رغم التطور الذي عرفته مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعنا ، إلا أن مهنة بيع الأثاث القديم لا تزال صامدة ، بل أنها عادت بقوة في السنوات الأخيرة و بأشكال مختلفة ، الجزائرالجديدة سلطت الضوء على هذه الحرفة التي تعد مكسب رزق لممتهنيها . زهية بوغليط مهنة تعدّت ممتهنيها و عرفت نوعا من التجديد ليس المتاجرة في الأثاث القديم بالمهنة الوليدة اليوم ، و إنما هي حرفة عرفها المجتمع الجزائري منذ سنوات ما بعد الاستقلال ، و يتم بالغالب توارثها أب عن جد ، و هذا حسب ما أكده بعض من تحدثنا إليهم، يمارسها في الغالب أشخاص قدموا من المناطق الداخلية ، و جعلوا منها وسيلة لكسب الرزق، حيث يقومون بالتجوال في عربات بين الشوارع و الأحياء لشراء أثاث قديم من البيوت والمناداة بعبارات متعارف عليها " قش قديم..ألي عندو قش قديم للبيع"، طالبين منهم بيع ما لا يحتاجون إليه الباعة و ما عادت تلزمهم ، ومنها بدورهم يبيعونها لتجار التجزئة ، الذين يعيدون بيعها للمواطن في محلات خاصة بالأثاث القديم بعد إجراء تعديلات وتحسينات عليها ، غير أن هذه المهنة عرفت رواجا و تجديدا في السنوات الأخيرة ، بحيث لم تعد تقتصر على الكهول أو على الذين قدموا من المناطق الداخلية أو من متوارثوها، بل تداولها أشخاص عاديون جعلوا منها مصدر رزق لهم، و لعل العوز و انعدام مناصب الشغل ، هو الدافع وراء الإقبال عليها ، رغم كونها متعبة حسب ما أكده بعض ممتهنيها أثناء لقائنا بهم و هم يتجولون ببراقي، حيث لاحظنا عددا كبير من محلات بيع الأثاث القديم و الأغراض المنزلية الأخرى المستعملة كأفرنة الخبز و المدافئ و الثلاجات و غيرها من الأجهزة المستعملة، في هذا الصدد يقول محمد، 33 سنة ، يملك محل لبيع الأثاث القديم " انتهجت هذه الحرفة لأنها عرفت رواجا في السنوات الأخيرة ، حيث يلجأ الناس لاقتناء أغراض قديمة بسبب غلاء المعيشة ، خاصة العائلات البسيطة منهم "، في حين أصبح متداول ثقافة جديدة بين الناس ، كما عرفت رواجا في السنوات الأخيرة، حيث يتم بيع و شراء أشياء قديمة بأسعار معقولة ، في حين يتخذ آخرون وجهتم الأولى المحلات ، يجد آخرون ضالته في المواقع الإلكترونية ، كموقع واد كنيس ، الذي يمكن الزبون من أجل شراء أشياء قديمة و بأسعار معقولة . بين مؤيد و معارض .. غلاء المعيشة جعل الحرفة تعود إلى الواجهة في القديم كان الرواج لهذه المحلات بسبب الأثاث العتيق و النادر الذي كان يباع فيها، حيث تجد عائلات مرموقة و ميسورة الحال هي من تتجه إليها ، و تحرص على شراء قطع قديمة و نادرة، لكن حاليا أصبح العكس ، حسب ما أكده لنا السيد ابراهيم، الذي يملك محلا لبيع الأثاث القديم ببراقي، مضيفا أن غلاء المعيشة و عدم قدرة الناس على شراء ما يحتاجونه من المحلات ، يدفعهم إلى التوجه إلى هذه المحلات التي باتت ملاذهم الوحيد الذي يلبي مطلبهم ، وذلك بسبب تكلفة الأثاث الجديد ، و التي تكون في كثير من الأحيان باهظة الثمن، التقينا بسيدة كانت تتفحص الأثاث المعروض بمحل بيع أثاث قديم" مستعمل" ببراقي ، فلم تخفي أنها من عائلة