^ اتهامات خليدة تومي تعجل بميلاد جبهة رفض داخل المجلس الولائي بعنابة ^ حرب ملصقات بين الأنصار والمعارضين في الشوارع.. و500 شرطي لتأمين ملعب العقيد شابو أمر المدير العام للأمن الوطني، اللواء عبد الغاني هامل، في تعليمة عاجلة أبرق بها لمديرية أمن عنابة بفتح تحقيق في صفقة استقدام بلدية عنابة للفنانة اللبنانية إليسا خوري للغناء في ملعب «العقيد شابو» في الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر. وذلك على خلفية الاتهامات الخطيرة التي أطلقتها وزيرة الثقافة خليدة تومي التي طعنت في قانونية «الصفقة المشبوهة» وتبعها أعضاء من المجلس الشعبي الولائي في دورتهم الأخيرة التي اختتمت نهاية الأسبوع حينما فجروا جام غضبهم على منتخبي المجلس البلدي مطالبين الوالي بالتدخل لإلغاء الحفل والتصدي «لحملة هدر المال العام في نهاية العهدة الانتخابية». وطالب اللواء هامل في تعليمة تحمل ختم «سري» بوضع الصفقة المثيرة للجدل تحت مجهر التحقيقات الأمنية للتأكد من سلامتها القانونية خاصة أن المعطيات الأولية أشارت إلى إن الصفقة افتكتها مؤسسة خاصة تسمى «سيبل سيستم» الكائن مقرها بعنابة بعد أن رست عليها عملية سبر آراء نظمتها البلدية، السنة الماضية، عبر مراكزها الثقافية ومكتباتها. ومن المرتقب أن يشرع فريق أمني متخصص ابتداء من اليوم في استدعاء بعض المعنيين بالحفل الفني لكشف الملابسات الحقيقية لصفقة التي قوبلت ب«جبهة رفض» شعبية ورسمية ساخطة على استقدام صاحبة «أجمل إحساس» بغرض الغناء في ملعب «العقيد شابو» بعنابة في إطار فعاليات خمسينية الاستقلال. وسيطلع المحققون بناء على استجواب منتخبين وإداريين على آليات ومراحل عملية منح الصفقة والتحري حول هوية أصحاب الشركة الخاصة المنظمة للحفل. وقد أثار مبلغ الصفقة المقدر بنحو 950 مليون سنتيم الجزائريين ليس في عنابة فقط بل من مختلف الولايات وتأسيس حملة لمقاطعة حفلها، حيث صُدم هؤلاء بالمبلغ المالي وما زاد حدّة الغضب وتبرير المعارضين مقاطعتهم للحفل بأن «الجزائر بلد غني بشعب فقير» بسبب التبذير على الفن والحفلات والاحتفال بيوم الاستقلال بصرف الملايين على «فنانات الاغراء»، ناهيك عن حملات الفيسبوك بين المعارضين والموالين لحفل الفنانة اللبنانية والتي زادت اشتعالا خاصة بعد تصريحات المسؤولة الاولى عن قطاع الثقافة خليدة تومي، التي أكدت على أن المال العام يتعرض لعملية استنزاف منظمة من طرف بعض الشركات الخاصة الذين يريدون توظيف علاقاتهم مع أو داخل مؤسسات الدولة من أجل وضع أيديهم على الميزانية التي ترصدها الدولة للنشاطات الثقافية. ونددت الوزيرة بعملية استقدام الفنانة اللبنانية إليسا للغناء بمناسبة الاحتفالات بخمسينية الاستقلال، وركزت في كلامها على المقابل الذي ستحصل عليه الفنانة اللبنانية والمقدر بحوالي 950 مليون سنتيم، أي ما يعادل 100 ألف دولار، موضحة أن بنك الجزائر لن يسمح بتحويل هذا المقابل إلى الخارج، وبالتالي لن تكون هناك طريقة لتسديد المبلغ سوى «الشكارة» التي ترمز عادة للفساد. محاولة دخول التاريخ من بوابة «إليسا» خصص نشطاء الفايسبوك بمدينة عنابة صفحة لهذا الشأن سموها «حملة منع حضور إليسا إلى عنابة في عيد الاستقلال»، حملت تعليقات عنيفة جداً تستنكر استضافة الفنانة. واللافت أن الحملة لقيت تجاوبا منقطع النظير سواء على الصعيد الثقافي أو السياسي أو الشباني. وفي الميدان تفجرت حرب ملصقات بين الداعين للحفل وآخرين تفرغوا لتعليق مناشير تدعو للمقاطعة ومحاسبة مسؤولي بلدية عنابة على «الصفقة المشبوهة مع إليسا. وقال معارضون للحفل بينهم النائب البرلماني السابق محمد بوشارب الذي يعرف بقربه من الشيخ جاب الله، إنه شخصيا ليس ضد الفن الملتزم ولكنه معارض شرس لفنانات الاغراء، مضيفا أن الدعوة للمنع لا تخص إليسا فقط ولكنها