يحاصر العالم الإسلامي في راهننا اليوم العديد من المشاكل التي جعلته يعيش وضعا مأسويا قوض تطوره وساهمت في انحطاطه وعدم مشاركته في حراك مستجدات التطورات الحاصلة على مستوى المجتمع الدولي على جميع الأصعدة، وجعلته تائها في مفترق الطرق فاقدا لهويته الحضارية ورميه خارج التاريخ الإنساني، نتيجة ظهور بعض التيارات الفكرية التي تنفث في الفكر الإسلامي سمومها عن طريق استصدار فتاوى في أمور شتى وقضية المرأة في واجهاتها حيث تم تجريدها من حقوقها التي كفلها إياها الشارع الإسلامي بغير إسناد ودون استخلاص ذلك من النصوص الشرعية المؤكدة في الكتاب والسنة النبوية الطاهرة، مدافع بلغت طلقات قذائفه إلى أبعد مستوى حيث لامست جسد أمة التوحيد وعطلت قلبها النابض، السؤال المطروح هنا، ما هي الإصلاحات التي يريدها العالم الإسلامي اليوم؟، ومن أي زاوية نبدأ ؟وما هي المقترحات التي يروناها مناسبة لإحداث التغير في هذا الإقليم ورفع قاعدة الجمود عليه التي ضربت أركانه وحمايته من هؤلاء الذين يدعون التجديد المزيف في الفكر الإسلامي ؟ أسئلة حملتها جريدة "الجزائرالجديدة" إلى ثلة من الدكاترة والمختصين في فكر الدين الإسلامي الذين نشطوا الندوات والمحاضرات وورشات التكوين خلال الملتقى الدولي الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى بفندق الشيراتون بالعاصمة حول " الإصلاح والاجتهاد عند علماء الإسلام بين الماضي والحاضر" الذين أكدوا على أهمية الرجوع إلى الكتاب والسنة واستنباط الأحكام والتقيد بها.
إستطلاع :صباح شنيب
الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسيني من الجزائر: "على الأمة الإسلامية احترام سنة الإختلاف وتكريس مبدأ الحوار"
في هذا الصدد قال الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسيني مسؤول على زاوية الهامل ببوسعادة أن مشروع النهوض الحضاري الذي ننشده يقتضي توسيع العمل بالإجتهاد وتجديد الفكر الإسلامي، فضلا عن تطور مناهج الدعوة الإسلامية بما يبرز عظمة الإسلام، وسماحة تشريعاته في كافة المجالات، إن الإسلام يقول القاسمي دين لكل عصر ومصر، وشريعته ربانية خالدة إلى يوم الدين، إن الإجتهاد المطلوب حسبه يجب أن يرتكز على أصول الدين وثوابته وقواعده المقررة، مع العلم بأن مهمة الإصلاح والتجديد ليست ميسرة لكل الناس، إنما يضطلع بها المؤهلون لها وهم العلماء والمفكرون التقاة،من أهل الخبرة والإختصاص الذين تحركهم الغيرة على أمتهم، رائدهم الإخلاص لدينهم، وأن تكون لهم دراية واسعة بقضايا العصر، فضلا عن ذلك يضيف المأمون رسوخ قدمهم في علوم الإسلام ومعرفتهم بمقاصد رسالته، " إن أمتنا بحاجة إلى مراجعة واعية للذات، تكون كفيلة بأن تبصرنا بالمفارقات التي تشكل واقعنا الحضاري، لنعمل من أجل تجاوزها، ومن هنا بات مشروع الإصلاح بمفهومه الشامل من ضروريات التي تقتضيها مصلحة الأمة،والمشروع المنشود ينبغي أن يركز على أولوياته على محاور كبرى منها على وجه الخصوص تجديد الخطاب واعتماد الحوار، والعمل على تعزيز وحدة الأمة ومراعاة سنة الإختلاف، وكذا العناية بتكوين الأجيال وتحصينها في مواجهة التحديات، وتأسيس مجتمع مبني على قواعد العدالة الاجتماعية ومعالجة كل القضايا دون استثناء
الدكتور علي مصطفى يعقوب من أندونسيا: " الفتاوى الاعتباطية تنهش لحمة البلاد الإسلامية "
