المتعاملون السياحيون يتهمون «البعثة الرسمية» بالتواطؤ شكك متعاملون في قطاع السياحة، في التزام الوكالات السياحية المشاركة في عملية التكفل بالحجاج الجزائريين لموسم 2012، رفقة النادي السياحي الجزائري زيادة على بعثة الوزارة الوصية. وأعرب هؤلاء عن شكوك كثيرة تراودهم بشأن التحايل التجاري على ضيوف الرحمان، مُستندين في ذلك إلى جملة من الأرقام التفصيلية التي استقوها من معرفتهم الميدانية بواقع الخدمات الموجهة للحجيج في البقاع المقدسة، وقد حمّلوا أطرافا عديدة مسؤولية هذه التجاوزات القانونية والتلاعب بحقوق الحاجّ الجزائري. وكان ديوان الحج والعمرة قد اعتمد هذه السنة 39 وكالة سياحية مع النادي السياحي الجزائري لمرافقة بعثة الشؤون الدينية، حيث تتكفل هذه الأخيرة بما مجموعه 22 ألف حاج، فيما توكل خدمة 16 ألف حاج للنادي والوكالات الخاصة، وفق دفتر شروط محدد، وذلك ضمن مخطط تدريجي يسعى إلى التخلص من تبعات الخدمة العمومية لفريضة الحج، حتى تتحول مع مرور الوقت إلى القطاع الخاص دون المساس بحق الجزائريين في أداء الفريضة المقدسة. لكن الغريب في الأمر أن الوكالات التي وقع عليها اختيار الديوان بناء على مواصفات صارمة حسب تصريحات سابقة لمسؤولي القطاع، قبلت مرافقة الوصاية مقابل الاستفادة من 5000 دينار عن الفرد الواحد، وهذا «المردود الربحي» يطرح علامات استفهام كبيرة بمنطق المؤسسة التجارية حسب أصحاب الاختصاص السياحي، فلو افترضنا أن أكبر وكالة سياحية تؤطر 500 حاج، فلن يكون نصيبها سوى 250 مليون سنتيم، كربح خامّ دون احتساب كافة الأعباء والمصاريف المترتبة عن العملية. وهنا يقدم هؤلاء تفاصيل الموضوع، إذ إن الوكالة ملزمة بتعيين 6 مرافقين على الأقل، بتكلفة 192 مليون سنتيم، زيادة على مستحقاتهم الشخصية التي لا تقل عن 5 ملايين، إضافة إلى تسخير وتجنيد كافة الموارد البشرية والمادية للوكالة السياحية طيلة شهرين على الأقل للتحضير لعملية الحج، ما يعني بعملية حسابية بسيطة، كما يؤكد بعض العاملين في القطاع، أنه يستحيل أن تربح الوكالة المعتمدة فلسا واحدا من وراء هذه الخدمة. ولتفكيك هذا اللغز المحيّر، يُجمع بعض المتعاملين السياحيين ممن يحوزون معطيات واقعية وعلى دراية دقيقة بمداخل التحايل، على أن الوكالات المعنية لا تقدم خدمة مجانية» في سبيل الله» بل إن كثيرا منها يلجأ إلى التلاعب بحقوق الحجاج المنصوص عليها في دفتر الشروط، ويتم أحيانا استغلال حالات الفراغ التنظيمي للتحايل بهذا الصدد، من أجل تغطية أرباحهم بطريقة غير شرعية، وهنا يركز هؤلاء على المتاجرة في الإيواء تحديدا، إذ توافقت شهادات البعض بشأن عدم احترام مواصفات مرافق الإقامة، حيث تقدر قيمة السرير الواحد ب6000 ريال سعودي أي قرابة 20 مليون سنيتم جزائري طيلة موسم الحج، وفق المقاييس المحددة في دفتر الشروط، على أن لا يبعد المرفق ب1 كلم عن الحرم المكي، علمًا أن الديوان يدفع مستحقات الإقامة مباشرة إلى إدارة الفنادق، لكن