ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    السيد ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجارة ذات مستقبل واعد وحكايات تجار عشقوها حتى النخاع
نشر في الحوار يوم 25 - 08 - 2008

لكل شخص دوافعه وأسبابه في اختيار نوع المهنة التي يمارسها، فهناك من اختارها ومنهم من اختارته مهنته بعدما دخلها مجبرا، وبقي فيها مخيرا فيما بعد، هو حال تجار الخردة وتجار الأثاث القديم والتحف الفنية في الجزائر ممن تنقلت إليهم (الحوار) في استطلاعها لواقع هذه السوق ببلادنا ومستقبلها الذي عبر عنه غالبية التجار بأنه واعد. كل مصنوع مبيوع
تجارة الخردة من بين المهن الصعبة التي صارت منظرا غير غريب عن المجتمع الجزائري، بعدما اعتدنا على رؤية هؤلاء التجار يتجولون في الشوارع والأحياء كل صباح، كما استطاعت هذه التجارة أن تخلق لنفسها سوقا خاصة يجني من ورائها محترفوها أموالا كبيرة، فتتحول بذلك خردة الغير إلى مصدر رزق للآخرين، وتنقلب موازين الحياة ليتحول المواطن البسيط إلى صاحب السلعة والشاري تاجر محترف. إنها فلسفة التجار المتجولين للخردة أو أصحاب المآزر الزرقاء والعربات ذات العجلتين، فهم يجنون الكثير عن طريق التحايل على الناس الذين لا يدركون في غالب الأحيان قواعد اللعبة في هذا النوع من التجارة، حيث يقوم هؤلاء الباعة المتحايلين بشراء كل شيء تحث شعار ''كل شيء قابل للبيع وليس كل شيء قابل للشراء مقابل مبلغ من المال''، فيتحول هؤلاء التجار إلى مشترين يقنعون البائع أن ما يريد بيعه لا يساوي قيمة مالية كبيرة نتيجة استعماله لذلك الأثاث مدة طويلة من الزمن، ليدفع التاجر مبلغا يتراوح بين 200 و500 دج، هذه الخردة سرعان ما تتحول عند إدخال عليها بعض التعديلات من مجرد أشياء قديمة وبالية إلى جديدة ليطلق عليها ''الخردة الجديدة''. يتخذ هؤلاء الباعة من الشوارع مصدر رزقهم ينادون بأعلى صوتهم، رافعين رؤوسهم إلى شرف العمارات لاصطياد فريسة تريد بيع شيء من الأثاث ضجرت من وجوده في بيتها، هذه الفئة غالبا ما تثير الشفقة في النفوس خاصة وأنها تعمل طيلة أيام الأسبوع حتى الجمعة، إلا أنه بالتقرب منها تجد أنها تكسب الربح الوفير من تجارتها، فيتراجع ذلك الشعور بالشفقة أمام منظر الأموال التي تدخل جيوبهم، خاصة بعد أن نعرف أن العديد من الموظفين تركوا وظائفهم ليلتحقوا بهذا العمل غير المكلف، خاصة عندما تتحول خردة الغير لمصدر الطامحين للغنى.
