لم يعد للجواد ولا للخيمة ولا للسلوقي مرأى في براري أغلب مناطق الحضنة بولاية المسيلة، ولم تعد هذه الثلاثية تدخل ضمن الديكور اليومي للبدو الرحل بل وأصبحت السهوب ببراريها وتلالها لا تختلف كثيرا عن مناطق التل من حيث البيئة والبنيان بل والممارسات اليومية ونمط المعيشة. القسم المحلي وأما الجواد فنقص مربوه من البدو الرحل لأسباب كثيرة يبرز منها أنه أصبح عبئا إضافيا على الموال بحيث يكلف الكثير في علفه وتربيته والاعتناء به خصوصا إذا ما كان جوادا عربيا أصيلا كما عرفت بتربيته مناطق الحضنة. وإذا كان الجواد قد اقترن في مناطق البداوة بالفنطازيا، فإن لتراجعها إلى حد الصفر في بعض الأحيان تأثير سلبي على تربية الجياد حيث يتم ذلك ضمن نظام اختل كلية لم يعد للأفراح وجود للفنطازيا ولم يعد سكان المناطق البدوية الريفية يعيرون أي اهتمام يذكر لسباق الخيل وإقامة الملتقيات للتباري خلالها ومعرفة أحسن الجياد وأصالتها والتباهي بها بل واعتبارها مرجعا للأنفة وحسن الأخلاق والشهامة. وفي الوقت الذي كان يعتبر فيه الجواد إحدى السمات المفرقة بين أغنياء وملاك الأموال والماشية وغيرهم من السكان البدو، فإن هذا التفريق قد تحول من جواد يعلف شعيرا وخرطالا وتبنا إلى سيارة وشاحنة تسيران بالوقود بل ولهما نفس المآرب لكنهما أسرع وأحسن وأقل تكلفة. وهذا الطرح الشائع ميدانيا في وسط المناطق التي عرفت بالبداوة كرسه عدم إعارة الاهتمام لتربية الجواد على الأقل بالنسبة للأجيال الحالية، حيث يتداول على السنة شباب مناطق بن سرور والسوامع وسيدي عيسى والحوامد وغيرها بأن آباءهم وأجدادهم كانوا بالرغم من ملكيتهم للسيارات ووسائل التنقل الحديثة إلا أن ذلك لم يغنهم عن امتلاك أكثر من جواد يخرجوها في المناسبات السارة والمهرجانات للتباهي والتباري. وعند السؤال عن مسببات تخليهم عن ممارسات آبائهم وأجدادهم كثيرا ما تكون الإجابة سطحية وعلى قدر السؤال بل ويعبرون عن عدم معرفتهم للأسباب التي أدت إلى التخلي عن تربية الخيل التي تعد بالنسبة إليهم أمرا واقعا كثيرا ما لم يطرح باعتباره ليس موضوع الساعة من حيث الأهمية. وفي هذا المجال، يعد على الأصابع ما تبقى من موالين في المناطق التي كانت تعرف فيما سبق بالترحال والمحافظين إلى حد الآن على تربية الجياد وهؤلاء يتناقصون حسبما تؤكده عينة من المربين في منطقة بن سرور والحوامد والسوامع وهذا نظرا لصعوبة التكفل بالجواد تربية، خصوصا إذا ما طالت مدة الجفاف وأصبح الاعتماد على الاعلاف سيد الموقف. وتعتبر ذات المصادر، أنه لإعادة الاعتبار لتربية الخيل بالمنطقة كلصيق بالبداوة ونشاطاتها، فإن التكتل في جمعيات تحافظ على هذا الموروث أصبح أمرا ضروريا غير انه على نقيض مما أشير إليه، يرى بعض ممن عرفوا بتربية الخيل فيما سبق بمناطق البدو الرحل أن أي مساعدة لابد وأن تذهب إلى تربية الخيل وليس لعلف الماشية وبيع رؤوس الخيل كما أثبتته التجارب في العديد من المرات. وأما السلوفي ذلك الكلب ذو ميزات خاصة منها نحافة الجسم وارتفاع القوام وسرعة الجري وندرة النباح إلى حد البكم، حيث يعرف متى يقوم بعمله المتمثل فقط في مطاردة الفريسة والقبض عليها وتسليمها إلى الصياد عندما