبر العصور بصفتها عملا خاليا من الربح العائد وليست مهنة، بل هي عمل يقوم به الأفراد لصالح فئات مُعينة ككل، تأخذ أشكالا متعددة بدءا من الأعراف التقليدية للمساعدة الذاتية إلى التجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة ومجهودات "الإغاثة" إلى حل النزاعات وتخفيف آثار الفقر. ويشتمل المفهوم على المجهودات التطوعية المحلية والقومية وأيضا تلك التي توجه إلى خارج الحدود. وتعميماً لما سبق ذكرهُ، فقد ظهرت جمعية "ميلي غروش" تأكيداً على أهدافٍ ساميةٍ، من أجل ترسيخ الإسلام بشكل أبدي في أوروبا وباقي القارات التي تنشط فيها، بفضل إصرار فاعليها على إيصال رسالتهم الأساسية في تأمين الاحتياجات الدينية والثقافية والاجتماعية للمسلمين القاطنين بها، وإعطاء وجهٍ مشرق للدين الإسلامي الذي يمدُ يدهُ للجميع دون استثناءاتٍ عرقية أو انتماءاتٍ دينية مُخالفة.
الجمعية تعمل بثلاثة ثوابت أولها "أمرهم شورى" و"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة.."، "وجعلناكم شعوبا وقبائل للتتعارفوا"
"البلاد" كانت لها جولة استطلاعية رافقت عمل الجمعية، والتعرف عليها عن كثب. يقول رئيس الجمعية كمال أرقون في تصريح خصنا به، إن الجمعية تعمل بثلاثة ثوابت أولها "أمرهم شورى" و"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة.."، "وجعلناكم شعوبا وقبائل للتتعارفوا". وهي منطلقاتٌ دينية قوية التي انطلقت منها.
"ميلي غورش"، وتعني بالتركية "الرؤية الوطنية"، تم استلهامها من نجم الدين أربكان، أحد مُؤسسيها
"ميلي غورش" وتعني بالتركية "الرؤية الوطنية"، تم استلهامها من نجم الدين أربكان أحد مُؤسسيها، ووُصفت بأكبر منظمة إسلامية تعمل في الغرب، تأسست في عام 1969، يتواجد مقرها الرئيسي في كولون الألمانية، وتعود ركيزتها الأساسية وإيمانها إلى النبي ابراهيم عليه السلام، كما تتبع في منهجها المعاملاتي طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وكلمة غورش تؤكد على القوة المعنوية والروحية للعقيدة الإسلامية والإيمان بها، وتُفسر تراجع العالم الإسلامي كنتيجة لتقليد القيم الغربية (مثل العلمانية) والاستخدام غير الملائم للتكنولوجيا الغربية. وتنشط الحركة في جميع البلدان الأوروبية تقريبا، وفي دول أخرى مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة. يتصدر أولويات نشاطاتها تدريب وتعليم الأئمة والدعاة، إلى جانب تلقين الدروس الدينية وتعاليم الدين في المجمعات الإسلامية التابعة لها، مع تنظيم دورات ومحاضرات من أجل تطوير المهارات في برامج تشرف على تأطيرها بانتظام. وتشجع جمعية "ميلي غورش" أبناء الجالية المسلمة على حفظ القرآن حيث تقيم مسابقات لتلاوة القرآن الكريم، مع إسهاماتها في الأعياد الدينية، بمشاركة عشرات الآلاف من الناس، إذ يتم تنظيمها في المراكز الإقليمية وعلى مستوى كبير. وتتم هذه النشاطات بشكل مستمر وعلى مدار السنة، وهناك مسابقات في أداءِ الأذان والشعر والأفلام القصيرة والتصوير الفوتوغرافي وغيرها من الأصول الثقافية التي تعكس ثقافتنا الإسلامية العريقة.