يوميات صعبة سعيا وراء اللقمة
مع كل صباح يستيقظ سكان المدن على صياح هؤلاء الباعة الذين يرددون عبارة ''قش بيع.. كراسي طاولات خزانات'' لعدة وصلات متكررة دون توقف، وهم يجوبون الشوارع والأحياء، يجرون عرباتهم الصغيرة وغالبا ما يتوزعون على الشوارع الرئيسية والفرعية مثنى مثنى، يشترون كل ما يرغب السكان في بيعه وبأقل الأثمان. يقول ''عثمان'' محترف هذه التجارة لما يزيد عن 20 سنة أنه لا يفكر أبدا أن يتراجع عنها رغم التعب الذي يتكبده من عناء المسير طول اليوم وحمل بعض الأثاث الثقيل الذي يتكفل بنقله من العمارة إلى عربته الصغيرة على حد قوله، ليواصل ابن أخيه ''سيد أحمد'' الكلام: ''كنت بداية الأمر أخذه على أنه شيء مسلي ينسي شبح البطالة ويكسبني بعض المال لكن الآن أتخذه مصدر رزق لي''. وهذه المهنة لم تفتح مجال جمع المال للعاطلين عن العمل فحسب، بل اجتذبت العاملين في مهن أخرى، فهذا ''إسماعيل'' كان يعمل حارسا في إحدى الوزارات، وتخلى اليوم عن ذلك العمل لأن الراتب الذي يتقاضاه لا يكفيه في إعالة عائلته المتكونة من 10 أفراد، إلا أن تجارة الخردة التي يعول عليها اليوم ضاعفت دخله أضعافا مضاعفة، وهو حال ''بلال'' الذي لم يصل الثلاثين بعد، كان يعمل في إحدى المدارس الابتدائية في ''بلدية الأربعاء'' استبدله اليوم بشراء ما يفقد صلاحيته في نظر الأسر الجزائرية، حتى يتمكن من توفير مبلغ لإقامة العرس ففي عادتهم يتزوج الشاب في سن مبكرة، وهو اليوم مسؤول على إعالة ثلاثة أطفال وزوجة بالإضافة إلى والديه. وكل ما علي فعله هو جمع خردة من بيوت الناس وبيعها بأرباح صافية إلى تجار الخردة في وادي كنيس. قال ''بلال''، لقد صار من الصعب معرفة عدد ممارسي هذه المهنة في حين يقول ''عبد الله'' إن ثلاثة من زملائه الذين كانوا يعملون في البناء تخلوا عن تلك المهنة، وانخرطوا في تجارة الخردة فالخوض في غمارها لا يحتاج إلى رأس مال كبير، ويتعلق الأمر ببعض الملايين قد لا تصل إلى حدود خمسة مليون سنيتم، لكن بكل بساطة تحتاج إلى العمل ومعرفة التعامل مع الناس خاصة استعمال أسلوب الإقناع . يعتقد العديد من الناس أن بائع الخردة هو ذلك الشخص الذي يتحول إلى مليونير في ظرف وجيز ويلتحق بصفوف الأثرياء، إلا أن عند الاقتراب من ممتهني هذه الحرفة يقنعونكم بشتى الطرق أنها شاقة وتراكمها المالي يحتاج إلى سنوات حتى يجمع مقابل ذلك، والعمل في هذه التجارة لا بد أن يكون منذ الصغر على حد قول ''عمي مصطفى'' الذي عمل منذ سن الخامسة عشرة حتى صار اليوم أحد أكبر تجار الخردة المتنقلين، وظل يعمل بهذه الطريقة لسنوات، تعلم خلالها كيف يشتري البضاعة من الزبون بأقل الأسعار، وأحيانا بدون مقابل مادي، وكذلك التفريق بين السلعة الرديئة والجيدة، وأي قطعة لها ثمن وكيفية بيعها في الأسواق الشعبية.
''التجارة شطارة''
ويقول ''عمي أحمد'' تاجر خردة، سر النجاح هو تحويل سلعة عديمة القيمة لدى صاحبها إلى ذات قيمة لدى ''البائع'' بحيث يتكفل أصحاب المهنة بإعادة تصليحها وتدويرها أو طلائها؛ ليحدد بعد هذه العملية مبالغ تجاوزت بكثير الثمن الذي بيعت به، فعلى سبيل المثال شراء غسالة قديمة أو ثلاجة غير صالحة للاستخدام يكون بهدف الاستفادة من خام الألمنيوم داخلها، ولو كانت تحتاج للتصليح فيتم ذلك لتباع على أنها سليمة بضعف سعرها، وعلى العموم فإن ثمن ماكنة خياطة يدوية بطاولتها وغير مستعملة كثيرا يقدر ثمنها ب 2500دج، ثلاجة 3000دج في حين غرفة نوم كاملة 7000دج، فرن كهربائي 200دج، طاولة خشبية 200دج، سرير 100دج ولكل قطعة زبونها، فقطع الأثاث من كراسي وغرف النوم .. يطلبها تجار بيع الأثاث القديم، فقد تجد هذه البضاعة زبونها بعد شرائها بلحظات، وقد تظل حتى تجمع كميات كبيرة منها وتباع للمصانع التي تعيد تحويلها. وكل هذه السلعة مصدرها البيوت لتسوق في وادي كنيس، فالتجول في المكان الأكثر شهرة في بيع الخردة والأجهزة المستعملة في الجزائر قلب العاصمة ''يكاد يكون فيه أمرا مستحيلا خاصة عند الدخول إلى دكاكينه الضيقة التي تكتسحها الخردة في كل مكان وأشياء معدنية قديمة مبعثرة في كل مكان، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كل شيء لديه قيمة مادية، ولا تجد له ثمنا يقيم به، يسوق في مثل هذه المحلات التي تبيع كل شيء حتى المسمار الذي أكله الصدأ، ليقبع صاحب المحل بجانب الزبون ينتظر اللحظة التي يطلب فيها البضاعة، وهو في نظر البائع زبونا يقدر تلك السلعة ويعرف قيمتها.