يكون في خرجة صيد أو يطارد فريسة قد تكون أرنبا بريا أو جربوعا أو ذئبا. وللسلوقي حكايات مع البدو الرحل يخيطها أطفالهم في الأقاصيص والأحاجي بل ويجعلون منه بطل هذه الاخيرة حتى أنها قربته منهم وجعلته فردا من العائلة له واجباته وحقوقه وأما الأولى فهي المشاركة في الصيد والدفاع عن الأغنام حالما يهاجمها ذئب وتابعا في بعض مباريات سباق الخيل والفنطازيا. ولم يعد للسلوقي وجود إلا ما ندر في أغلب مناطق الحضنة وهذا نظرا للعديد من الأسباب يختصرها بعض من ربوه ويعرفون دوره في تراجع الصيد الذي لم يعد من بين أعمال التسلية التي كانت تقام من قبل البدو الرحل في أوقات فراغهم . أما السبب الثاني فمضمونه التخلي عن الفنطازيا وعدم الاعتناء بالخيل حتى يكون السلوفي مكملا لديكور هذه الممارسة التي تعد فنية وثقافية في مناطق البدو. ومن بين أسباب التخلي عن السلوفي بروز نوع جديد من الرعي يعتمد فيه على وسائل أخرى للتصدي للذئاب من بينها اللجوء إلى زرائب من الطوب او الاسمنت موصدة الأبواب ولذلك علاقة باستقرار البدو الذين لم يعودوا يعتمدون على الخيمة في المبيت بل وبنوا بيوتا من المسلح وحذوا بذلك حذو المناطق التلية . وحل محل السلوفي نوعية أخرى من الكلاب ليس لها سمات الصيد والجري وغيرها بل هي كلاب لحراسة القطيع مستعدة للنباح حينما تحس بخطر يداهم القطيع بل وتساعد الراعي على إعادته الى موقع الكلأ وهي سمة ليست متوفرة لدى السلوفي. وبالرغم من عدم توفر مبرر صعوبة الاعتناء بالسلوفي كما هو الحال بالنسبة للجواد، حيث لايتطلب ذلك سوى القليل من باقي الطعام بل وحتى هذا . وإذ كانت الخيمة او بيت الشعر نسبة الى المادة التي نسجت بها من سمات البداوة، فإنها نادرا ما ترى منصوبة في أغلب مناطق ولاية المسيلة ما عدا في أقصى الجنوب كما في الزرزور وهذه الميزة دليلا على انقطاع الترحال واحتضاره . وفي هذا الموضوع يشير البعض ممن يعرفون البداوة وعايشوا أطوارها أن الخيمة هي المؤشر الأساسي لحالة الترحال، فإن تم رؤيتها منصوبة في براري السهوب، فإن ذلك دليلا على وجود البدو الرحل والعكس صحيحا . ويثبت الواقع العملي المدعم بأقوال بعض ممن تخلوا عن الترحال فقط في العشريتين السابقتين، أن التخلي عن الخيمة معناه التخلي عن الترحال، حيث لايعقل أن يحزم البدوي بيتا من الطوب أو الاسمنت لينقله إلى مناطق الكلأ وهي السهوب شتاء والتل صيفا. وحسب هؤلاء فإن ما ساهم في التخلي عن الخيمة بالإضلفة إلى التخلي عن الترحال هو اعتماد الموال في ولاية المسيلة كغيره في ربوع الوطن على العلف خلال فصل الصيف بل ويتم الاعتماد عليه كلية خلال العام حالما يكون هذا الأخير متسما بالجفاف. ويبدو حسب بعض المعطيات المستقاة من جامعة محمد بوضياف، أن الطلبة والأساتذة الباحثين في علم الاجتماع مدعوون على أكثر من صعيد الى دراسة ظاهرة تأثير البرامج السكنية التي تقوم بتجسيدها الدولة منذ عدة أعوام على الترحال. ويراد بهذه البرامج السكنية تثبيت السكان في المناطق الريفية ودرء زحفهم نحو المدن غير أن هذا الطرح أدى عمليا الى المساهمة في القضاء على ظاهرة الترحال ما دام يتيح للمربي الاستقرار في موطنه والاعتماد على الأعلاف طيلة العام