بناء المساجد وتشغيل الجالية المسلمة أهم نشاطات الجمعية
تركز جمعية "ميلي غورش" على عملية بناء المساجد وتشغيل الجالية المسلمة في مختلف دول الغرب، حيث تستأجر الأراضي وغالبا ما تشتريها لنفس الغرض، لإقامة مساجد عليها ومدارس قرآنية وهذا ما يضيف إليها باب توظيف أئمة من الجالية المسلمة مهما كان بلدها ولونها. ولا تتوقف نشاطات الجمعية عند هذا الحد بل تفتح مدارس تقدم فيها دروس إسلامية بالإضافة الى فتح مراكز لتدريس الفقه والدين تمنح فيه دورات للطلبة الجامعيين وتسعى من خلال هذه المساجد لإبراز جمال القيم الإسلامية وعلامة لبقاء الإسلام بشكل أبدي في القارة الأوروبية حيث تقوم بتربية الأطفال من مختلف الأعمار وفقا للمعايير الدينية والثقافية تتم متابعة الأطفال في تحصيلهم العلمي ودعمهم بشكل فعال من خلال تقديم الدروس الخصوصية والمساعدة في الوجبات المنزلية. وتجعل الجمعية من المساجد مكانا مألوفا وبيئة جيدة لاكتساب المهارات والخبرات الحياتية وإبعادهم عن العادات السيئة. تقام في المساجد الأعراس والجنائز ومختلف النشاطات الترفيهية التي تتيح فرصة التعرف على أناس جدد وتنظيم نشاطات متنوعة اجتماعية ورياضية وعروض فنية متنوعة كفن الخياطة والفنون الإسلامية، والإفطار الجماعي في رمضان، مساعدات إنسانية لكل المحتاجين حسب ما أفادنا به رئيسها كمال أرقون، إذ تتوفر على قسم خاص بالمساعدات الاجتماعية لدعم المحتاجين وحل مشاكل المسلمين لاسيما أن الجالية تعاني من مشاكل اجتماعية في أوروبا. تقوم هذه الأخيرة باحتوائها، كما تعد عملية جمع التبرعات المالية أهم عملية تحرص عليها في المساجد، كتقليد ديني ثم تسليمها الى الجهات المختصة لتوزيعها على المسلمين المحتاجين في جميع أنحاء العالم. كما تشارك الجمعية المسلمين أحزانهم بالتعاون مع نادي الجنازة، حيث تساهم في إتمام مراسم الجنازة للمتوفى وفقا للطقوس الإسلامية، يستفيد منها كل المسلمين المغتربين والوقوف الى جانبهم عبر نقل 1000 جثة سنويا بتبرعات المسلمين مع توفيرمقبرة إسلامية للذين يرغبون بدفن موتاهم هناك. كما تتكفل الجمعية بتنظم 189 ألف رحلة سنويا إلى البقاع المقدسة وتمكين الجالية المسلمة بزيارة مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وتفعل ذلك عن خبرة لا تقل عن أربعين عاما عبر شباب مُكون ومؤطر للتنظيم والمرافقة، الى جانب انشطة اخرى كتقديم هدايا عيد الميلاد للأطفال المعدومين، عبر ارسال سجادة صلاة صغيرة وبطاقات صلاة أو أقراص أغان او حكايات الغرض منها التعليم الديني. وفي خضم هذه النشاطات شكلت الجمعية 15 الى 22 محاميا للدفاع عن المسلمين بالخارج، لحماية المسلمين والدفاع عنهم حينما يتعلق الأمر بدينهم. ويتساءل الكثير عن مصدر تمويلها، وحسب رئيسها فهي تعتمد على تبرعات رجال الأعمال منهم أتراك وغيرهم ممن يتواجدون في اوروبا. فبعد عملية جمع التبرعات تقوم بإدراجها في مشروعات خيرية أثبت الواقع نجاحها، أبرزها توفير سكنات للطلبة والمحتاجين واللاجئين المسلمين أينما وجدوا في أية دولة أوروبية. كما تشرف على تمويل حلقات دينية تسمى حلقات العرفان، وفتحت الجمعية مدرسة أئمة تضمن أجرا يقدر ب 2000 أورو للإمام و30 مليون أورو لبناء أكبر مسجد باستراسبورغ الذي شهد وضع حجر الأساس، إذ سيكون بمثابة أكبر جامع ومجمع إسلامي في أوروبا، شارك في وضع حجر الأساس