بسيطة، أخبرتنا أنها بصدد شراء خزانة لأولادها ، لكنها لا تملك ثمن شراء جديدة ، و لذلك فضلت التوجّه لهذا المحل من أجل انتقاء الأفضل منها ، و تضيف محدثتنا أنه بإمكان الشخص الحصول على فرص ذهبية بهذه المحلات ، و لذلك فهي بين الحين و الآخر تتجه إليها بغية انتقاء الأفضل، في حين يبقى آخرون يفضلون ما هو جديد حتى و إن كان ثمنه باهظا، أمثال السيدة نادية، 37 سنة، التي صرّحت لنا أنها لا تتصوّر نفسها تأثث بيتها بأثاث قديم مستعمل حتى و إن كان ثمنه رخيصا ، قائلة " في الحقيقة لا يمكن مقارنة أسعار ما هو قديم و مستعمل بما هو جديد ، و أفضل ادّخار المبلغ المطلوب لأجل شراء الغرض الذي أريده، دون التوجه لما هو قديم و مستعمل " . حب التغيير و التجديد يستهوي آخرين يعد التجديد من بين أحد ضروريات الحياة العصرية لدى الكثير من الأشخاص الذين يجدون متعة في ذلك و يشعرون بلذّة التغيير التي يلمسونها في تغيير أثاث بيوتهم و ديكور منازلهم، فهم يغيرون من فترة لأخرى دون سبب وجيه لذلك، ومن هنا جاء تغيير الأزياء المرتبطة بالمواسم ، وكذلك تجديد ديكور البيت بين كل فترة و أخرى، و بات سمة راسخة في هذه الفئة التي تهوى التغيير و تعشقه لحدّ النخاع، فيكون التخلص من الأثاث القديم لا مفر منه ، و يكون "البرّاح "الذي يتجوّل الشوارع لاصطياد كل ما هو قديم بمثابة المستغيث لها الذي تنتظر قدومه على أحرّ من الجمر، في هذا الشأن حدثتنا السيدة فريدة، 45 سنة، أنها عند بداية كل صائفة تشرع في تغيير ديكور بيتها و تجديده ، حتى و إن كان لا يزال على حاله، كونها تحب التغيير والتجديد في كل شيء ، و دائما تجد العقبة التي تعترض طريقها هي عدم حصولها على مشتري لتلك الأثاث الذي يسبب لها اكتظاظا في البيت . بيع بثمن بخس و شراء بالغلاء غير أن بيع تلك الأثاث لن يرضي في غالب الأحيان كلا الطرفين ، و إن كان ذلك فلن يتم إلا بصعوبة ، كون من يجولون الشوارع طلبا للأثاث القديم ، يتمتعون بإتقان أساليب الإقناع في تحديد سعر الأثاث و تخفيضه لأدنى سعر، تقول سميرة، 34 سنة، " أرفض بيع أثاثي القديم للباعة المتجوّلين، لأنني أرى أنهم محتالون ، يأخذون الأشياء القيّمة بثمن بخس جدا و لا يراعون قيمة الشيء، و هذا ما حدث معي ذات مرة عندما أقدمت على بيع غرفة نومي القديمة ، و لم أشعر بنفسي إلا و أنا أبيعها إياه بثمن بخس جدا بسبب قدرته الكبيرة في الإقناع، و في المقابل يتم بيع ما يتم شراؤه بثمن باهظ مقارنة بالثمن الأصلي، و هنا يكمن وجه الاحتيال " و في سياق متصل حدثتنا السيدة جميلة، 56 سنة مؤكدة ، عند بيعها شيئا من أثاثها لأحد هؤلاء الباعة الذين يجولون الشوارع فهي تكون على دراية بأنه ليس ثمنها الحقيقي، لكن ليس لها خيار آخر للتخلص من ذلك الأثاث الذي يصبح عالة عليها، خاصة و أنها تعاني من عدم اتساع بيتها، و لذلك فإنها تفضل الخسارة ، أما السيدة نورة، 43 سنة، فقد صرّحت لنا أنها قررت التصدق بأثاثها و أغراضها القديمة لأشخاص هم بحاجة إليها ، على أن تبيعه بثمن بخس، في حين تبقى شريحة أخرى، يفضل أصحابها شراء ما يتماشى مع الديكور العصري .