كيف تقيّمون اقتراب عودة الدراسة بالجامعات بعد أشهر من الإغلاق بسبب كورونا؟ كمال بداري: أدت مواجهة وباء "كوفيد 19" إلى قيام السلطات العمومية مؤقتًا بإغلاق جميع مؤسسات التربية والتكوين المهني والتعليم العالي أو على الأقل عدم تقديم دروس حضوريا. وعلى الرغم من إغلاقها طوال الفصل الدراسي الثاني، فقد ضمنت الجامعات الاستمرارية التعليمية في جزء من برنامج التكوين باستخدام التعليم عن بعد. كما قام قطاع التربية الوطنية بنفس الشيء من خلال وسائل الإعلام الثقيلة، وهي مبادرات جديرة بالثناء، لكنها تستلزم تحسينا وتقوية لمواجهة وضع مؤلم للغاية ذلك أنّ نظامنا التعليمي لم يكن مهيأ بشكل كافٍ لمواجهة مثل هذه التهديدات التي كادت تمس أسسه. العودة إذن إلى المدرسة والجامعة تقترب، فوجب أن تحدث العودة بتهيئة الظروف لذلك ضمن حدود معقولة... كيف تقيّمون آثار جائحة كوفيد 19 على المجتمع؟ حسب النظريات الاقتصادية فالأزمات الاقتصادية العالمية تنشأ بشكل عام عن دورة اكتملت نهايتها، كما يمكن أن تنشأ عن الفساد والاستهانة بتنظيم الشؤون المالية، فيكون الخروج من الأزمة بشكل عام على حساب الاقتصاديات الضعيفة. تسببت الأزمة الصحية ل«كوفيد 19" بصدمة لجميع البلدان، ووضعتها على نفس خط الانطلاق بحثًا عن طرق ووسائل للخروج بأقل الأضرار. لذلك بدأ العالم في رسم سيناريوهات ونماذج للخروج من هذه الصدمة. ويبقى التساؤل الذي يفرض نفسه: هل تم استخلاص العبرة من هذه الأزمة؟ أو بالأحرى، هل تم استخلاص أفضل الدروس؟ فمع حدث معقد مثل كوفيد 19، قد يصعب التكهّن عن أي الدروس المستفادة ستكون هي الأفضل؟ علمتنا الأزمات العالمية السابقة أن الدروس المستخلصة لم يتم استيعابها بشكل جيد، والمعالجات المطبقة كانت أسوأ من الضرر المسبب حيث على سبيل المثال أنجبت أزمة 1929 النازية، ومهدت أزمة الرهن العقاري لانخفاض أسعار النفط في عام 2015. في هذا السياق وبالنسبة لنا تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة: كيف سيتم تطوير قطاعنا الصحي؟ وكيف يمكن تحسين التكوين الطبي الجامعي؟ كيف يمكن بناء نظام صحي قوي يواجه كل الاحتمالات؟ وكيف ستتعامل جامعتنا، بمكوناتها التكوينية والبحثية، مع حقبة ما بعد كوفيد 19 وتحدياتها الهائلة؟ يجب ألا يغيب عن نظرنا حقيقة أنّ هذه الأزمة ستخلق لنا وضعيتين متناقضتين، إحداهما هي المواصلة في ضمان الاستقرار الاجتماعي، والأخرى إعادة هيكلة الاقتصاد وبنائه، وهنا تكمن إشكالية الخروج من الأزمة باتجاه التنمية. بعيدًا عن فكرة التنبؤ أو عن نبرة اليقين، تبقى الحقيقة أنه بعيدًا عن النتائج السلبية المتوقعة في جميع أنحاء العالم، فإن "كوفيد 19" سيعطي الإنسانية دروسا مهمة، من شأنها أن تساعد في تشكيل مستقبل أفضل، وسيكون على كلّ دولة أن تتعلّم الدروس جيدًا من خلال إعادة تحديد مساراتها ونماذجها التنموية. ما هي في نظركم مفاتيح الصمود لنظامنا التربوي في مرحلة ما بعد كورونا؟ يتم التعرف على الصمود من خلال صحة نظام التعليم، وبقائها جيدة بما فيه الكفاية على الرغم من الصدمة التي عانى منها. فهو يشمل صمود الطالب والمعلم وإدارة المؤسسة بشكل عام.لا توجد وصفة جاهزة لهذا الغرض، ولكنها مزيج من المهارات والخبرات والمواقف الإيجابية. الأمر متروك طبعا للسيناريوهات التي يجب صياغتها بعناية بناءً على رؤية واضحة لمستقبل التعليم حتى يستقر الوضع يوما ما. سيتعين حينها على التلميذ أو المتعلم الصامد في المستقبل، القيام بأنشطته التعليمية بذوق واهتمام، ومحاربة التعب والحفاظ على معنويات جيدة، والخضوع للامتحانات وعدم تفويتها تحت أي ذريعة كانت، كما يستوجب عليه أن يكون مستعدًا للنجاح أو للفشل الذي سيكون حافزا آخر بدوره للنجاح. يعتمد صمود المكون على الأخلاقيات أساسا، وعلى استخدام التكنولوجيا الرقمية وممارسات التدريس الجيدة، هذا إضافة إلى إجراء التقييمات الدورية، وتحديث علامات التلاميذ / المتدربين / الطلاب، وإنتاج محتوى تعليمي محدث، ناهيك عن تغذية النظام الأساسي الرقمي للمؤسسة ودعم الطالب. ولا يرتبط صمود