له نائب رئيس الوزراء التركي "بكير بوزداغ" والسفير التركي المكلف بفرنسا إسماعيل موسى والعديد من الشخصيات الفرنسية. وكانت الجمعية الإسلامية التركية "ميلي غورش" في أوروبا (IGMG)، قد اشترت المكان في عام 1996 الذي كان عبارة عن مصنع قديم فحولته إلى جامع صغير. يتكون الجامع والمجمع الجديد، المصمم على الطراز العثماني، من 28 قبة، ومنارتين طول كل واحدة منهما لنحو 44 مترا. ويقع جامع أبو أيوب الأنصاري على مساحة 15 دونما، ويتسع ل3 آلاف مصل. كما سيحتوي على قاعة مؤتمرات ومدرسة ومكتبة ومطعم، بالإضافة لمرآب للسيارات يتسع ل600 مركبة. وتم العام المنصرم هدم المبنى القديم الذي كان يستخدم للصلاة، وبدء التجهيزات من أجل إنشاء الجامع الجديد. وتتواجد الجمعية الآن بكل من فرنسا وسويسرا وإيطاليا والنمسا والنرويج والسويد والدنمارك وهولندا وبلجيكا وإنجلترا وكندا وأستراليا. وفي فرنسا ممثلة ب 6 مراكز: باريس، ليون، الب شرق وجنوب، وجنوب غرب فرنسا. تنظم جمعية "ميلي غورش" زيارت ورحلات الى مختلف البلدان والمدن التاريخية حيث تتواجد آثار الحضارة والثقافة الإسلامية التي لا تزال موجودة حتى الآن. يحتوي مقر "ميلي غورش" على مكتبة لدعم الأدب الإسلامي. وتقوم دار النشر ببيع الكتب الاسلامية، إضافة الى وجود المراجع والنصوص الدينية وهي سهلة المنال ليجد الدين الاسلامي مكانة في المناطق الناطقة بلغات اخرى. وتحتضن دار النشر مناقشات حول مواضيع الأقلية المسلمة، ومن بين المنشورات نسخ من القرآن والسيرة النبوية وكتب الحديث ومجموعة من الخطب ليوم الجمعة وكتب لمواضع الزكاة والحج وكتب مبادئ الدين. كما حرصت على توفير تطبيق igmg، وهو تطبيق متاح لمستخدمي الهواتف الذكية باللغتين الألمانية والتركية وبها يحصل المستخدمون على الكثير من المعلومات الموجهة حسب الطلب للمسلمين مباشرة على هواتفهم النقالة ومن خلاله يمكن الحصول على النشرات الإخبارية وخطب الجمعة وغيرها من المعلومات. وحاليا امتد نشاط "ميلي غورش" الى افريقيا حيث تقوم هناك بحفر الآبار، وإرسال البعثات الطبية الى المستشفيات المتحركة، اضافة الى مساعدات إفطارية وسحورية في شهر رمضان للمعوزين وقليلي الدخل. وبلغة الأرقام، تتوفر جمعية "ميلي غوروش" على 96 مدرسة رسمية، و7 آلاف أستاذ، 142 ألف مسجد و90 موزعا بمختلف أنحاء العالم، وأكثر من 1000 طالب يدرسون العلوم الإسلامية في أوروبا في مختلف المدارس، و280 مركز تعليم في أوروبا في أزيد من 15 دولة في أوروبا، و111 حضانة، واتفاقيات مع 6 جامعات أوروبية بين 25 و35 متخرجت حافظت للقرآن سنويا، قسم المحاماة يتكون من 15 إلى 22 محاميا يدافع عن الجالية المسلمة تتكفل ب 1000 جنازة سنويا، و15 ألف عمرة سنويا. وتقوم الجمعية بتوزيع وذبح 189 ألف أضحية في 100 دولة، 300 الف مشترك في قسم الجنائز. ولعب المتطوعون بجمعية "غورش" دوراً هاماً كماً وكيفاً في رعاية وتطوير الدول النامية من خلال البرامج القومية، في مجالات المساعدات الإنسانية والتعاون التقني وتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية. كما شكل التطوع لديها أساساً لكثير من نشاطات المنظمات غير الحكومية ومنها الروابط الحرفية والاتحادية والمنظمات المدنية، إضافة إلى كثير من المشاريع في مجالات محو الأمية والتطعيم وحماية البيئة التي تعتمد على المجهودات التطوعية.