تعني كل من يمارس فناً هابطاً وهذه قاعدة تجتمع عليها عدة تشكيلات سياسية منتمية للتيار الاسلامي. من جانبه أشار، متحدث من اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون محافظة عنابة أن الخطوة عار على جبهة التحرير الوطني الذي تدير مجلس بلدية عنابة لكنه قال «لسنا ضد غناء الفنانين الجزائريين أو العرب في بلادنا ولكننا نريد فنانين وفق دفتر شروط الشعب الجزائري، دفتر شروط أخلاقي وفكري هادف خاصة بمناسبة خمسينية الاستقلال». من جانبه، شجب الإعلامي والناشط في الحقل الثقافي جلال مناد، ما وصفها ب«استقالة لجنة الثقافة والسياحة والحفلات بالمجلس الشعبي لبلدية عنابة، من تفعيل المشهد الثقافي وتفرغها بالمقابل لتحضيرات كبيرة استنفدت أموالا ووقتا وجهودا من أجل سحر عيون المطربة اللبنانية إيليسا». ولاحظ جلال مناد أستاذ الاتصال ومنهجية البحث العلمي بمعهد السياحة والفندقة سابقا، أن مبلغ المليار سنتيم كان أولى تخصيصه لتشجيع بحوثات علمية حول تاريخ المنطقة وأعلامها أو إنتاج أفلام توثق لتعاقب الحضارات والمعارك التي دارت رحاها بهذه الجهة إبان الثورة التحريرية، لاسيما أن سلطات بلدية وولاية عنابة ربطت الحفل المذكور باحتفالات خمسينية الاستقلال. وتابع رئيس جمعية ترقية الفنون والتراث الثقافي أنه بغض النظر عن الأداء الفني للمطربة اللبنانية محل الجدل، فإنه لا يليق بمجلس شعبي بلدي انتخبه مواطنون يتكفل بانشغالاتهم، أن يؤسس لثقافة «الشطيح والرديح» في نهاية العهدة، وشدد جلال مناد أن «الختام لم يكن مسكا إطلاقا مثلما تصوره رئيس بلدية عنابة ومعاونوه في لجنة الثقافة والسياحة تحديدا، لأن رقعة الرفض اتسعت وهذا أمر منطقي على خلفية الأداء الهزيل للمجلس البلدي في التكفل بمشاغل المواطنين الذين يبحثون عمن يحل مشاكلهم وينتج لهم ثقافة تكوّن الأجيال». واستطرد المتحدث «إنه من منطلق علاقتي بالوسط الثقافي فقد تواصلت مع القائمين على الحفل الذي أغضب شريحة الشباب والمثقفين، لكن ردودهم لم تقنعني البتة». وتساءل الإعلامي جلال مناد في مقابلة مع جريدة «البلاد»: كيف سيلاقي مسؤولو المجلس الشعبي لبلدية عنابة مواطنيهم حين يطالبونهم بكشف حصيلة العهدة الانتخابية؟ حتما لن تتمكن رئيسة لجنة السياحة والثقافة ورئيس البلدية من دخول التاريخ عبر بوابة «إليسا»، يختم جلال مناد. كما دعا شبان من مثقفي عنابة على غرار الطالب الجامعي طاجين نور الدين إلى «التدخل والاعتراض لمنع حصول هذا الأمر الذي نعتبره إهانة للشعب الجزائري عامة ولأرواح شهدائنا الأبرار خاصة». وقال آخر «نطالب بمحاكمة أعضاء بلدية عنابة والمسؤولين، ونطالب بصرف مليار إليسا على المشاريع الخيرية ومساعدة العائلات الفقيرة». بلدية عنابة مصرة على عدم إلغاء الحفل لكن مسؤولا من المجلس البلدي دافع عن الصفقة وقال إنها تمت في كنف احترام القانون خاصة أن الشركة التي ظفرت بالصفقة هي نفسها التي افتكت قبل سنوات اتفاقية استقدام كل من الفنانين الجزائريين خالد ومامي، لإحياء حفلتيهما بعنابة سنتي 2009 و2011. وحرص المتحدث في تصريح ل«البلاد» على التاكيد أن المجلس البلدي أطلق مشاورات ماراطونية استغرقت قرابة ثلاثة أشهر لإتمام ما تتضمنه من واجبات وحقوق كل طرف في هذه الصفقة الفنية». ولأن الوزيرة خليدة تومي استبعدت تأشير أي بنك عمومي على ما وصفقته ب«المهزلة» قال المصدر نفسه إن «الشركة المتخصصة في تنظيم الحفلات في وضع قانوني ولها حساب بنكي مهني، وكل علاقة تجارية تجمعنا به تتم بكل شفافية، وطريقة دفعها لمستحقات الفنانة لا تعنينا، كوننا لم نتعاقد مع المغنية اللبنانية بطريقة مباشرة». وبعد تهجم المصدر على منافسين من الوسط الفني والثقافي متهما إياهم برفع تقارير عدائية لوزارة الثقافة شدد المصدر على أن «الحفل لن يتم الغاؤه مهما كانت الظروف