غرف النوم على رأس مبيعات محلات الخردة
اضطرت الظروف الاقتصادية السيئة الكثير من الناس إلى الاستعانة في تأثيث بيوتهم بمحلات بيع الأثاث القديم، فقد عرفت هذه الأخيرة انتشارا واسعا، وأخذت سلعها تلقى رواجا لا بأس به، بيّنت حاجة الناس إلى التجديد ورغبتهم في تأثيث بيوتهم ولو بالقديم الذي يستغني عنه الآخرون والذي لم يكن وكما اطلعنا عليه سيئا في كثير من الأحيان. تحوي محلاتهم الكثير من القطع الجميلة من غرف النوم وأطقم الجلوس وغيرها، وبأسعار معقولة، ساعدت الكثيرين ممن أعادوا تجديدها على تحقيق رغبتهم في اقتناء قطعة أثاث جميلة وبأقل الأسعار. وقادتنا جولة بين محلات بيع الأثاث القديم بمنطقة حمادي ببومرداس المصطفة الواحدة أمام الأخرى بالعشرات إلى اكتشاف الكم الهائل من السلع التي يتنافس الباعة على عرضها بطرق جميلة ومنسقة لكسب أكبر عدد ممكن من الزبائن، فبالفعل لا يخيب ظن المتسوقين في هذه المحلات، فغرف النوم التي يصل سعرها خارجا إلى 10ملايين سنتيم قد نجد ما يضاهيها جمالا داخل محلات بيع الأثاث القديم وبأسعار لا تتجاوز 4 ملايين سنتيم، أما باقي الأثاث فأسعاره تبقى في متناول الجميع خاصة الفئة ذات الدخل المحدود. هذا ما أكده لنا السيد ''بوعلام'' صاحب إحدى محلات بيع الأثاث القديم، حيث كشف لنا بأن زبائنه يعدّون بالمئات وهم ينتظرون قدوم سلع جديدة لاقتنائها أو تغييرها بأثاثهم القديم. ويرى ''بوعلام'' أن اختلاف الأذواق والحاجة إلى التجديد لعبت دورا كبيرا في رواج تجارة الأثاث القديم والأدوات الكهرومنزلية، فما يراه الأول قديما يراه الآخر فرصة لا تعوض فيسارع إلى شرائه، أما الأثاث الذي يكثر الطلب عليه حسب ذات البائع فنجد غرف النوم في المرتبة الأولى، والتي قال بشأنها: ''نسعى إلى تجديدها وجعلها في أبهى حلة، كطريقة لمساعدة الشباب المقبلين على الزواج ممن أنهكتهم المصاريف المختلفة''. أما الأسعار فأضاف عنها: ''الأسعار عندنا مقبولة إذا ما قورنت بما يباع خارجا، أما السلع الأخرى التي تلقى الرواج فهي طاولات الأكل وغرف الجلوس التي نعيد إصلاحها بتغيير غلافها الخارجي سواء كان قماشا أو جلدا''.
