من شأن انهيار حكم الزعيم الليبي معمر القذافي من الداخل أن يعطي دفعة جديدة لخطى الثورات العربية ويظهر مرة أخرى أن هذه النظم الاستبدادية لم تعد لا تقهر.ومن المحيط إلى الخليج ترد لقطات حية على قنوات فضائية عربية لمقاتلين من المعارضة يتدفقون على طرابلس ويدهسون صورا للقذافي مرددين "بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة" وهو نفس كلام القذافي الذي هدد به المعارضة. وهي لقطات من شأنها أن تثير قلق زعماء عرب يواجهون انتفاضات مماثلة. تأثرت عواصم عربية بالاحتجاجات التي أجبرت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على الفرار من بلد حكمه طوال 23 عاما والرئيس المصري حسني مبارك على التنحي بعد 30 عاما في السلطة. والآن حكومة القذافي على وشك الانهيار.يقول خبراء إنه صحيح أن سقوط القذافي اعتمد بصورة كبيرة على التدخل العسكري الغربي والذي اتضح أنه لن يتكرر في سوريا أو أي مكان آخر فإن القوى الغربية التي تعاني من ازمة ديون وما زالت منخرطة في حرب بالعراق وأفغانستان لا ترغب في فتح جبهات أخرى في العالم الإسلامي. لابد أن العرب الذين رأوا مبارك وابنيه يظهران وراء القضبان ويرون الآن انهيار أطول زعيم عربي بقاء في الحكم يتساءلون ما الجديد الذي يمكن أن يحدث في الفترة التالية.ومن سوريا إلى اليمن سيكون لزاما على نظم استبدادية استخدمت القوة والقمع لاحتواء التطلعات الشعبية المكتومة ومنع الانتفاضات أن تتوقف قليلا لتفكر فيما يحدث في ليبيا.قال رامي خوري وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط مقيم في بيروت "إنه تطور مهم لأنه يظهر أن هناك طرقا مختلفة لانهيار الأنظمة العربية. إنه يظهر أنه بمجرد تكون الزخم وتحقق المزيج الملائم- إرادة شعبية للتغيير ودعم إقليمي ودولي- لن يقوى أي نظام على تحمل ذلك." وأضاف "سوريا لديها هذا المزيج من الانتفاضة الشعبية مع دعم إقليمي ودولي. هذه الأنظمة الاستبدادية حتى وإن كانت قوية تنهار في النهاية. لدينا ثلاثة أمثلة انتقالية الآن.. تونس ومصر وليبيا والبقية تأتي."وقال خوري إن انتفاضة الأغلبية الشيعية في البحرين والتي تسعى للحصول على المزيد من الحريات من العائلة السنية الحاكمة فشلت لأنها افتقرت إلى المساندة الإقليمية والدولية. وفي ليبيا منعت حملة القصف الجوي التي قام بها حلف شمال الأطلسي قوات القذافي من استعادة مدينة بنغازي التي سيطر عليها المعارضة والقضاء على الانتفاضة التي اندلعت يوم 17 فبراير وهو ما كان سيثني العرب المتطلعين للحرية في دول عربية أخرى.وقال جيف دي. بورتر محلل شؤون الشرق الأوسط "هذا يظهر أنه إذا ثابر المحتجون أو المعارضون أو المناضلون من أجل الحرية أو المتمردون في اليمن او في سوريا فقد يتمكنون من الإطاحة بالنظام." وأضاف "تشكلت آراء الناس عن الربيع العربي من خلال تونس ومصر اللتين استمرت بهما الاحتجاجات ما يصل إلى الشهر. ظنوا أن ليبيا ستكون مستحيلة لأنها لا تشبه النموذج التونسي او المصري... ستشجع الاحتجاجات الليبية المحتجين في سوريا واليمن وستزيدهم جرأة وإن كانوا يفتقرون إلى عنصر كبير هو دعم حلف شمال الاطلسي." تظهر مشاهد الفرحة الغامرة في شوارع طرابلس بعد ما بدا من اختفاء قوات القذافي أن الكثيرين في العاصمة الليبية كانوا يمقتون زعيمهم لكنهم لم يكونوا يجسرون يوما على معارضته خشية التنكيل بهم.وقال محمد ديرا وهو نشط ليبي في طرابلس "هذا يوم آخر.. صفحة جديدة في تاريخ ليبيا. نحن نشهد فجرا جديدا وتاريخا جديدا للحرية."كانت المظاهرات المناهضة للقذافي في طرابلس في أوائل الانتفاضة يجري قمعها بالقوة. وقال بورتر في إشارة إلى ندرة الاحتجاجات في مدن سورية مثل العاصمة دمشق وحلب "أظهرت ليبيا أن القذافي لم يكن يلقى الدعم الذي كان يزعمه. ربما يمكن تشبيه الوضع به في سوريا واليمن حيث يمثل الانضمام إلى ثورة مخاطرة كبيرة. يحتمل ألا يكون الناس يدعمون النظام لكنهم لن يخاطروا بأرواحهم إلا عندما يظهر الثوار."وقال خبراء إن العقوبات الاقتصادية والنفطية التي فرضت على القذافي أثرت تأثيرا كبيرا على قواته وإن اتخاذ خطوات مماثلة ضد سوريا ربما يكون له أثر مماثل. وحذر الأسد -الذي يواجه مطالب دولية بالتنحي بسبب حملته لقمع الاحتجاجات التي تفجرت منذ أكثر من خمسة أشهر ويقول مسؤولون بالأمم المتحدة إنها اسفرت عن سقوط نحو ألفي قتيل- الغرب يوم الأحد من أن سوريا لن تسمح بأي تدخل في شؤونها.وقال الأسد "طبعا اي عمل ضد سوريا ستكون تداعياته أكبر بكثير مما يمكن أن يحتملوه."ولم تقترح أي دولة حتى الان تحركا ضد سوريا التي تقع إسرائيل ولبنان والعراق وتركيا والأردن على حدودها ولها حلفاء أقوياء في إيران إضافة إلى حزب الله بلبنان. وقال بورتر "الأسد خائف على الأرجح من أن يكون في نفس المعسكر لكنه يعتقد أن لديه علاقات دولية مختلفة عن علاقات القذافي الذي لا أصدقاء له. الأسد مدعوم من طهران وحزب الله وهذا يغير حسابات المجتمع الدولي."أما خوري فيرى أن نجاح المعارضة الليبية سيهز ثقة حكام مثل الأسد الذي يعتقد فيما يبدو أن حكومته المدعومة من الجيش لديها حصانة من الاستياء الشعبي.وقال "يعيش الأسد في عالمه الخاص لا في عالم الواقع. إنه يتغافل عن الواقع الجديد. هذه النظم الاستبدادية تشعر أنها لا تقهر." وتابع "نرى أنهم ليسوا كذلك. إنهم ضعفاء للغاية. أغلب هذه الأنظمة تتولى السلطة منذ عقود وعقود ووصلت إلى نهاية المطاف."