يعتبر فك الخصام و الإصلاح بين المتشاجرين سلوكا حميدا، يسارع الجميع إليه بمجرّد مصادفتهم لشجار أو تخاصم بعد اثنين، إلا أن الملاحظ مؤخرا أن هذه العادة الحميدة توارات مع السنوات في وقت بلغ فيه العنف ذروته . محمد بن حاحة لا يخلو شارع من شوارعنا في أي ساعة من الليل أو النهار، من شجار بين اثنين على مرأى من الناس، و ذلك لأبسط الأسباب التي يستحيي العاقل أن يتخاصم من أجلها، و حتى من صاروا يشهدونها صاروا يفضلون الانسحاب و عدم التدخل ، مكتفين بمشاهدة ذلك المنظر العنيف، فما الذي أدى بالجزائريين إلى ذلك؟ من أجل معالجة هذا الموضوع استفسرت"الجزائرالجديدة" بعض المواطنين حول هذه الظاهرة و أسبابها ؟ من مصلح إلى ضحية كثيرون من الجزائريين يسارعون إلى التدخل مباشرة بمجرد رؤية خلاف بين اثنين أو أكثر، فيحاولون فصلهم و تهدئتهم ثم الإصلاح بينهم و حل مشكلتهم بحكمة، لكن الأمر لم يعد بهذه السهولة في كل مرة، إذ صار كل من المتخاصمين ينقلب على المصلح ، كونه لم يسمح له بصب غضبه على خصمه الأول، ما خلق لدى المواطنين خوفا جماعيا من هذا الخصام .غير مبالين إن كان الضحية في الخناق امرأة أو صبيا أو مريضا. "محمد"، شاب، يقول "ذات مرة أتيت من مدينتي إلى العاصمة لأزور متاحف القصبة رفقة أحد أصدقائي المقيمين هناك ، فقطع طريقنا جماعة من اللصوص و اعتدوا علينا بالضرب أمام عيون الناس ، و الذين لم يتحرك فيهم ولا رجل لنصرة المظلوم فلا حياة لمن تنادي ". وأما "مراد"، 29 سنة، فيرى أن"الإصلاح و فض الخصام أصبح مستحيلا في وقتنا الحالي وبالضبط في أوساط الشباب، خاصة و أن الكثير ممن رأيناهم أو سمعنا عنهم، أنه تم الاعتداء عليهم من طرف المتخاصمين بعد أن تقدموا لإنهاء الخلاف، فأحدهم وجه له لكمة في وجهه ، و الآخر يتعرض لطعنة سكين وغيره يجتمع عليه كافة رفاق الخصمين و أبناء حيهما، فيندم على تفكيره في الإصلاح إطلاقا ". الضحية امرأة في الشارع من المستبعد أن يعتدي رجل غريب على امرأة أو شابة دون سبب وسط الشارع ، إلا إذا كان معاكسا أو سارقا أو شخصا على معرفة بها، غير أن المستغرب تماما في الوقت الحالي هو أن ترى امرأة مع زوجها أو صديقها يتخاصمان و يتبادلان الشتائم و الكلام البذيء ، و ترى الرجل يوسعها ضربا و من يحاول التكلم معهما لمنع المرأة من التأذي فإن الرجل سيهدده قائلا: " له أن الأمر لا يهمّه و لا دخل له، فهي زوجته أو صديقته، بل حتى أن في بعض الأحيان يبادر أحد من الشباب لينقذ فتاة من أيدي رجل عنيف يكاد يفقدها وعيها من شدة الضرب، ليتفاجأ صاحب النية الحسنة بتلك الشابة و هي تقول له "ما دخلك، اهتم بما يعنيك". و من الأمور المثيرة للحيرة في الأمر، يقول"حمزة"، 26 سنة، هو أن من يكونون شهودا على ذلك العراك يكونون كثرة ، و أما المعتدي فقد يكون بمفرده، و مهما كثر عدد الجهة المعتدية فيستبعد أن يكون أكثر من عدد الشهود ، إلا في بعض الحالات كالأحياء النائية أو في الساعات المتأخرة من الليل. و لا يخفى على أحد مدى حث الإسلام على الإصلاح بين المتخاصمين و نبذ العنف، و تغيير المنكر باليد و باللسان، و لم يفوت الفرصة على الضعفاء ، إذ أمرهم بتغيير المنكر ولو بقلبهم، ثم إن الشريعة الإسلامية السمحة قد أكدت في أحاديث كثيرة على أن المسلمين إخوة ، و أن حرمة المسلم عظيمة و أن كل المسلم على المسلم حرام، فالإصلاح الإصلاح قدر المستطاع .