في هذا الإطار أكد الدكتور علي مصطفى يعقوب إمام أكبر مسجد بالعاصمة الجمهورية الإسلامية الأندونيسية "جاكرتا "أن الحل للمشاكل التي يعيشها المسلمين اليوم هو الرجوع إلى كنف كتاب الله والسنة النبوية الشريفة ليستمد منه شرعية القضايا المراد معالجتها والدعوة إلى تجديد الفكر الديني كي نجعله يتماشى مع معطيات العصر الجديدة لأن القرآن دستور الأمة الإسلامية، داعيا في السياق ذاته إلى الحد من تلك الفتاوى الخارجة عن فحواها الديني والتي عملت على خراب البيت الإسلامي وأظهرت فيه شرخا في جسمه ومزقت كيانه، عوض البحث عن آلية للم شمل الأمة بدل إطلاق ما يشوه تعاليم ديننا الحنيف، والعمل على وضع حدود لبعض الجهات التي نصبت أنفسها حماة هذا الدين وأنهم يدافعون عنه من خلال إطلاق بعض الفتاوى خارج حدود الشرع والدين، إن الإصلاح يقول مصطفى يعقوب " يجب أن يكون مسندا إلى القرآن والحديث النبوي، وأي إصلاح أو اجتهاد لا يستخرج أحكامه من هاذين المصدرين هو إصلاح غير مشروع والاجتهاد خارج القرآن والسنة هو عمل باطل بطلانا مطلقا لا يجوز الأخذ به والعمل به والقياس على أساسه "، مضيفا " كل القضايا الشائكة التي يعاني منها العالم الإسلامي في وقتنا الحالي راجع إلى ابتعادنا عن إتباع خطى السلف الصالح ، من واجبنا كأئمة أن نحلل ما يحاك ضد ديننا للرعية ونقدم لهم الإرشادات لجموع المسلمين لإتباع قواعد الدين الصحية، وبخصوص ما يحاك ضد المرأة قال يعقوب أن حقوق وواجبات هذه الأخيرة قد وردت في القرآن الكريم ووصى عليها نبي هذه الأمة الدكتور ثناء الله بوتو من باكيستان: " تركنا الأصول وتمسكنا بالفروع وهو سبب اعوجاجنا اليوم "
من جهته أكد الدكتور ثناء الله بوتو عميد الدراسات الإسلامية من باكيستان أن الأمة الإسلامية تعيش فعلا مفترق الطرق وتعاني من داخلها انقساما فضيعا جعلها تعيش على شكل قبائل وشيعا مشيرا إلى ضرورة إتباع طريق العلماء الأجلاء السابقين الذين دافعوا عن مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، وبخصوص ما تثيره بعض التيارات داخل حدود الوطن الإسلامي قال ثناء الله "لقد ظهرت إلى الوجود بعض الإتجاهات التي تدعو إلى التجديد في الفكر الديني على أصول بعض القواعد وضعوها وارتضوها لأنفسهم ونادوا بالتجديد في منحى أخر لم يألفه السلف الصالح، مما أضر بالمجتمع الإسلامي برمته وأغلب هذه الإتجاهات ظهرت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، منها التيار العقلي والمنادي بالعصرانية والحداثية، وتبنى أفكار هؤلاء الكثير من المفكرين والأدباء والمثقفين والدعاة في الإقليم الإسلامي، وأضاف في معرض حديثه "تواجه الأمة الإسلامية اليوم كثير من المسائل خصوصا من الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتواجه أيضا ما يسمى بصراع الحضارات بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي، إلى جانب وجود تصادم بين الثقافة الإسلامية والعربية والثقافة الهندية التي لا يجمعهما قاسم مشترك وهو دورنا اليوم يقول ثناء الله بوتو " البحث عن العناصر التي يمكن من خلالها أن يجمع مجموع الثقافات التي تم ذكرها سلفا، ومن أجل تصحيح وضع الأمة اليوم"، كما دعا بوتو إلى تجديد تفكير المسلمين عن طريق تنظيم حلقة نقاش بين العلماء في وقتنا الجاري لبحث مسألة تعديل أمور وأحوال الأمة والحل للمشاكل العالقة، وختم حديثه بالقول "تركنا الأصول وتمسكنا بالفروع وهو سبب اعوجاجنا اليوم" الدكتورة رانيا أحمد عزمي من مصر: "على الناس تحري الدقة و ليس كل طارق لباب الاجتهاد بعالِم"
