يعتقد الكاتب الليبي الشهير محمد الأصفر المقيم بمدينة بنغازي في هذا الحوار، أن سقوط نظام القذافي يعتبر مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا بعد عقود من القمع والتسلط وتجهيل الشعب، مؤكدا أن الجزائر التي دفعت مليونا ونصفا من الشهداء لطرد الاحتلال الفرنسي، لا يمكنها إلا دعم الشعب الليبي في بحثه عن الانعتاق والتحرر، مستغربا اتهامها بقضية المرتزقة التي كانت مجرد حساسية سياسية لا غير··حاوره: أيمن السامرائي أولا·· كيف تقرأ أو تنظر إلى ما يحصل الآن في طرابلس؟ ما يحدث الآن نتيجة طبيعية لمدينة قمعها القذافي بعنف في بداية الانتفاضة وقتل منها أعدادا كبيرة·· حتى أنه قام بتنظيف الدماء من الشوارع بواسطة خراطيم مياه سيارات المطافئ، وجاءت هذه الانتفاضة نتيجة جهد وتنسيق بين ثوار المدن المحررة و”الناتو” وقناة ”الجزيرة” وأيضا الأيام المباركة التي تم اختيارها توقيتا لانطلاق هذه الانتفاضة لدق المسمار الأخير في نعش ديكتاتورية القذافي·· كانت كلمة السر هي الله أكبر وكان وقتها بعد صلاة المغرب ليوم العشرين رمضان الذي يوافق فتح مكة·· وعشرين أوت الذي يوافق يوم مولد عمر المختار والحمد لله فكل أهل طرابلس استجابوا وخرجوا للشارع وساعدتهم في الانتصار عدة عوامل أخرى منها سقوط مدن ”غريان” و”الزاوية” و”صرمان” و”صبراتة”·· وفي ليلة واحدة كانت طرابلس حرة بفعل أبنائها الأحرار بالدرجة الأولى ·· أين كان صوت المثقف الليبي خلال عهد القذافي·· لم نكن نسمع سوى عن أسماء قليلة فقط؟ كان يقبض المال عبر طبع الكتب ومكافآتها وعبر منحه رئاسة تحرير مجلات وإشراكه في نشاطات الحكومة الثقافية·· صوت المثقف كان يرتع في سوق النخاسة والتملق والنفاق وحتى الأسماء المهمة والكبيرة لا تجرؤ على انتقاد النظام·· كان في صلح مع الدولة، وحتى اليساريين الذين زج بهم القذافي عشر سنوات في السجن كانوا مندمجين في جوقة الركح ويقبضون جيدا·· ثورة الشباب صدمتهم وأخرجتهم من نومهم وخربت عليهم برامجهم في التحالف مع سيف الإسلام في صفقة توريث دنيئة يقوم فيها المثقفون والإصلاحيون منهم بكتابة دستور ضعيف يمكن سيف من حكم ليبيا على أن يمنحهم سيف لاحقا بعض المناصب والمزايا والجوائز وغيرها· قرأنا مرارا أن العقيد كان يحارب العلماء ولا يسمح ببروز أي نجم سواه·· يعني أنه اختصر ليبيا كلها في شخصه وكتابه الأخضر؟ نعم هذا صحيح·· تصور أن هناك قسما لدى جهاز الأمن الداخلي خاص بمحاربة النجومية والكاريزمات·· حتى لاعبي كرة القدم ممنوع عليهم الشهرة·· المذيع في التلفزيون يقول وهو يعلق على المباراة ”الجناح الأيسر يجري بالكرة يمررها إلى وسط الملعب·· رقم ثمانية يستلمها يستخلصها منه·· المدافع رقم خمسة” وهكذا·· لديه مرض نفسي من المشهورين في أي مجال ولا يريدنا أن ندخل إلى كأس العالم·· لا يريد لمطرب ليبي أن ينال جائزة، ولا يريد كاتبا أو مفكرا جيدا، وأي ليبي يتحصل على منصب دولي يقول له ارفضه·· كل شيء ممنوع·· النجاح ممنوع·· وأن تكون فاشلا في عصر القذافي تنفتح أمامك كل الأبواب، وعندما تكون غبيا تجد فرصتك في العمل والمناصب· طيب·· كيف كان يتواصل المثقف الليبي مع العالم في ظل هذا الوضع؟ اجتهادات شخصية أو عبر ترشيح مؤسسة الدولة له، وهذا لا يتم إلا لمن يدورون في فلكها·· أما بقية التواصل فيكون عبر الأصدقاء من الكتاب في البلدان الأخرى·· وبعد انتشار الانترنت؛ اتسعت الدائرة وتم التواصل بحذر خوفا من ”بصاصي الجيش الإلكتروني” الذي أنشأه نظام القذافي والخاص بالتجسس وضرب المواقع وتخريبها وسرقة ”الإيمايلات” وصفحات ”الفيسبوك”، والتشويش على الإذاعات والفضائيات، ولقد جند لهذا الأمر خبراء كبار من الدول الآسيوية وغيرها يقبضون أموالا طائلة·· القذافي بخيل جدا على الشعب، وكريم جدا على الأمن والبوليس والسجون والقيود والأغلال والأسلاك الشائكة والمشانق والعصي الكهربائية وغيرها· ماهو موقفك من النخبة المثقفة العربية التي ساندت القذافي؟ احترم وجهة نظرهم·· منهم من ساند القذافي من أجل المال، وهذا النوع بالطبع أحتقره، ولو طلب منا مالا لكنا منحناه ما لدينا فنحن في النهاية إخوة ورزقنا واحد·· وهناك من ساند القذافي متذرعا بتدخل ”الناتو”، وهؤلاء أعتبرهم مرضى لأنهم لم يفهموا الأمر بالضبط، وكيف كان القذافي سيمسح عددا من المدن التي تحررت من الأرض بواسطة أسلحته الثقيلة، وهؤلاء أعتبر أنهم لا يواكبون العصر ولا يعرفون أن العالم صار قرية واحدة وأن تدخل ”الناتو” والغرب كان لأجل الحياة وليس كما يزعمون لأجل النفط·· فالغرب أعجبته وأدهشته ثورة الليبيين، وأيضا الفرنسيون وخاصة منهم ”برنار ليفي” الذي رأى في ثورة ليبيا الثورة الفرنسية القديمة، ولذلك وقفوا معنا ضد الطاغية·· والمسألة أننا محظوظون وأيضا لأن ثورتنا نظيفة وصادقة وواجهت رصاص القذافي وقنابله بصدور عارية، وأن هدف ثورتنا ليس نشر التطرف أو الفساد أو العنف، وإنما من أجل الحرية، وجاءت على دفعات طيلة 42 سنة لتصل إلى باكورة تفجرها يوم 17 فبراير ,2011 ولا ننكر أن ثورة تونس ألهمتنا وثورة مصر أيضا، لكن ستظل ثورتنا مميزة ولها نكهتها الخاصة؛ فهي التي واجهت جيشا جرارا مسلحا أنفق عليه القذافي نصف ثروة ليبيا ليدافع به على كرسيه وإمبراطوريته· تؤكد بعض التقارير أن المفكر الفرنسي برنار ليفي كان يتلقي تعليماته من إسرائيل·· هل هذا صحيح؟ فرنسا، أمريكا، بريطانيا هي إسرائيل·· الآن العالم اختلطت أجناسه·· أنا لا أنظر لجنسية الشخص·· أنظر إلى أفعاله، وبرنار ليفي جاء إلى بنغازي ومصراتة وعاش مع الثوار مثل جان جينيه عندما عاش مع الفدائيين الفلسطينيين·· عرض حياته للخطر من أجل الحرية·· ما هي التعليمات التي تلقاها من إسرائيل؟