الحل السحري للعرسان
وجد العرسان محدودو الدخل في محلات بيع الأثاث القديم فرصة مناسبة لتأثيث بيوتهم بأسعار منخفضة أزاحت عنهم مصاريف الأعراس التي بات التفكير فيها يشغل بال الكثيرين، وأصبح لجوؤهم إلى مثل هذه المحلات عبارة عن حل سحري يضمن لهم تأثيث البيت وبأقل التكاليف وبأخف الأضرار، وهو ما أكده لنا ''سمير'' شاب مقبل على الزواج، وجدناه داخل المحل حيث قال بأنه اضطر إلى هذا الحل بعد أن صدمته أسعار الأثاث الجديد خاصة غرف النوم التي يتراوح سعرها بين 7 ملايين سنتيم إلى 20 مليون سنتيم أو أكثر، فوجد نفسه مخيرا بين الاستدانة وشراء غرفة نوم جديدة، أو شراء واحدة مستعملة وتخصيص باقي المبلغ لشراء باقي الضروريات. وفي حديثه معنا أسر لنا سمير عن المعارضة التي لقيها من قبل أهله خاصة والدته لكنه استطاع إقناعها بأن تصرفه هذا جدّ طبيعي ومنطقي، سيما وأن أغلب أصدقائه وحتى أقربائه اضطروا إلى هذا الحل بعد أن وجدوا أنفسهم في دوامة مصاريف العرس التي عصفت بجيوبهم. من جهته صاحب المحل أكد أن أغلب زبائنه عرسان جدد، وجدوا ضالتهم في هذه المحلات فيحضر يوميا إلى محله عشرات الشباب يقترحون إجراء تعديلات معينة على غرف النوم والصالونات، ويقوم أصحاب محلات بيع الأثاث القديم والمستعمل بتجسيدها مستعينين في ذلك بنجارين وحرفيين والنتيجة في النهاية تكون مرضية لجميع الأطراف.
المستعمل للتجديد
تقبل الكثير من العائلات الجزائرية على تجديد أثاثها المنزلي كلما سنحت لها الفرصة، لكن الملاحظ أن الكثير منها أصبحت تقتنص الفرص للظفر بأثاث آخر يضمن لها التغيير بأسعار مناسبة، حيث أكد أصحاب المحلات أن العائلات وخاصة النساء يزرنهم باستمرار بغية الاستفسار عن آخر الموديلات التي تصلهم، ومنهن من يتركن أرقام هواتفهن للاتصال بهن في حالة وصول الجديد، كما أن العديد منهن يلجأن إلى تغيير أثاثهن بآخر جديد مع إضافة مبلغ من المال مثلما هو الشأن عند تغيير مجوهراتهن. يقول ''بوعلام'' إن العائلات تطلب قطعا معينة، مثل أطقم الجلوس أو طاولات الأكل، كما يطلب أشخاص آخرون أثاث المكاتب أو مقاهي الإنترنت وحتى أصحاب المقاهي العادية يطلبون تزويدهم بالكراسي والطاولات. وما لاحظناه خلال زيارتنا لهذه المحلات هو احتواؤها على الكثير من الآلات الكهرومنزلية المستعملة خاصة الثلاجات ومواقد الطبخ التي يقوم الباعة بتصليحها وإعادة بيعها، فهي تعرف الطلب المتزايد في ظل ارتفاع أسعار الجديدة منها، ويبدو أن ارتفاع تكاليف المعيشة قد ساهم في انتشار هذه التجارة بشكل كبير، وأصبح لها هواة يبحثون دوما عن الجديد لتحقيق نسب معينة من الأرباح. ويؤكد النّاس الذين استطلعنا آراءهم حول الموضوع أنّ فكرة بيع الأثاث القديم ليست سيئة، فبالعكس فقد ساعدت الكثيرين على تأثيث بيوتهم، لكن ما يؤخذ عليها هو جشع بعض التجار الذين يرفعون أسعار بعض القطع بمجرد أنهم أصلحوا جزءا منها. وفيما يتعلق بمصدرها، لا يبحث الناس دائما عن مصدر الأثاث، ولا يهمهم معرفة ذلك، وهذا ما أكده الباعة جميعهم، لكنهم بيّنوا لنا أن مصادر السلع متنوعة، فمنها ما يحضره مالكوه لبيعه ومنها ما يشترونه بأنفسهم من عند الباعة المتجولين الذين يجوبون مختلف أسواق البلاد بحثا عن الأثاث أو الآلات الكهرومنزلية. ومهما اختلفت مصادر السلع فإن هدف مشتريها واحد، وهو البحث عن التجديد الذي ورغم الظروف المعيشية الصعبة يبقى هدفا يسعى الجميع إلى تحقيقه.