وعلى صعيد مماثل قالت الدكتورة رانيا أحمد عزمي من مصر مقيمة بالكويت لها اهتمامات "بدور المرأة المسلمة في ظل التغيرات التي تحدث في العالم" أنه بالنسبة لمسألة الإفتاء بشأن المرأة وما يحاك ضدها من الزوابع الرامية إلى ركنها جانبا واعتبارها عنصرا غير فاعلا في المجتمع وأوضحت المتحدثة أن القرآن الكريم هو الدين السماوي الوحيد الذي كرم المرأة وأعطى لها كامل الحقوق ورفعها وأي فتوى تعارض ذلك فلا يجب الأخذ بها والعمل بموجبها، إن التغيرات الرهيبة والتصارع في نمط الحياة تقول رانيا ينبغي على علماء الإسلام أن يكون لهم دور في تبيان معنى الإصلاح والاجتهاد الصحيح بكامل شروطه وعلى رأسها العلم والدراية الكافية ومطَّلع بعلم القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة ، وعلى المجتهد تضيف المتحدثة التقيد باللغة العربية الفصحى والبحث وراء المعنى وأدابها لاستخراج الأحكام ،وأن يكون أيضا ملما بالتراث القانوني الذي ورثناه عن العلماء المسلمين القدامى وذلك للوصول إلى أدلة الاجتهاد الحقيقية مثري في مجال تطبيق نصوص القرآنية الخالدة، وخلاصة القول تقول ضيفة الجزائر أن يبدأ علماء اليوم من حيث انتهى منه علماء الأمس، كما يجب على عامة الناس أن يتحروا الدقة فيما يسمعونه إذ ليس كل طارق لباب الاجتهاد هو عالم حقيقي مسلم " للأسف الباب مفتوح على مصرعيه للاجتهاد ، فلهذا الأخير شروط ومعاير موضوعة ويمكن للعقل الواعي للمسلم أن يتفطن لتلك المؤامرات التي تحاك ضده وتأتي في المقدمة حسب رأيي التحلي بالأخلاق الإسلامية " الإمام بلعيد زرقوني من الجزائر: علينا الأخذ بأسباب القوى واعتماد الإصلاح في جميع المستويات"
نفس الرأي لمسناه عند بلعيد زرقوني إمام بمسجد أيت حواري أسي يوسف ببوغني ولاية تييزي وزو حيث دعا بدوره إلى نبذ ما يلفق بتعاليم الدين الإسلامي للنهوض بالعالم الإسلامي نحو الأمام وذلك عن طريق فهم الإسلام فهما صحيحا والذي من خصائصه الثبات والمرونة وأن يأخذ المسلمون بأسباب القوى واعتماد الإصلاح في جميع المستويات، ناصحا في السياق ذاته المرأة في المجتمع الإسلامي التقيد بتعاليم الدين الحنيف والإلتزام بقواعد دينها كما جاء في القرآن الكريم والسنة المحمدية الشريفة ولا تبالي ما يحاك ضدها من قضايا لا أساس لها من الصحة من الناحية الشرعية، داعيا إياها الإبتعاد عن العادات البالية الموروثة التي تضيق الخناق عليها وتعمل على الحد من حريتها التي كفلها الشرع لها قاسي عز الدين عميد مسجد فيلوربان باريس: " غياب مرجعية في الفتوى بالجزائر " ومن جانبه أوضح الأستاذ قاسي عز الدين عميد مسجد فيلوربان باريس أن مسألة الإصلاح تمس الجالية المسلمة بأوروبا التي باتت تعاني بما يسميه الغرب بالإسلاموفوبيا خاصة بعد أحداث البرج التجاري الأمريكي في الحادي عشر سبتمبر سنة 2001 ، وعليه يجب علينا نحن المسلمين الرد على هذه الأكاذيب التي طالت الدين الإسلامي، إنَّ المسلمين بالغرب أو داخل العالم الإسلامي يعانون من عدة مشاكل خطيرة، وحتى نخرج من هذه المعضلة يقول عز الدين "يجب علينا كمسلمين رفع التحدي والتصدي لهؤلاء الأشخاص الذين يلصقون بالدين أمورا لا أساس لها من الصحة ، ويفتون بغير ما أمر الله به ومن بين الأمور التي يجب العمل بها تفعيل الذكاء عن طريق العودة إلى الدستور الإسلامي والمتمثل في الكتاب والسنة النبوية، وكذا فهم المصطلحات الإسلامية والنصوص الشرعية بعمق، ثانيا تطوير الخطاب الإسلامي وتدويله، والدخول في جهاد النفس، وعلى المفتي مراعاة المجتمع الذي يعيش فيه، فالفتوى التي تصدر بالعربية السعودية مثلا لا تصلح تطبيقها بالجزائر، لأن كما قال العلماء تتقيد بالزمان والمكان والعرف ، وعلى الجماعات الإسلامية أن تعتمد على عنصر الأخوة والتكامل وعدم الدعوة إلى الانقسام بين المسلمين مثل ما نراه في الأحزاب السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي التي تهتم فقط بالطرق التي توصلها إلى سدة الحكم "، داعيا إلى العمل الجماعي لتحقيق الأمن والسلم لأئمة، المسجد يجب أن يلعب دوره في توعية الناس، " هناك العديد من الأسئلة حول الفتوى وما هو مصدرها ومن أفتى بها ولم نجد لها حلا لأننا نفتقر إلى الجهة الرسمية وغياب المرجعية في الفتوى بالجزائر