ما يجري في الدول العربية من ثورات وحراك هو تأنيب ضمير شعبي.. نعم تأنيب ضمير.. لأن الشعوب التزمت الصمت كثيرا إزاء تجاوزات واستبداد وقمع الأنظمة لكل محاولة هادئة للتغيير السلمي، في المقابل واصلت الحكومات العربية سياسة الإقصاء والقمع وكتم أصوات المعارضين، ثم ها هي بعض تلك الأنظمة تلقي باللوم على أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية.. وقناة ''الجزيرة'' أيضا. تُتهم بالوقوف وراء انتفاضة الشعوب!! إن الأنظمة الشمولية التي رفضت ولاتزال أي محاولة سلمية من أجل التغيير، هي التي تآمرت على استقرار الشعوب وأمنها القومي، وفتحت الباب واسعا أمام التدخلات الأجنبية. إنها الأنظمة التي أغلقت مجال النشاط السياسي وأحكمت قبضتها على وسائل الإعلام الثقيلة ومنعت نشاط الساسة ونشطاء حقوق الإنسان، هي الأنظمة نفسها أيضا التي تورطت في قمع المتظاهرين وقتل الأبرياء. أنظمة جرّت الناس إلى العنف، روّضت المعارضة وحوّلتها إلى واجهة سياسية، وأغلقت مجالات الحوار مع كل صوت جاد مسالم، فأطلقت العنان لشرطتها وأجهزة القمع التي سلّحتها ليس دفاعا عن الأمة وحدودها وأمنها ولكن لقمع مواطنيها. يحدث كل هذا الحراك والتململ الشعبي في العالم العربي، لأن الحكومات والأنظمة استخفت بشعوبها، فعاثت فسادا وطغيانا في بلدان عربية عدة تحول أبناء القادة والزعماء والرؤساء وأقاربهم وعائلاتهم إلى قوة ضاغطة في السياسة والمال والأعمال. رأينا كيف تحوّل أصهار الرئيس التونسي إلى دولة قائمة بذاتها، وتابعنا كيف عاثت عائلة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ومحيطه فسادا في مصر، وكيف حوّل أبناء القذافي خزائن ليبيا إلى صندوق للعائلة الكريمة، وكيف وزع الرئيس اليمني مفاصل الدولة على عائلته وأقاربه وأبناء قبيلته.. والقائمة تطول لأن هذا الحراك لا يمكن له التوقف، إلا بتغيير كل شيء في العالم العربي من الأحادية والأنظمة الشمولية إلى التعددية الحقيقية والأنظمة الديمقراطية. لا يمكن لمؤامرة خارجية أن تهز وتقود الشعوب للثورة ضد حكوماتها، قد تحرك مجموعة مسلحة هنا وهناك، أو جهة سياسية ما، لكنها لا تقوى على قيادة شعوب برمتها، تماما كما لا يمكن لقناة فضائية مهما بلغت درجة تأثيرها قيادة الرأي العام العربي نحو الثورة والتغيير. إن أخطاء الأنظمة العربية القاتلة هي التي حركت مشاعر الناس وضمير الأمة، ولو استمدت هذه الأنظمة القوة من شعوبها ما خرجت الجماهير للمطالبة برحيل هذا أو ذاك، ولو منحت الأنظمة لشعوبها حق التعبير الحر في وسائل إعلامها والشفافية في تسيير موارده والتوزيع العادل لثرواته، والعدالة بين طبقاته ما حدث الزلزال الذي نعيشه.