عكس كل من سبقوه وما ”أمركوه” في متتالية، هم السابقون وأنتم اللاحقون، ظهر طبيب العيون السورية المثقوبة والمصابة بورم الرمد الأمريكي، واثقا وصادقا إلى أبعد حد مع نفسه ومع الآخرين بعدما اعترف فخامة (؟؟) الرئيس بشار الأسد في حواره الموجه إلى أمريكا، وليس إلى سوريا، بأن مهمته في السلطة وعلى السلطة ومن السلطة لا تتعدى دور رعاية شؤون مزرعة القصر الذي يقطنه وعائلته الكريمة، أما عدا ذلك فإن أسد سوريا الهمام ليس مسؤولا عن الجيش ولا على الشرطة كما أنه لا يعرف شيئا عن تلك الكائنات الأمنية المسماة ”الشبيحة” التي استغل دمويتها مناهضوه ”المأمورون” والمتآمرون لكي يكشفوا من خلالها دموية أسد محاصر شككت أمريكا في قواه الذهنية والعصبية واتهمته بالجنون حين كسر كل القواعد ”العنترية” المتعارف عليها فيمثل هذه المواقف ليشذ عن مُسلّمة ”أنا الرئيس·· وأنا الزعيم··وأنا الحاكم” والتي ظل يرددها كل من زين العابدين وحسني مبارك والمنحور امعمر القذافي، بالإضافة إلى صالح اليمن في نهاية حكمهم، حتى اصطدموا واصطدم الناس بعد سقوطهم المتتالي بأن كل العنتريات و”الفنطازيا” التي ركبوها لم تكن سوى فرس من ورق مقوى· فوحده بشار الأسد من أقر بأنه لا يحكم وأنه لا يعلم ما يجري خارج أسوار قصره ومزرعته الأسرية، واعتراف بهذا الشكل وفي هذا الوقت وبتلك الصراحة ”المغلقة” يستحق صاحبه، بدلا من تشخيص ”الجنون” كتهمة أمريكية جاهزة قصف بها، وساما يعلق على رقبة أسد جريح امتلك شجاعة أن يقول لأمته، عبر وسيلة إعلامية أمريكية، إنه كحالة جميع الحكام العرب موظف ممتاز برتبة ”رئيس” لا يملك من أمره سوى قصره ومزرعة قصره التي يستنشق من خلالها هواء الرئاسة بالتقسيط الممل الذي لا يمكنه تحت أي ظرف وبأية حال أن يخل بمقاليد الحكم وبمن يقف أمام وخلف دفة الحكم يديرها ويدور بها حيث شاءت متطلبات الدوران ذلك·· من تونس وحينما أطلق زين العابدين جناحيه لريح الفرار في تعلق لهارب بقشة طائرة لم تجد لها من مطار يستقبلها بعدما كانت الأرض وكل ”فرنسا” مطارها ومحور دورانها، اكتشفنا أن بن علي الخارق و”الباشق” لم يكن سوى ”ظل” طوله ثلاث وعشرون سنة من عمر شجرة كانت تخفي غابة من حملات وحطابي الحطب الذين اقتلعوا بيد وسيف ذلك ”الزين” المسكين كل جذور القيروان، كما أمموا كل صلوات ودعوات جامع الزيتونة· فابن علي الذي عرفناه رئيسا بوليسا وجلادا لا يرف له جفن ولا كفن، ظهر في نهاية الطواف الجوي، حيث لا أرض لمت غربته الجوية، بأنه مجرد موظف رئاسي بسيط وضعيف كان يتقاضى أجرته الشهرية من لدن ”ليلى ” فاتنة العيون والقوام تم استئجارها من طرف جهات مستترة لحلاقة ”عقل” الرئيس ليسقط ”تاج” قرطاج من على رأسها بمجرد أن مددت تلك ”الليلة” اختصاص مقصها لحلاقة رأس تونس ومن يحكم تونس من وراء ستار و”منشار”، حيث كانت ثورة الياسمين