للتحف الفنية والأثرية مكانتها الخاصة
على قدر الرواج والانتعاش الكبير الذي تشهده تجارة الأثاث القديم والمستعمل ببلادنا، تعرف تجارة التحف الفنية والآثار نوعا من الركود حسب ما أكده جلّ العاملين في هذا المجال الذي دخلوه جميعا في سن مبكرة ما غرس في أنفسهم حبا وعشقا للعمل ازداد مع مرّ الزمن. مروان''، ''عمي كمال''، ''عمي أحمد'' أحبوا التحف الفنية القديمة، عملوا في تجارتها وكل واحد منهم عبر عن حبه لها بطريقته الخاصة.
يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر
منطقة ''واد كنيس'' ليست فقط كما يحسب الكثير سوقا للخردة، تجد فيها العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل ضالتها حيث ينطبق عليها مقولة ''دخلت يدي في الشكوة نجبد اللبن أجبدت الزبدة''، فلم نكن نتوقع ونحن نتجول بين محلات الخردة أن نجد محلات تجمع بين بيع الخردة وبيع الأثاث القديم والتحف الأثرية، اكتشفنا ذلك بمحض الصدفة ونحن ندخل محل ''مروان'' الذي راح يكشف لنا بعض أسرار مهنته، فهو تقريبا الشخص الوحيد من تجار المنطقة الذي يملك سجلا تجاريا لبيع الأثاث القديم والتحف الأثرية وهو ما يحظى به القليلون بالعاصمة. ما وجدناه من تحف فنية أثرية جميلة بمحله مرصوفة جنبا إلى جنب مع بعض الخردة، دفعنا إلى التساؤل عن جمعه بين الخردة والتحف الفنية والأثرية، فعرفنا أن العمل في تجارة القطع القديمة وذات القيمة التاريخية على عكس الخردة تتطلب رأس مال كبيرا بين شرائها وإعادة تصليحها، فتكون عائدات بيع الخردة بمثابة الأصول التي يمول بها هذا التاجر الشاب تجارته الحقيقية، فهو يحصل على القطع الأثرية من خلال التنقل إلى البيوت وشراء ما تعرضه عليه العائلات من تحف توارثتها في بعض الأحيان جيلا عن جيل فهي تعرف تماما قيمتها فلا ترضى إلا بالأسعار المرتفعة لبيعها، والدخول في المزادات يعد هو الآخر أحد مصادر الحصول على التحف. كما أخبرنا ''مروان'' الذي تتلمذ على يد عميد تجارة التحف الأثرية والفنية بالجزائر ''عمي الزوبير'' الذي ذاع صيته من ''تيليملي'' مكان تواجد مجله إلى خارج الوطن. وعن الفئات التي تقصد محله، فهي من كل الطبقات الاجتماعية، فالكل يجد غايته عند ''مروان''، الباحث على الخردة، وصولا إلى المولع بالأثاث القديم والتحف الفنية والأثرية من هواة جمع القطع القديمة وتجار التحف الآخرين أيضا.
لبيع التحف وسطاؤها التجاريون أيضا
ونحن نغادر محل ''مروان'' اقترح علينا أن نتحدث مع أحد زملائه ''عمي كمال'' كان يقف أمام مدخل محل غير بعيد، ظنناه صاحبه، فهممنا بالدخول ليطلب منا أن نقف ونتحدث خارجا لأن المحل ليس ملكا له، فهو أحد تجار هذه السوق، ولكن من دون أن يملك محلا خاصا به، وبعد الخوض في الحديث معه، أدركنا أنه سمسار أو وسيط في عملية بيع التحف الفنية والأثرية، ونادرا ما يشتغل في بيع الخردة، عشقه للقديم كما قال دفعه إلى التخصص فيه منذ 25 سنة بعدما تعلق بغرفة نوم جده التي تعد على حد تعبيره تحفة فنية نادرة من الخشب الخالص المنقوش بأشكال جد جميلة تعود إلى العهد العثماني، فمن رفضه لبيع تلك التحفة تحول إلى هاو يجمع الأثاث القديم الذي يعود للحقبة الاستعمارية، ومن ثم إلى سمسار بين الأشخاص الذين يتخلصون من القديم ويستبدلونه بالجديد، ومن يقتنون التحف القديمة سواء كانوا أصحاب محلات أو أشخاص مولعين بها مثله، وخلال حديثنا معه عرفنا من ''عمي كمال'' أن تجارة الخردة أتت على تجارة القديم والثري في بلادنا، فلم يبق ما هو تحف فنية نادرة تتداول في السوق سوى ما يعود للحقبة الاستعمارية، فالناس تفطنت إلى ما كانت ترتكبه من أخطاء في حق موروثها العائلي من تحف فنية نادرة تعد شاهدا على عراقة وأصالة العائلة، وصارت تحتفظ بها في منازلها وتعمل على ترميمها وإصلاحها، ما يعني أن للتحف والأثاث الأثري في بلادنا مستقبلا مشرقا، لو عملت كل العائلات على غرس هذه الثقافة في أبنائها.