ذلك لا يمنع بعض أصحاب الوكالات من المتاجرة، من خلال التعاقد مع فنادق لا يزيد سعر أسرّتها عن 4000 ريال، سواء لبعدها أو لتدنّي خدماتها، أي بفارق 7 ملايين سنتيم عن السعر الأصلي، مقابل الاستلام النقدي للمبلغ المتبقي لحسابهم الشخصي بتواطؤ مع أصحاب الفنادق، بمعنى أنه يمكن للوكالة أن تجني عن 500 فرد مبلغ 350 مليون سنيتم كتحصيل عن فارق عملية الإسكان لوحدها!! وعن دور البعثة الجزائرية في تقييم أهليّة هذه الفنادق ومدى مطابقتها للشروط المنصوص عليها، أكدت مصادرنا أن ممثلي الوصاية للأسف يركزون من خلال المعاينة القبلية على معايير المساحة فقط حتى تناسب العدد المطلوب، دون أن يستبعدوا تواطؤ البعض منهم أيضا، على اعتبار أنه يستحيل أن يغفلوا مثل هذه الألاعيب على حد قولهم، إذ إن الحجاج رفضوا في أكثر من موسم الدخول إلى الفنادق قبل أن يضطروا إلى القبول بالأمر الواقع، علمًا أن ذلك حصل مع بعثة الشؤون الدينية، وآخرها السنة الماضية. «الخدمة الإضافية» عقاب مخالف لدفتر الشروط ولا يتوقف تلاعب الوكالات السياحية عند الإخلال بشروط الإقامة، بل تضيف مصادر على اطلاع بالقضية، أن تلك المؤسسات تفرض ما يعرف ب«الخدمة الإضافية» على زبائنها، وهو ما يعتبر نوعا من العقاب والابتزاز في آن واحد، لأن تحسين ظروف الإقامة أوالإطعام يبقى «اختياريا» حسب الطلب، وفق بنود عقود العمل مع الديوان، وإلا فإن الحج سيتحول مستقبلا إلى خدمة من الدرجة الأولى لا يحظى بها إلا ذوو الجاه والسلطان على حد تعبيرهم. وقدم المتحدثون ل«البلاد» أدلّة بهذا الصدد، حيث تزيد قيمة الإطعام لدى بعض الوكالات عن 7 ملايين سنتيم مثلا، أما فارق الإقامة بالفنادق فحدث ولا حرج، على حد وصفهم، والأخطر في هذه الانتهاكات القانونية، هو استغلال الوكالات لتذاكر السفر ك«طُعم» لاصطياد زبائنها، ذلك أن الوكالات المكلفة تستحوذ على 10 آلاف تذكرة سفر، مقابل 4 آلاف تذكرة للنادي السياحي الجزائري، وفي حال نفاد التذاكر لدى شركة الجوية الجزائرية كما هو حاصل كل سنة، يضطر الآلاف من الحجاج للتوجه إلى أصحاب الوكالات، التي تشترط عليهم السفر معها رغم فرض تكاليف «الخدمة الإضافية» المنافية لدفتر الشروط. وعن أسباب هذه التجاوزات التي تبقى شبه «طابو» لدى البعض ولا يعلم الرأي العام حقيقتها، أرجعت مصادرنا تشابك المسألة إلى قداسة فريضة الحج التي تدفع الكثير من المتضررين إلى الترفع عن الخوض في الموضوع، من باب أن الحج عبادة وجهاد، كما يبرر بذلك الديوان تقصيره في التكفل بحجاجنا الميامين، وتعدّ هذه «الخفايا» برأي من قابلناهم واحدة من أبرز دوافع الصراع العلني بين وزارة غلام الله وديوان الشيخ بربارة، والذي أخذ «منحى» سياسيا في بعض أبعاده، بدليل أن وزير الشؤون الدينية طالب منذ تأسيس الديوان قبل أربع سنوات بوضعه تحت وصاية قطاعه بدل سلطة رئيس الحكومة آنذاك عبد العزيز بلخادم، لكن «رجاء» بوعبد الله جُوابه بالرفض حتى عودة أحمد أويحيى كوزير أول!