إذا فشلتُ «أمة» في تحريك قفة للجزار فيها باع طويل، يبيت ويزعم أن عشاءه لفت، أو نجاز ليس أمام داره باب، فاقرأوا السلام على تلك الأمة ولاترجو الكثير أو مفاجأة من السماء في حدوث تغيير يهز أركان الحزب السري العتيد الماكث في الحكم سنين، فهذا أول درس تلقنه نقابة المستهلكين، أي جمعيتهم؟ فتاوى تجار مع أن التجار هم آخر عباد اللَّه الذين يمكنهم أن يصدروا فتاوى على الهواء أو على الأرض، إلاّ أن ممثلهم لم يتردد هذا العام في دعوة أصحاب الحانات إلى التوبة، موضحا أن المطلوب منهم لكي تتأكد توبتهم وتصدق نيتهم أن يغلقوا الحانات لمدة 40 عاما ولاندري على وجه التحديد مالسبب الذي جعل ممثل اتحاد التجار (والفجار) يحدد هذه المدة الطويلة نسبيا للدعوة لتوقيف البيع ولا حتى الدوافع الحقيقية وراء ذلك، خاصّة أن أذى أصحاب الخمر لايتجاوز في العادة أنفسهم أو محيطهم الضيق، فالسكران في النهاية يعرف باب داره، وهو خير من جزار يبيت وعشاؤه لفت أو نجار ليس على منزله باب من كثرة اللهف على المال حتى أنساه السؤال حول أصل مهنته وغايتها، أي صنع الأبواب لكي لايدخل منها الريح والناموس والذباب! والمهم أن صالح صويلح زعيم التجار مستثنى منهم تجار الفوضى، أي «الترابندية»، حاول أن يظهر مع أيام رمضان الأولى أمامنا نحن المستهلكين كنعجة «عاقلة» بين قطعان الأغنام أو حتى كإمام يفترض أن غلام اللّه ينتدبه وقت الفراغ لتقديم الوعظ والنصح والإرشاد، بعد أن تبين أن مجهودات الأئمة على مدار العام تذهب سدى ولاينتفع بها الناس، وهذا مايشجع هؤلاء على مزيد من البذل والعطاء والسخاء في الكلام ولو صموا آذانهم وكانوا مثل التجار، العيب في الآخرين، أي في الخارج، وليس فيهم. والمفارقة الآن أن دعوة صالح صويلح لغلق الحانات بإرادة ذاتية، وليس بإرادة شعبية عبر الهجوم عليها كما يحدث في بعض الجهات ويسقط فيها أموات، لاتتماشى والسياق العام الذي تسير فيه رياح السياسة السياسوية والمتسوسة، فالإسلاميون تقهقروا في العملية الإنتخابية الأخيرة وقد لايعود لهم صوت (وسوط) إلا إذا كنسوا حولهم وعن يمينهم وشمالهم وداخلهم بالأساس، فالناس على دين ملوكهم إن كانوا إسلاميين ملتحين ومتجلبيين خرجوا مثلهم حتى يحسبهم الواحد حمائم بيضاء، وإن كانوا عكس ذلك، لا هم من الإسلامين ولا من اللائكين أو العلمانين وكانوا رأسماليين بدائيين، أي في طور النمو إقطاعيين، أخذ الناس من طبائعهم، وكل ينفذ سياسته على قدر المصير الذي يمد عليه رجله، الإقطاعي مع ثلة من عماله، الى الإقطاعي في بيته، ولاحرج أن يكون الدين النصيحة رفيقه! فلا تقربوا الخمر في رمضان مدة 40 يوما، فقد يصحى الواحد من المخمورين في تلك المدة، ولايستقيم ذنب كلب بن كلب يوضع طيلة هذه الفترة في قصبة فيخرج معوجا! في شعبان ورمضان ثمة حالة من التشابه بين منطق التجار في السوق وتجار السياسة والوظيفة، فهؤلاء الذين يلتقون في نفس الأهداف لتحقيق أكبر ربح ممكن لايستندون إلى أي نوع من المنطق، فشهبندر التجار (الصغار)، لأن الكبار لانعرفهم على وجه التدقيق، كان المفروض أن يرد على حملة (وعملة) المقاطعة التي خاضتها جمعية المستهلكين وسط الهالكين لامحالة، لكي يقلعوا عن شراء اللحوم قبل رمضان بهدف إسقاط الأسعار، وهو هدف كبير بالنسبة لبلد اقتنع في قرارة نفسه أن عصي عن التعبير بإسقاط نظام التجار والمفسدين لعلمه أن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهؤلاء لايريدون يقينا! وهذا بدل دعوة الخمارين للعزوف عن شرب الخمر في رمضان، كما فعل باعتبار أن ذلك ليس من أصل اختصاصه! هذا الموقف الذي يلخص سياسة الهروب إلى الأمام! الذي لايشبهه إلا لمن يهرب من رمضان (العربي) إلى سويسرا أو أمريكا، يذكرنا بموقف صدر عن أمين هذه الأمة والغمة بلخادم حين برر عدم تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات التي فاز بها حزبه بأن هذا التآخر ناتج عن انشغال الحكومة المؤقتة الدائمة بامتحانات «السيزيام والأهلية والباك»! فقد علق البعض على هذا الكلام بالقول لعل بلخام سيقوم بانتداب ناجح أو راسب من إحدى تلك الأطوار التعليمية لكي يتبوأ منصبا وزاريا في إحدى وزارات السيادة كما تسمى! ومبرر ذلك أن المستوى العام للتسيير بالنسبة للبلاد يتراوح في حدود تلك الأطوار! والسؤال الخطير المطروح كيف وصل هؤلاء بهذا المستوى المتدني لوضع اليد على كافة مقدرات البلاد الاقتصادية للبلاد وجعلها رهينة فئة وأشخاص معدودين وتوسعة للسؤال مايزال مطروحا إلى الآن لغز كيف وصل ولد مثل مبارك لكن يعيث في أرض مصر فسادا وصارت البلاد تحبس أنفاسها كلما مرض أو أصاتبه وعكة أو حمى، وكيف وصل بن علي وهو دون باكلوريا لحكم تونس عشرين عاما، وقس عليهما كيف وصل طبيب عيون كبشار عن طريق التوريث قبل أن يتحول الى كارثة عالمية! هذا النوع من الأسئلة يحتاج لأبحاث معمقة لابد أن تأخذ بعين الاعتبار مسألة مايسمى في لغة الأحزاب بالقواعد الشعبية، أي عامة الناس أو مواطنين أو أقل من ذلك «غاشي» أو كم مهمل. وعودة الآن لكل المجتمعات التي حدثت فيها تغييرات، فقد ثبت بأن ثمة تواصل فيما يتعلق بحجم التجنيد ونوعيته ليس على أساس فتوى من نوع أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، أو افعل كما يفعل غيرك، فإن زادوا تلك الفئة في الآجر لابد أن تحتج الأخرى لتحصل على حقها. ولهذا تنجح في أغلب الأحيان حملات المقاطعة كما في ثورة الخبز في تونس، ويرتبك التجار في مصر إذا تحركت جمعيات حماية المستهلكين، إلا في هذا البلد، فكلما دعت جمعية للمقاطعة زاد الناس في الإقبال على الشراء خوفا من أن تنقطع البضاعة أو تقع ندرة تزيد منها الأسعار بدل أن تنخفض كما كان مطلوبا، وهذا مالوحظ قبل مدة مع دعوة إحدى الجمعيات لإعلان يوم دون شراء خرج فيها أصحاب القفة بالآلاف المؤلفة جيوبهم وليس قلوبهم نحو الأسواق، وكلفت صاحب المبادرة جلسة استنطاق بدعوى أنه يحرض على الفوضى. فالحكومة تأخذ كل شيء قد يمس إستقرارها مأخذ الجد، بما فيها نط القط من فوق جدار بحثا عن فار، فقد تتبعه قطط أخرى… وهي تريد أن تتعامل معهم فرادى، إن لم يكونوا قطعان أغنام تم تهريبها أو تحييدها عن أداء أي حركة لتبقى في حالة سكون. أما تبعات ذلك فهي مانراها مثلا كيف يرمي المصريون الطماطم على هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أمريكا، كنوع من الاحتجاج في مصر الثورة بعد أن يفرش لها الطريق رسميا وشعبيا بالبساط الأحمر، أو مثلما نفعل نحن الآن إن طل هلالها أو أطل علينا فايبوس الفرنسي في جولة استكشافية (كأنه ذاهب نحو القطب) في انتظار أن يأتي إلينا طبق الورد فرانسو هولاند نهاية العام لنحتفل سويا هذه المرة بتفجير المفرقعات وإشعال الأضواء الكشافة احتفاء بالاستقلال مرة أخرى، لكل هذا لاتنتظروا شيئا من أي نداء موجه ضد الجزار، لأنه سيشعل فيكم النار بما فعلت أيديكم في شعبان أو في رمضان.