الحب،الود، العشق و الغرام .. مسمّيات تطلق على أسمى إحساس في الحياة و أقوى شعور في قلب كل البشر، بل في كل ذي روح، فما يسمع أحد بهذه الكلمات، إلا و يتبادر إلى مخيلته و نفسيته إحساس بالفرح و السرور ، و كثيرون في مختلف بقاع العالم لا يفوتون الاحتفال بهذا المعنى السمي و الراقي، إذ ما من حضارة ولا ديانة أو فكر وضعي إلا و قدرت هذا المبدأ و كرّمته، بل حتى الكثير من الشخصيات التاريخية ما رسخ اسمها و خلّد ذكرها إلا بفضل الحب . محمد بن حاحة صادف يوم ال 14 من شهر فبراير نهاية الأسبوع المنصرم ، احتفال الغرب و كل البلدان النصرانية ب "عيد الحب" أو " عيد القديس فالنتين" ، الذي رسخ في أعراف المسيحيين وتبعهم فيه سائر بلدان العالم، إذ يلتقي كل شخصان تجمعهما علاقة محبة ليمضيا اليوم سوّية ، و يقوما بتبادل الهدايا و الزهور و بطاقات عيد الحب و أشعار الغزل . عيد الحب ..غاية نبيلة خالدة في تاريخ الإنسانية و يذكر المؤرخون عدة روايات حول سبب تسمية هذا العيد على قديس يدعى "فالنتين" ، حيث أن هناك عدة شخصيات في التاريخ المسيحي تحمل الاسم نفسه و كلهم ماتوا مقتولين، من أشهرهما قديسين قد عاش أحدهما بروما، و الثاني بمدينة تدعى "تورني" و توفيا كلاهما قتلا، واشتهر أحدهما برفضه الخضوع لرغبة إمبراطور روماني يدعى "كلوديس" في دعوته لاعتناق ديانة الوثنية الرومانية و التخلي عن المسيحية، بعد أن تأثر به و أعجب بشخصيته فقام بقتله، و أما الرواية الثانية فتزعم أن الإمبراطور "كلوديس الثاني" وضع قانونا يمنع كل من كان من الذكور في سن الشباب من الزواج ليزيد عدد المنخرطين في جيشه ، حيث كان يرى أن المتزوج لا يمكنه أن يكون جنديا كفؤا، و لن يتفانى في الدفاع عن الإمبراطورية، غير أن القديس "فالنتين" الذي رفض الخضوع لهذا القانون و رآه معارضا لمبادئ الإنسانية و الدين، كان يقوم بتزويج الشباب خفية، و لما اكتشف الإمبراطور ما كان يخفيه القس اعتقله و قام بسجنه ، و هنا يقال أنه وقع في حب ابنة سجانه فكان يراسلها ، و في ليلة تنفيذ حكم الإعدام عليه بعث لها رسالة قصيرة وقعها ب "من المخلص لك فالنتين"، و من هنا يعلم أن طابع الاحتفال بهذه المناسبة ديني أو عقائدي محض ، غير أنه رغم ذلك فإن العديد من البلدان المسلمة على غرار الجزائر، تحتفل هي الأخرى ب "عيد العشاق" هذا، مقلدين للغرب في أعيادهم كالاحتفال برأس السنة الميلادية ، و غيرها من الأعياد البعيدة عن أعرافها و دينها . و من أجل معرفة وجهة نظر الجزائريين في الاحتفال بهذا العيد، استفسرت "الجزائرالجديدة" بعض المواطنين حول رأيهم في إقامة احتفالية "عيد الحب" ، و هل يرون فيها تناقضا مع الإسلام أم أنها بالنسبة لهم مجرّد مناسبة تخلد قيمة إنسانية و كفى ؟ "مريم" 19 سنة، طالبة ثانوية، تقول " لا ينبغي لنا كمسلمين أن نحتفل بهذا العيد، فنحن مسلمون و من تشبه بقوم فهو مثلهم على حدّ تعبير الرسول الكريم محمد عليه أفضل صلاة و تسليم ، و هذا من أعياد الكفار". و يرى "إبراهيم"، 26 سنة، جامعي، أن "هذا العيد لا أساس له من الصحة ، سواء من حيث العادة الإنسانية التي لم تعد تحترم معنى الحب و اختصرته في احتفال يدوم يوما واحدا، في حين أن الحب العفيف أصبح منعدما ، أو حتى من الناحية الشرعية، إذ أننا مسلمون و لنا عيدان هما، الأضحى و الفطر، ثم إن كل ما يقوم به الشباب في هذا العيد محرّم، من أفعال مخلة بالحياء تحت مسمى "الحب". أما "زكية"30 سنة، فتعتبر أن "الاحتفال بعيد الحب أمر عادي ، يتفق مع ما يرمز إليه الحب من فرح و سرور و سعادة بلقاء الأحبة ". و تضيف "فتيحة"، " أنا أحتفل به مع صديقي ، حيث نتبادل الهدايا كتعبير عن حبّنا و إخلاص بعضنا البعض ، و لست أرى عيبا في ذلك ". و تضيف "سامية" قائلة" لقد ارتبط الاحتفال بهذا العيد بطقوس و عادات متعارضة مع العفة و الطهارة ، ففي الغرب يرى الكثير من الأحباب أن هذه المناسبة فرصة للقيام بالفعل الحرام و التخلص من العذرية، كتعبير للفتاة عن حبها المطلق لصديقها ،غير أن الحب أطهر من ذلك ، خاصة بالنسبة لنا نحن كمسلمين ". و تتنوع الهدايا التي يفضل المحتفلون بهذا العيد تبادلها ، فهناك مثلا الورود الحمراء التي ترمز للود و التي يبدأ سعرها من ال 50 دينار ليزيد حسب نوع الوردة و لونها ، و خاصة إن كانت باقة مشكلة من ورود مختلفة، ثم تأتي بعدها علب الشكولاطة التي تتراوح أسعارها بين ال 500 دينار لتفوق الألف دينار لعلبة الشكولاطة المستوردة، إلا أن الأمر قد تغير الآن حيث صار يفضل الكثير من الشباب الجزائريين اقتناء الهدايا من محلات الذكريات، ليشتروا بعض الصحون أو الأكواب التي رسمت عليها قلوب و كتب عليها أحبك باللغة الفرنسية أو الإنجليزية ، أو بعض الدببة التي زينت بنفس الرسوم، وحتى الشموع المزينة، و أما بالنسبة للطبقة الغنية فإن الأمر غير ذلك، إذ أنهم يفضلون إهداء العطور الفاخرة التي يفوق سعرها ال 10 آلاف دينار أو الحلي و المجوهرات، ليصبح هذا العيد بالنسبة للكثير من التجار فرصة مواتية للربح السريع، و لهذا تجد معظمهم يضاعفون أسعار هذه المقتنيات التي يهوى الشباب شراءها في هذه المناسبة، إذ أنهم لا يبيعونها طيلة السنة إلا في هذه المناسبة . ويعارض علماء و أئمة المسلمين الاحتفال بهذا العيد النصراني ، معتبرين أنه بدعة لا أساس لها في الشريعة، و أنها تدعو إلى العشق و الغرام واشتغال القلب بأمور بعيدة عن هدي السلف الصالح ، حيث لا تجوز أي من شعيرة من تلك الشعائر كالمأكل و الملبس أو الهدايا ، و حاثين المسلمين على الاعتزاز بدينهم و الابتعاد عن الفتن .