رغم أن الرئيس اليمني حظي بفرص ثمينة للنجاة من العقاب والتنحي عن السلطة بطريقة كريمة وحصل على تعهدات تضمن سلامته بعد تخليه عن السلطة من خلال المبادرة الخليجية، وهي الفرص التي لم يحض بها لا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي خرج هاربا ولا زال التونسيون يلاحقونه قضائيا ولا الرئيس المصري حسني مبارك الذي يواجه اليوم عقوبة الإعدام، إلا أن علي عبد الله صالح أصر على رفض التوقيع على الورقة الخليجية واختار اتباع نهج القذافي والتشبث بالحكم ودفع اليمن إلى جحيم الاقتتال الداخلي وحتى التدخل الخارجي والمزيد من القتلى والضحايا اليمنيين مثلما فعل القذافي بليبيا والليبيين. رغم أن تجربة القذافي ونتائج مواقفه غير مشجعة على الإطلاق خاصة بعد الحملة العسكرية الغربية التي تريد اليوم رأسه وعائلته وتم التحضير لخليفته، حيث حشد الدعم الغربي دبلوماسيا للمجلس الانتقالي الليبي- رغم عدم شرعيته وعدم تمثيله لكل الليبيين- ما يعني قرب نهايته، ورغم أنه ظهر للعيان أن القذافي أصبح اليوم يواجه حربا من القوى العظمى ضده ستنتهي حتما بوضع حد لنظامه مهما طال الزمن لعدم تكافؤ القوى، ورغم أن نتائج طريقة القذافي في التعامل مع المعارضة في ليبيا كانت سببا في اقتتال داخلي وتدخل عسكري خارجي راح ضحيته المئات من القتلى والجرحى الأبرياء من الليبيين، وهو ما تنقله لنا أطراف النزاع في ليبيا يوميا سواء ما تعلنه قوات الناتو من ضحايا بنار القذافي أو ما يعلنه النظام الليبي من ضحايا ليبيين سقطوا أثناء غارات حلف الأطلسي على طرابلس وفي كلتا الحالتين هم ليبيون. رغم كل ما نتج عن موقف القذافي العنيد الذي أصر على فتح باب ليبيا على الجحيم، إلا أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عمد إلى تكرار نهجه بالتفصيل، حيث رفض دعوات التنحي من الداخل ومن الغرب ومن العرب الخليجيين وأصر على عدم توقيع المبادرة الخليجية التي تدعوه إلى التنحي خلال فترة محددة وتضمن سلامته وعدم متابعته قضائيا، واختار طريقة القذافي، وهدد مثلما فعل القذافي معارضيه بملاحقتهم “زنقة زنقة” وقتل كل من يتمرد عن طوعه وفتح باب الحرب الأهلية وما قد يتبعها من تدخل خارجي، وهدد أيضا بفزاعة القاعدة مثلما سبقه القذافي. لقد توفر الرئيس “صالح” على فرص لم يحظ بها سابقاه من الرؤساء المخلوعين التونسي والمصري، حيث فر الأول هاربا ومشاريع محاكمته لازالت قائمة وتنحى الثاني ويواجه عقوبة الإعدام اليوم، فعرب الخليج ضمنوا لصالح تنحيه بكرامة وسلامته من أي متابعة قضائية - وهي مبادرة حرصت دول الخليج على طرحها خوفا من انعكاسات الأزمة اليمنية على امنها كدول مجاورة- لكن الرئيس اليمني أصر على طريقة القذافي. ربما يكون الرئيس اليمني لا يثق في تعهدات وضمانات دول الخليج بعدم ملاحقته قضائيا في حال استجاب لمبادرتهم وتخلى عن الحكم، خاصة وهو يعلم جيدا جرائمه الموثقة في حق شعبه ويعلم أن جرائمه تجاوزت كل طيبة للشعب اليمني الذي مكنه تسامحه من الصبر على استبداده ثلاثين سنة، فاختار صالح الزج باليمن وشعبه ودول الخليج وبنفسه معهم لجحيم الحرب الأهلية والطريق المجهول ليحترق الجميع بدلا من أن يحترق لوحده.