·· لقد دافع عن الثوار الليبيين ووقف معهم في وجه القذافي·· هذه التعليمات حتى وإن جاءت من الشيطان نفسه أنا شخصيا سأقبل بها·· بصراحة ليفي فيلسوف وثائر وإنسان، ونحن في بنغازي نحبه كثيرا بغض النظر عن أنه يهودي، ففي بنغازي وطرابلس ومصراتة كان لدينا يهود وإن أتوا الآن في عصر الثورة وعادوا إلى ديارهم فمرحبا بهم فهم من نسيج مجتمعنا الليبي وقاسمونا قديما الحلوة والمرة ومنهم من قاتل الاستعمار الإيطالي معنا خاصة ممن ولدوا في ليبيا· هناك خشية من بقاء قوات ”الناتو” بعد سقوط النظام·· كيف ترى الأمر؟ هذا أمر يقرره الشعب الليبي·· مرحبا بهم كضيوف أو مستثمرين·· لكن كجنود على الأرض فهذا مبدأ مرفوض من قبل كل الشعب·· لقد عانينا كثيرا من كتائب القذافي وتحملنا القتل بصورة يومية كي لا نضطر إلى طلب التدخل البري، وكان تقدمنا في الجبهات بطيئا، لكن في النهاية نجحنا في دحر الكتائب وتحرير ليبيا·· ولن يكون هناك بعد التحرير خطر يستدعي بقاء قوات أجنبية·· نحن والناتو متفاهمون جدا·· فهو يريد نفطا وسنبيعه النفط ونسدد فاتورة الحرب أيضا·· سنتحالف معه في أي قضية من أجل الديمقراطية والحرية، وسنتحالف معه في حربه على الإرهاب·· قضايانا الداخلية سنحلها دون تدخل ”الناتو”·· لدينا إسلاميون وأمازيغ وكل منهما سيجد مكانه في اللعبة الديمقراطية، ونتمنى أن نكون مثل تركيا في تقدمها وتطورها·· وكل شيء عموما سيتفق عليه الليبيون وسيصلون إلى حل، ولدينا الكثير من الشخصيات التي تحظى باحترام الجميع وستتدخل بحكمتها إن حدث أي خلاف حول أي مسألة· كيف كنتم تنظرون إلى اتهام البعض للجزائر بدعم نظام القذافي؟ أنا شخصيا لا أصدق ذلك·· لقد زرت الجزائر عدة مرات وخبرت هذا الشعب وأيضا بعض سياسييه كالرئيس بوتفليقة والوزير بلخادم والوزير ميهوبي والوزيرة خليدة تومي·· وربما الفرنسيون يقولون لجماعة مجلسنا المحلي إن الجزائر تدعم القذافي وتعطيه أسلحة ومرتزقة، وأعتقد أن الأمر كله عبارة عن حساسية سياسة بين وزراء سابقين مع القذافي وصاروا أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي ووزراء جزائريين آخرين·· هناك بعض المرتزقة الجزائريين تم القبض عليهم لكن هذا لا يعنى أن هذا المرتزق قد أرسله الشعب الجزائري أو الحكومة الجزائرية، فالارتزاق من الحروب قرار شخصي· من أين كان يأتي المرتزقة في رأيك؟ هناك شركات دولية تتعامل مع المرتزقة وتسوقهم ومن هنا فالمرتزق لا يمثل دولته وإنما يمثل نفسه·· ونحن نعرف أن الشعب الجزائري معنا ومع الحرية، فشعب قدم مليون شهيد لا يمكنه إلا أن يكون مع الفريق الذي يقدم شهداء على محراب الحرية، وهذا الفريق بالطبع ليس الإرهابي القذافي الذي قتل في يوم 29 جوان 1996 ألف ومائتين وسبعين إنسانا في لحظة واحدة داخل سجن بوسليم من ضمنهم أخي الوحيد·· لا يمكننا أن نصدق أو نتهم الجزائر بأنها ضدنا·· إن حدث أي شيء من هذا القبيل سنعتبر الأمر مسألة سياسية استدعت هذا القرار لفترة مؤقتة