لا يزيدون عن 20 تاجرا بالعاصمة
ونحن نجري استطلاعنا ونتنقل يوميا من مكان لآخر، ومن محل لآخر بحثا عن التجار الحقيقيين للأثاث القديم والتحف الأثرية، بلغت بنا الطريق محل ''عمي أحمد'' وإن تشابهت الأسماء مع ذاك الذي صادفناه بواد كنيس يعمل على شراء الخردة بواسطة عربته الصغيرة، إلا أنه شتان بين هذا وذاك من ناحية الأسباب التي دفعت كل واحد منهما إلى ولوج عالم تجارة الأثاث. ظللنا نتردد على محله المتواجد بشارع ديدوش مراد يومين متتالين، ونفشل في كل مرة في ملاقاته، لا لرفضه الحديث معنا وإنما لانشغاله معظم الوقت في ورشته غير البعيدة عن المحل، وأخيرا بعد الجهد تمكنا من لقائه ليحدثنا عن واقع ومستقبل هذا النوع من التجارة. وما استطعنا معرفته من هذا الرجل البشوش الذي فتح محله وقلبه لنا، أن هذا النوع من التجارة يعرف ركودا خلال الصيف وفي شهر رمضان، إلا أنها تسترجع انتعاشها مباشرة بعد انقضائهن استغربنا الأمر بعدما كنا نظن أنها تنتعش في موسم الاصطياف بقدوم السياح الأجانب، وحتى المغتربين الذين يحبون إبقاء شيئا من رائحة الوطن في بيوتهم هناك بالمهجر، فرد علينا ''عمي أحمد'' أن هذه الفئة لا تشتري وإنما تأتي للتفرج فقط. وعن الفئة التي تفضل ما نعرضه خاصة ما صنع من خشب الورد فهي من داخل الوطن من الأثرياء الذين يميلون إلى إضفاء لمسة من الماضي على بعض أركان منازلهم. وعن تجار التحف والأثاث الأثري بالعاصمة قال ''عمي أحمد'' إنهم قليلون جدا ومعروفون واحدا بواحد فعددهم لا يتجاوز ال 20 دخلوا العمل في هذا المجال في سن مبكرة.
الجديد عزو والقديم لا تفرط فيه
تجارة الأثاث القديم والتحف الفنية تتطلب من صاحبها الصبر والحب الكبير، وهو ما يأتي مع الوقت، فجميع من دخلوا هذا المجال دفعهم حب القديم في سن مبكرة إلى تحديد مستقبلهم المهني، فاختاروا التخصص في بيع القديم من أمثال ''مروان'' الذي توجه مباشرة بغد تركه الدراسة في سنة ال 13 إلى مدرسة ''باب الجديد'' لتعليم ترميم وإصلاح القديم، فأحب المهنة وتعلق بها لدرجة انه صار يرمم كل ما يعرف قيمته التارخية والفنية دون مقابل فقط من أجل الحفاظ عليه، حيث عرفنا أنه قام مؤخرا بترميم ثريا مسجد القبة التي تعد تحفة فنية نادرة، وكان آخر ما قاله لنا هذا الشاب هي عبارة جعل منها شعاره في الحياة ''الجديد عزو والقديم لا تفرط فيه''. أما ''عمي كمال'' و''عمي أحمد'' اللذين تجاوزاه في الميدان كثيرا نظرا لسنهما المتقدمة، فقد جزما هما الآخران أن العمل في تجارة الأثاث القديم والتحف الفنية والأثرية فهي قبل كل شيء تعكس قصة الحب والتعلق الشديد بالماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.