لأن المجلس البلدي سيحقق من ورائه مداخيل هامة، ستعود بالفائدة على البلدية دون توضيح آليات تحويل تلك المداخيل». من جهتها، اعتبرت رئيسة لجنة الثقافة والسياحة بالمجلس البلدي عقيلة زلاقي، الذين يريدون أن يفسدوا هذا الحفل بمعارضي الفن عموما قائلة «لقد اتفقنا مع مؤسسة سيبل سيستم على استقدام إليسا للغناء في مدينة عنابة في الثاني جويلية الداخل بمناسبة خمسينية الاستقلال، أردنا أن نرفه عن شبابنا بخبطة ثقافية فنية لأن إليسا فنانة موهوبة حصلت على لقب أحسن فنانة عربية العام الماضي». وأضافت السيدة زلاقي رداً على الغاضبين «ثم إن الحفل لا يضم إليسا وحدها، بل هناك فنانون جزائريون شباب سينشطون خمس حفلات منهم الشاب بلال المحبوب لدى الشباب. نريد أن نخرج من الروتين قليلاً». وانتقدت زلاقي في تصريح ل«البلاد» ما وصفته ب«الحملة الشرسة التي تقودها أطراف معادية لتوجهات جبهة التحرير الوطني التي تتقاسم مسؤولية تسيير المجلس الشعبي البلدي مع عدة تشكيلات سياسية أخرى». وأضافت المسؤولة في مجلس بلدية عنابة أن «من يوجهون لنا اللوم هم من ضعاف النفوس و«فارغين شغل» يقضون جل أوقاتهم على شبكة التواصل الاجتماعي»، في إشارة واضحة إلى حرب ساخنة تدور رحاها على موقع «الفايسبوك» بين منددين بتنظيم حفل إليسا وداعمين لها. وشددت المسؤولة بالهيئة التنفيذية لبلدية عنابة، أن الحملة المسعورة ضد استقدام الفنانة اللبنانية غير بريئة، بدليل أن الأمر لم يطل حفل الشاب بلال الذي سيغني في نفس المكان يوم 5 جويلية بمبلغ مالي يقارب 400 مليون سنتيم. واستنكرت المتحدثة إلصاق أوصاف غير أخلاقية بالفنانة اللبنانية والجهة المنظمة، فلماذا لم ينطق أحد لما دعي نجوم الساحة الغنائية العرب إلى مهرجانات جميلة وتيمڤاد ووهران؟ وأفادت عقيلة زلاقي أن مبلغ التذكرة الواحدة حدد ب1000 دينار جزائري، بينما حددت تذكرة الدخول لحفل الشاب بلال ب 400 دينار جزائري. وأوضحت المتحدثة أن المجلس الشعبي البلدي لعنابة خصص برنامجا ثريا لإحياء خمسينية الاستقلال عبر تفعيل المشهد الثقافي والفني، من خلال تكريم وجوه ثورية وفنية وثقافية وتاريخية قدمت عطاءات للمدينة. وذكرت رئيسة لجنة الحفلات أن الجمعيات البلدية النشطة في الحقل الشباني والثقافي استفادت إجمالا من غلاف مالي قدر بنحو 3 ملايير و881 مليون سنتيم لإشراك فعاليات المجتمع المدني في تنظيم وإحياء ذكرى الخمسينية. مخطط أمني خاص لتأمين الحفل حرك الاحتقان المتواصل بين أنصار ومعارضي إقامة حفل إليسا المصالح الأمنية التي أعدت مخططا أمنيا خاصا لتأمين الحفل الذي سيحتضنه ملعب العقيد شابو بالقرب من مديرية الأمن الولائي خاصة أن جدران المدينة تلطخت بمناشير تدعو لمنع دخول الفنانة بالقوة للغناء بمناسبة خمسينية الاستقلال. وعلمت «البلاد» أن مصالح الأمن خصصت قرابة 500 عون أمن وفرقة متخصصة في مكافحة الشغب لحماية المدعوين من أي اعتداءات قد تطالهم من بعض الغاصبين. وفي الموضوع قال أحد منتخبي المجلس الشعبي الولائي إنه اقتنع شخصيا بحملة المعارضة التي أشعلها شباب ساخط على الوضع الاجتماعي في وقت تصرف الملايير على الفن الهابط وقال المتحدث إنه بدل ما يوزع هذه الملايير من ريع الشعب على المغنيات والمغنيين، فليلتفت المجلس البلدي والسلطات عموما إلى نساء وأبناء الشهداء وأبناء الجزائر الأحرار الزوالية ويمنحوهم سكنات وأعمالاً يسترزقون منها، هذا هو رد الجميل للشهداء والوطن وكل من ضحى بالغالي والنفيس، وهذا هو عيد الاستقلال الحقيقي وهذا هو إدخال الفرحة إلى قلوب أبناء الجزائر بدلا من إعطاء مال الشعب إلى مغنية لا علاقة لها بالفن الأصيل ولا تنطبق أغانيها أصلاً مع حفلة عيد استقلال. وشدد المتحدث على أن هذه التصريحات أضحت تقاسمه إياها عضو في الحكومة ممثلة في وزيرة الثقافة خليدة تومي.