في خطوة تنطوي على حسابات أبعد من أن تكون اقتصادية، استحوذ العملاق الفرنسي في قطاع النفط “توتال” على أصول شركة “أناداركو” الأميركية في القارة السمراء، ما يعني أن أصول الشركة الأمريكية في الجزائر ستؤول تلقائيا على العملاق الفرنسي. هذا الاستحواذ يأتي في ظرف جد خاص، فالعلاقات الجزائرية الفرنسية تشهد حالة من الجمود غير المسبوق منذ أزيد من عقدين من الزمن، فالغمز واللمز يبقى سيد الموقف بين مسؤولين البلدين، وإن تمظهر في إشارات وتلميحات لم تعد خافية على أبسط متابع للعلاقات الثنائية. كما يأتي هذا الاستحواذ الذي تحوم حوله الشكوك حول نواياه وحساباته، في وقت تتصاعد فيه مطالبات الشعب في خضم حراكه المتواصل، بإنهاء الهيمنة الفرنسية على الاقتصاد الجزائري، بل وصل اندفاع البعض إلى المطالبة حتى بطرد السفير الفرنسي، الذي لم يمض على اعتماد أوراقه سوى يوم واحد فقط. الاتفاق الموقع بين شركة “أوكسيدونتال” المالك الجديد ل “أناداركو” مع الشركة الفرنسية “توتال” لبيع أصول “أناداركو” في أفريقيا، بما في ذلك الجزائر مقابل 8.8 مليارات دولار للعملاق الفرنسي، من المرتقب أن يسمح له بالدخول في معادلة إنتاج النفط الجزائري الذي تتقاسمه “سوناطراك” الجزائرية مع “أناداركو” الأميركية و”ستات أويل” النرويجية و”إيني الإيطالية”. وينظر بعض المراقبين إلى هذا القرار على أنه محاولة للي ذراع الجزائر، لأن الشركة الفرنسية باتت بعد هذا الاستحواذ، تسيطر على نحو 260 ألف برميل يومياً وهو ما يعادل ربع إنتاج الجزائر من النفط المقدر بأكثر من مليون برميل يوميا. الخيارات أمام الجزائر في حال رفض هذا الاستحواذ تبقى محدودة، إلا ممارسة حقها في الشفعة استنادا إلى قانون الاستثمار، كما حصل مع شركة “جيزي” في أعقاب النزاع التجاري الذي اندلع بين مالكها المصري نجيب ساويرس، والسلطات الجزائرية في العام 2009، غير أن هذا الخيار يبقى محفوفا بالمخاطر، لأن بين سوناطراك والعملاق الفرنسي ماض حافل بالقضايا الموجود على مستوى التحكيم الدولي. يذكر أن الشركة الفرنسية لا تنشط في إنتاج النفط في الجزائر، وظلت تفضل النشاط في مجال إنتاج الغاز وتكرير الزيوت والوقود بالإضافة إلى فوزها بأول عقود التنقيب واستكشاف الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية، وهو ما يعني أن استحواذها على أناداركو، ستخلق وضعا جديدا.