الحوكمة بإتاحة تقنيات الاتصال للمعلمين والتلاميذ فحسب، بل أيضًا بتطوير وتكييف الموارد التعليمية والأدوات الرقمية على المواقع، كما لا يمكن للتعليم بشكل عام أن يزدهر بالمحتوى الجاهز، الذي تم إنشاؤه خارج الفضاء التعليمي وخارج العلاقات الإنسانية بين المعلمين والمتعلمين أو باستخدام المنصات الرقمية التي تسيطر عليها الشركات الخاصة، بل نحن بحاجة إلى أدوات محلية تتكيف مع ثقافتنا وطريقتنا في العيش. لن يكون الصمود في مستقبل التعليم مكتملة دون اتخاذ إجراء عام لتعزيز وظيفة التدريس وتقويتها وتهيئة الظروف المناسبة لممارسة الاستقلالية في العملية التعليمية وتشجيع التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ضف إلى ذلك الانخراط في التفكير المتعمق في برامج الدراسة وتقييمها. هذه العناصر مجتمعة هي السبيل الأوحد لنجاح العملية التعليمية والتي تحتاج إلى تضافر الجهود والمثابرة وضبط النفس والموقف الإيجابي، مع التأكيد على أن الجهد لا يمكن أن يكون جزئيًا أو خاصا بفئة دون أخرى، بل شاملا لكل القطاعات والمصالح. كيف تجري التحضيرات للدخول الجامعي بجامعة المسيلة؟ انطلق العام الدراسي بالجامعة يوم 23 أوت 2020 من خلال الاعتماد لأول مرة على المستوى الوطني الإمضاء الإلكتروني على محضر استئناف الأساتذة للعمل. وتتمثل عملية إعادة الانطلاق في تنظيم أنشطة بيداغوجية خاصة بنهاية سنة 2019/2020 وبدء السداسي الدراسي 2020/2021 بالدورة. وقد انطلقت الدورة الأولى عبر الإنترنت في 23 أوت 2020 من أجل اختتام السداسي الثاني من العام الدراسي 2019/2020. ويشمل هذا التاريخ أيضًا عودة طلبة الماستر 2 وطلبة الدكتوراه إلى الجامعة للتواصل مع أساتذتهم المشرفين وإكمال مذكرات تخرجهم. ونظرا للوضع الصحي الحالي، سيتم استئناف الطلبة من المستويات الأخرى، كما تم اقتراحه، حضوريا وبالمجموعة تلو الأخرى بدءا من 19 سبتمبر 2021. وتتمحور الفكرة هنا في العودة حضوريا بصفة معتدلة ومضبوطة. ما هي التدابير الوقائية التي تم اتخاذها من أجل الطلبة والأساتذة؟ نحن نهتم بصحة جميع الطلبة والأساتذة والموظفين، بحيث سيتم تنظيم العمل في الجامعة وفقا لمتطلبات البروتوكول الصحي. وهذه سلسلة من الإجراءات الصارمة، من بينها: التباعد الجسدي وإجبارية ارتداء الكمامة ونظافة اليدين والعمل وفقا لساعات العمل المتقطعة والتنظيف المنتظم لبنايات الجامعة بالمطهرّات وقياس درجة الحرارة في الصباح وطوال اليوم للطلبة والموظفين وضبط العدد بالقاعات. نحن نسعى للحفاظ على صحة الجميع حتى يكون الحرم الجامعي حيويًا بالحضور ويزخر بالتواصل. كيف سيتم تنظيم التعليم عن بعد؟ سنقوم بإنهاء السنة الجامعية 2019/2020 بواسطة نظام التعليم عن بعد. وحاليا يوجد 3200 مادة تعليمية تم إدراجها على المنصة. ومن أجل إنهاء أكبر قدر من البرنامج الزمني، سيتم تدريس جزء من المواد عن طريق التكنولوجيا عن بعد. والتدريس عبر الإنترنت مهمة تتطلب المزيد من العمل والتنظيم. ويلتزم الأستاذ بإنشاء الوثائق البيداغوجية وإيداعها على أن تكون مرئية وقابلة للتحميل أيضا، ومرافقة الطلبة قدر الإمكان وتنظيم الحوار عبر الإنترنت معهم من أجل إرشادهم ونصحهم وشرح المحاضرات والأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية لهم حسب قدرات استيعاب كل طالب، ويضع لهم اختبارات وتمارين ويقوم بتصحيحها لهم عبر الإنترنت وقياس مستوى تعلم الطلبة. بالنسبة لطلبة السنة الأولى لهذا المقبلين، سوف يتلقون أدلة رقمية عملية على منصة موودل، مع اسم المستخدم وكلمة المرور للدخول إلى النظام الرقمي في نفس اليوم الذي سيستلمون فيه شهادات البكالوريا الخاصة بهم. وضعت جامعة المسيلة ثلاثة سيناريوهات للعام الدراسي 2020/2021 وفقا للصيغة التقليدية والهجينة حسب التغييرات التي قد تطرأ على المستويين الكلي والجزئي. وينبغي التنويه إلى أن جامعة المسيلة هي المؤسسة الأولى والوحيدة التي نظمت أبوابًا مفتوحة عن بُعد حول الجامعة لطلبة الثانوية الثانوية في المنطقة بتاريخ 02 و3 يونيو 2020 باستخدام منصاتنا التعاونية.