واجهة رومانسية لقبضة ”عسكر” صدرت إليهم الأوامر الدولية والمحلية بإغلاق كافة محلات الحلاقة الرئاسية، لتبدأ صياغة تونسالجديدة من على ظهر قاعدة من يمتلك القوة يمتلك الحكم، والنتيجة التي نعرف جميعا أن رئيس ”فهمتكم” المتأخرة بثلاثة وعشرين عاما اكتشف قبيل ساعات من إعفائه من مهامه أن خطبة ”فهمتكم” كانت خطبته الوحيدة التي ارتجلها وألقاها وألفها بنفسه، فكل الزمن وكل الثلاث والعشرين سنة وكل الخطابات وكل ما سبق محطة ”فهمتكم” كان حضورا وتواجدا وتمثيلا بالوكالة عن ليلى ومن سبق ليلى في حلاقة غسل دماغ ورأس الرئيس المخلوع والمخدوع·· من مصر أم الدنيا، وحينما تلا عمر سليمان استقالة حسني مبارك بتلك الصورة السينمائية المؤثرة معلنا نهاية ”ريس” ظل لأكثر من ثلاثين عاما في مخيلة العرب والعجم رمزا للحضور والقوة والعناد والصمود، اكتشفنا كم كنا مغفلين وكم كانت مصر العميقة ”طيبة” حد السذاجة حينا اصطلت واصطبرت على من لم يكن لا فرعون ولا موسى، فذاك الذي قدموه على أنه الفرعون ”خوفو” أو”رمسيس” العصر، ظهر بأنه مواطن مسكين حنّطوه لثلاثين عاما في قصر عابدين، وحين أيقظه هدير ”ميدان التحرير” وٍرأى لأول مرة مصره على حقيقتها التائهة وجد الشاويش ”حسب الله” وابن عمه الباش كاتب ”عوض الله” يقودانه على سرير ”طنطاوي” مشير إلى قاعة محكمة مثله مثل أي ”بئيس” تلاعبت به الحاشية وبعدما قضت منه وطر ”الثلاثين” عاما من ”الوضع” والرضع رمته ”عظمة” عاجزة لتسلمه إلى عدالة: ”اذهب أنت و”جمالك” فسددا إننا ها هنا حاكمون·· جميعهم إذا لم يكونوا إلا ظلالا باهتة لحكام أصليين لا صور ولا ملامح لهم، وجميعهم، أظهرت أيام ”يعز ويذل من يشاء” أنهم لم يكونوا إلا ”كومبارس” طال به دور ”البديل” فابتلع وهم أنه ”الرئيس” وأنه الحاكم وأنه ملك الملوك، ليتقمص الدور ويتحدى بعد نهاية مهمته إرادة ”ارحل” الأمريكية التي تم تقديمها في أطباق شعوب جرعوها رغم مآل مرحلة ما بعد زين العابدين وما بعد مبارك وما بعد القذافي، أنها أسقطت رؤساء وزعماء وأنظمة فإذا بشاهد و”رئيس” منهم، من تلك العرائس الخشبية التي كانت تحرك من خلف ستار، ينزف وهو على سدة الحكم ليعترف وأقصد بشار الأسد بأنه لا يعرف شيئا وأن كل ما يجري خارج قصره ومزرعته ليس تحت سلطته، والأدهى والأمر أنه لا يدري من القاتل ومن القتيل في جحيم بلد المفروض أنه رجله الأول· وفي انتظار أن تفهم سوريا، التي رماها قدر الأسد و”غدر” أمريكا بين المطرقة والسندان، فالأكيد أن بشار الأسد صدق أمته على الأقل هذه المرة حين أبلغ شعبه أنه، كما الشعب، ليس شعبه فإن الجيش ليس جيشه، ومن التجني والظلم والمبالغة أن يكتشف ”ثوار” الأمة العربية بعد دفن ضحاياهم أنها ثاروا وملأوا الدنيا ضجيجا على فاقد شيء ظهر في سوريا وفي مصر وفي تونس وليبيا بأنه ليس لديه شيء يعطيه أو يحميه··