يتمسك المجتمع الجزائري على غرار كل الأمة الإسلامية بدين الإسلام الحنيف وبالإمام خاصة ، إذ يرشدهم إلى صواب الرأي حينما يستشيرونه في أمورهم الدينية والدنيوية ، لما يكتسب من حكمة ومنطق و خبرة في الحياة ، وقد يزيد هذا الإمام سموّا ورفعة في أعين الناس ، إن كان صغير السن و استوفى كل تلك الخصال رغم حداثة سنه، فهو شاب نشأ في طاعة الله واجتهد ، فاستجمع من الحكمة و النبوغ ما قد يعز على كبار الأئمة الظفر به . "عبد السلام" هو أحد الأئمة القلائل الذين أمضوا صغرهم وشبابهم في تحصيل العلم الشرعي ، إلى أن أصبح من بين أفقه الأئمة في العاصمة وأصغر الخطباء سنا . بمسجد "علي بتشين"، أحد المساجد العتيقة والتاريخية بقصبة الجزائر، شد انتباهنا كثرة حديث السكان العاصميين عن إمام هذا المسجد ، فرحنا نبحث عنه لنتعرف أكثر عليه ، وخاصة على الميزة التي شدّت قلوب الناس إليه. جلسنا إلى الشيخ "عبد السلام" فراح يحدثنا عن مشواره في طلب العلم ، ولذي كان منطلقه بين جدران مساجد القصبة العتيقة، والتي احتضنته منذ طفولته فختم بها القرآن الكريم مع جملة من العلوم الشرعية المقررة رسميا بما يوافق منهجية التدريس التقليدية، والتي انتهجها أفاضل شيوخ وعلماء الجزائر ، الذين حلوا بمساجد القصبة، والذي نال "عبد السلام" شرف طلب العلم على أيديهم، من أمثال الشيخ "محمد الشارف" رحمه الله و الشيخ "عبد الرحمان الجيلالي" رحمه الله و الذي أجازه ، ثم الشيخ "طاهر أيت علجت" بارك الله في عمره" والذي أجازه شفويا بنشر كافة العلوم الشرعية، كل هذا وسن عبد السلام لم يتعد ال 19 سنة. مع بلوغه سن ال 19 انتقل "عبد السلام" إلى ولاية أدرار بالصحراء الجزائرية، قاصدا مدرسة العارف بالله ، الشيخ العلامة " الحسن الأنصاري" فدرس هنالك على يديه، بالإضافة إلى جملة من علماء تلك البلدة المباركة كالشيخ "محمد الكنتي" والشيخ "المغيلي" .. وغيرهم ، وذلك طيلة فترة إقامته بتلك المنطقة ، والتي دامت 3 سنوات ، كما لازم الشيخ إلياس أيت سي العربي ، و الشيخ زين الدين العربي و جلس إلى الشيخ السوري يحي الغوثاني ، فأجازه في الحديث . عند عودته من أدرار وتحصيله ما شاء الله من العلوم الشرعية طيلة ثمان سنوات، دعي "عبد السلام" لإمامة مسجد "بتشين" و تولي الخطابة وإمامة الصلاة، وذلك بعد أن حدث شغور في منصب الإمامة، فقبل الشيخ حمل هذه المسؤولية التكليفية على عاتقه ، وهو الآن في سن ال 22 ، يخطب في الناس بالجمعة ويؤمهم في الصلوات الخمس ، ويفتيهم في انشغالاتهم الدينية و الدنيوية، وصلى بهم التراويح فحببهم في القيام بصوته الحسن الذي يبعثهم على الخشوع في الصلاة وتدبر الآيات ، ويدرس أبناء المنطقة القرآن ومختلف العلوم الشرعية على مذهب إمام دار الهجرة، الإمام "مالك بن أنس"، حيث شهد الكثير من أبناء الحي أن المسجد قد استقطب منذ حلول الإمام الجديد، عددا هائلا من المصلين والطلبة الذين حفظوا القرآن في مدة قليلة، لدرجة أن رئيس بلدية القصبة تنقل لمسجد "بتشين" في رمضان من أجل تكريم هذا الإمام و طلبته ، الذين حفظوا القرآن الكريم. لقد ذكرنا هذا الإمام الشاب الفريد من نوعه بأسلاف علمائنا المتبحرين في فنون العلم المختلفة رغم حداثة سنهم، كيف لا وهو رغم سنه الصغير يحفظ القرآن والنحو والفقه المالكي والحديث و المواريث .. إلى غير ذلك من العلوم . و عند استفسارنا بعض المصلين بذات المسجد ، وبعضا من أبناء الأحياء المجاورة، لم يخفوا تأثرهم بهذا الإمام الشاب الذي "أحيا في المصلين روح القصبة العتيقة المباركة بعلمائها وأوليائها، من أمثال سيدي عبد الرحمان الثعالبي والشيخ الشارف و الشيخ دواخ وبابا أعمر و عبد الحليم بن سماية رحمهم الله و نور ضريحهم"، يقول أحد أبناء القصبة والمداومين على الصلاة ب "بتشين". ورغم براعة هذا الشاب في العلوم بشهادة العلماء و يسر منهجه في التدريس و تبسيطه المعلومة للصغير والكبير ، إلا أن العديد من محبي الشيخ عبد السلام و المتعاطفين معه، أخبرونا أنه تلقى مؤخرا بعض العراقيل والمعوقات من بعض الأشخاص الذين " استصغروا قدره وجهلوا فضله ، وهم لا يريدون رجوع هذه الروح الطيبة التي كان عليها أسلافنا الأمجاد" حسبهم. ويضيف بعضهم أن الشيخ "عبد السلام" يتعرّض لهذه المضايقات منذ مدة طويلة ، وخاصة في شهر رمضان، وذلك رغم تأييد المسؤولين والمدراء ورجال الأمن و فوق هؤلاء جميعا، قلوب المواطنين من أبناء الحي، وذلك لما شهدوا من أمن وسكينة عمت المسجد المبارك ، و من أخوّة ألفت قلوب المصلين بعضها البعض، فكل ما يتمنى هؤلاء هو أن يتم ترسيم "عبد السلام" ليصبح إماما لصلاتهم و مدرسا لأبنائهم بصفة دائمة ، وليس مؤقتا ليتم بعدها استبداله بآخر، فهو ابن القصبة الذي يعرف مشاكلهم ويشاركهم همومهم ، و هو طالب العلم الذي يعينهم على طاعة ربهم ، وينصح المنحرفين من شباب الحي الذين أخطؤوا الطريق و يأخذ بيدهم إلى بر الأمان . لم يبق أمام عمار "مسجد "بتشين" وأبناء حي القصبة شيئا بوسعهم فعله ، سوى رفع أكفهم والدعاء بتنصيب الشيخ عبد السلام إماما رسميا لهم، فهل سيلبى طلبهم؟