ليست حالة شاذة ولا حالات إبحار معزولة، ولكنها ظاهرة تستحق الوجوم عند أنوثتها، لنعرف وتعرف الحكومة إلى أين قادتنا أرقامها وألغامها الاجتماعية، فمن عنابة الساحرة التي أشاد واليها قبل الرئاسيات الأخيرة بجميلة جميلات عنابة، نزل علينا خبر واثنان بأن حراس السواحل قد أعادوا إلى الوطن المفدى. فتاتين وعشرا كنّ في رحلة موت باتجاه سردينيا هروبا من تخمة الجمال في هذا الوطن المبحر نحو المجهول والذي يؤكد مسؤولوه أن المرأة فيه مقدرة ومعززة و''عانزة'' ولا ينقصها سوى ابن الحلال الذي اختار عبر الإنترنت في أكثر من واقعة ''خنشلية'' عجوزة الحلال، التي قد تكون ألمانية أو فرنسية اهتدت إلى الإسلام عن طريق علاقة حب إلكترونية متأخرة بنصف قرن لتحجز لها عريسا ''فحلا'' صالحا لكافة الاستعمالات السريرية، لا ينقصه سوى بطاقة إقامة. مرة أخرى ما زالوا يهربون ويغامرون ويغرقون ولايزال البحر وجهتهم وقبلتهم وسواء أدخلتهم الحكومة السجن أفواجا أو عفت على يأسهم، فإنهم هناك متربصون وثابتون، يراقبون الأمواج التي ما إن يخفت إضطرابها حتى يعود ''الحرافة'' إلى سابق إبحارهم وكفرهم بالوطن ومساحته وجمال ولد عباس الذي لايزال يتكلم عن إنجاز الحافلات التي فتحت الأبواب أمام حلم ''الحرفة'' إلى المريخ وليس إلى الضفة الأخرى فقط، في احتجاج تاريخي على أن ولد عباس ملزم كوزير حنون أن يفكر في حجز أسرة لفئة جيدة من الأمهات العازبات، اللواتي لا يحملن في بطونهنّ دماء جزائرية ولكن دماء من وراء البحر، مادامت بناتنا قد دشنّ عهد الحرفة وأصبحن متساويات في حق البحر مع رجال واقفين أمام الشواطئ يترقبون لحظة الخلاص.. الظاهرة التي كانت مقتصرة على إبحار الذكور، وصلها المدد الاجتماعي ومن عنابة والطارف وردت الأخبار بأن بناتنا قبض عليهنّ في عرض البحر هاربات بيأسهن وليس بشرفهنّ، وكما بدأت الحرفة بقارب واثنين ذكرين، قللت من شأنهما السلطة لتتطور إلى قوافل من القوارب تمتهن الموت فإن ظاهرة البنات التي بدأت بفتاتين وأربع سوف تتطور وقانون الحبس لن يردع حواء الجزائرية على أن تتساوى وتنافس الرجال في حرفتهم ومن لم يعجبه الكلام فليشرب من ماء البحر، ليرى كم فتاة في عمر الزهور فكرت وقررت وأبحرت غير مبالية بأخطار البحر ولا بحكاوى الشرف لتسجل بين صفحات البحر بأن بالجزائر ولدت ''سندبادة البحر'' بعدما غزا ''السندباديون'' عرض المحيط وكل يوم جثة وعشرات الأطراف لجثث لا يختلف على أن صاحبها جزائري بحت ولو عثر عليها في مثلث برمودة. بين الأرقام الرسمية التي تتحدث عن أن مائة ألف امرأة تشتغل سيدة أعمال وتنافس ''ربراب'' على ''ربوبيته'' الخشنة، وتقرير ''الكناس'' بأن قطاع التربية استولت عليه ''هي'' لتصبج الأستاذة والكاتبة والسكرتيرة التي تعين وتقيل الذكور بغمزة من عينيها لينعم عليها الدستور المعدل بأن تكون ''ميرة'' أو زميلة ''مير'' في الرضاعة المحلية، يحق لنا أن نبحث عن السر الكامن وراء تورط فتيات في عمر الزهور في رمي أنفسهنّ إلى البحر رغم أن ''الجنة'' هنا وولد عباس هنا والمساواة هنا، فإذا كان من العادي أن يبرر الحرافون الذكور انتحارهم البحري بالبطالة وبالعنوسة الاجتماعية وبغياب الحكومة عن واقعهم ومعانتهم، فإنه من غير المنطقي أن تنتقل العدوى إلى جنس الإناث وكلنا نعلم أن مقولة وراء كل رجل عظيم امرأة قد انعكست بقرار دستوري فأضحت وراء كل امرأة جميلة ألف مسؤول وألف بطال عظيم طبعا.. إلى أين نتجه، وهل تعي الحكومة أن فشلها في شتى مجالات الحياة جعل منها امرأة ''عانسا''، مطلوب منا كأمة تحترم وتقدس الشرف أن تبحث لها بدلا من عريس على طابور عرسان ووزراء يملأون كراسيهم وبيوتهم فلا يدفعون بناتنا إلى الخروج من بيت الطاعة لرمي شرفهنّ في البحر، في انتحار أنثوي قابع على الأبواب أفرغ كافة البرامج من مسمياتها وأنهى أكذوبة أنهم موجودون وحائرون على مستقبل جيل يقال إنه بعد عمر طويل سيستلم ''المشعل''، ليظهر مع كل طلعة شمس أته لا جيل ولا مشعل ولا قبلة سوى البحر الذي يعلم كافة راكبيه أن نهايته إما غرقا أو سجنا، ورغم ذلك فإنهم ينتحرون ويكررون الانتحار غير مبالين وغير مصدقين بأن الغد قد يكون أحسن من سابقه، وكما لا شيء ثابت غير أرقام قرأها أويحيى في حكومته الأولى وتلاها بلخادم في الحكومة الموالية ليورثها لأويحيى في استوزاره الثاني، فإن ما حبلت به شواطئ عنابة وسواحل الوطن غني عن كل ترقيع. لقد قررت بناتنا افتكاك حقهن في الإبحار، فماذا ستفعل السلطة لو صحت يوما ولم تجد في أرضها ''فتاة''.. نكاد نجرم بأن وزير الاستثمار ''تمار'' سوف يحل الأزمة في ثوانٍ، وكما استورد مليون طن من الحديد فإنه سيستورد لنا مليون طن من ذوات العيون الخضر والسلعة متوفرة والمال موجود والجنة الموعودة تبدأ من استيراد حور العين وكل مواطن حينها سيعرف كم هي كريمة ورائعة هذه الحكومة التي تعرف أنه الاستيراد حل سحري لإفلاس البرامج سواء تعلق الأمر بالحديد أو البطاطا أو ببناتنا في البحر.