من فكر في مصير أطفال لن يجدوا من يحتضنهم، في حالة الطلاق، سوى شارع مفخخ بالمخدرات والعنف والجريمة، سواء كان المتهم زوجا مهملا أو زوجة غير مسؤولة؟ سؤال على بساطه يطرح نفسه على المشرع الجزائري، من جديد، ليس ل"تعديل" مادة في قانون، بل لإعادة النظر في تشريعات خاصة بالطفل والأسرة، وتكييفها مع تبعات الطلاق والعنف الأسري، و"مصير" أبناء لا يفرقون بين الخلع والطلاق، ولا يستوعبون، بعدُ، ما يجري حولهم. وهذه ملاحظات جمعيات وحقوقيين يقولون إن تفكيك الأسرة الجزائرية لن يتوقف غدا، ويطالبون بمراجعة الترسانة القانونية في هذا المجال حفاظا على النسيج الاجتماعي من مزيد من التفسخ الأخلاقي في بلاد أزماتها متعددة. ملف: سارة بن عيشة الطلاق أصبح "موضة العصر" الإمام حجاج والحقوقي حسين: يجب إعادة النظر في القوانين المشرعة للزواج والطلاق الطلاق، أو وما سماه الله تعالى في كتابه الكريم "أبغض الحلال"، تحول إلى "موضة"، مثل الثوب الجديد الغالي يُلبس، وسريعا ما يُنزع. وفي وقت أصبح فيه العزوف عن الزواج، ذلك الرباط الشرعي الذي قدسه الله في كتابه وسماه "الميثاق الغليظ"، إرتفعت حالات الطلاق بشكل رهيب، وزاد تفكك الأسر، وصار ما يحدث أقرب إلى ظاهرة مدمرة، حسب أرقام وإحصائيات تدق ناقوس الخطر. أزواج اليوم لا يدركون في مكان ما القيمة الحقيقية لهذا الرباط، ولا يحققون بينهم معاني المودة والرحمة، لعدم معرفة كل منهما حقوقا وواجبات، فيقع الطلاق. ويتحدث النفسانيون عن عدم التوافق النفسي في العلاقة بين الزوجين ما يجعلها غير متزنة ولا متوازنة. وبسبب تنامي هذه الظاهرة حذرت جمعيات ومجتمع مدني، من استمرار هذا الخطر الذي يهدد المجتمع الجزائري برمته بالتفكك والانحلال وتنامي الجريمة، خاصة وأن ضحاياه أطفال، لن يجدوا من يحتضنهم سوى شارع مفخخ بالمخدرات والعنف والجريمة، وسواء كان المتهم زوجا مهملا أو زوجة غير مسؤولة، أو ظروف عيش صعبة، فالنتيجة حتما واحدة، أسرة مفككة، وأطفال بلا مستقبل. 50 بالمائة من حالات خلع الرجال أسبابها تافهة! انتقدت نادية دريدي، رئيسة جمعية نسائية، قوانين خاصة ما تعلق منها بالعنف والخلع، وأكدت أن منح المرأة حرية فك رباط الزواج عن طريق الخلع ساهم بشكل كبير في ارتفاع حالات الطلاق، مستدلة على ذلك بالحالات التي تستقبلها جمعيتها سنويا والتي تفوق 400 حالة، وأكدت أن 50 بالمائة منها رجال تقدموا للجمعية يشتكون نساءهن اللواتي قررن لأتفه الأسباب تفكيك أسرهن. وقالت دريدي "استقبلت شخصيا عشرات الرجال، يبكون خلال حديثهم معي، والسبب خلعهم من طرف نسائهن، والأسباب تافهة"، وتساءلت دريدي: "هل كل من صرخ زوجها في وجهها، يجوز لها أن تخلعه"، وأضافت أن الجمعية قامت مؤخرا بصبر آراء في العاصمة وسط الشباب وكان السؤال عن سبب عزوفهم عن الزواج. لدى الشباب خوف كبير من العلاقة الزوجية وأكدت رئيسة الجمعية أن أغلب الأجوبة كانت ساخرة من الخلع وبعبارة "علاش نتزوج امرأة غدوة نقولها كلمة تخلعني"، موضحة في ذات السياق أن لدى الشباب خوف كبير من العلاقة الزوجية وعدم ثقة في قرارات الزوجة خاصة مع وجود قوانين تمكنها من الطلاق مقابل مبلغ مالي وبدون عناء، وأضافت أن هذه الحقوق جعلت المرأة لا تخاف من هاجس الطلاق مثلما كان من قبل، حيث كانت تفكر ألف مرة وترضى بواقعها قبل أن تتخذ قرار الانفصال، وراسلت مختلف الجمعيات حسب المتحدثة رئيس الجمهورية لطلب مراجعة وإعادة النظر في القوانين خاصة الخلع. ودعت دريدي الطرفين، خاصة النساء، إلى تحمل المسؤولية اتجاه الأبناء باعتبارهم الضحية الأكبر، وأكدت على أن المشكل أخلاقي بالدرجة الأولى. شبكة وسيلة: نستقبل أكثر من 1000 مكالمة سنويا من نساء معنفات وجهت شبكة وسيلة أصابع الاتهام للزوج، واعتبرت المرأة ضحية مثلها مثل الأبناء. وكشفت المختصة النفسانية في الشبكة لفتي سهيلة أن العنف داخل الأسرة هو أحد أهم أسباب الطلاق، على اعتبار أن أغلب مكالمات الاستماع التي تصل الشبكة وتتخطى 1000 مكالمة سنويا، من نساء معنفات من أزواجهن، وقالت "هناك نساء تحملن العنف 30 سنة، وفي الأخير قررن ترك كل شيء والهروب نحو المجهول". واستحسنت المختصة النفسانية القوانين الأخيرة التي جاءت "لتحمي المرأة وتضع حدا لعنف الرجل المتواصل"، واعتبرت الخلع حلا وليس سببا من أسباب الطلاق. وترى سهيلة أنه عكس بعض الرجال الذين "يستيقظون صباحا يطلقون"، وهو ما يعرف بالطلاق التعسفي، تسعى العديد من النساء لتحمل أسوا الظروف للحفاظ على الأسرة من أجل الأبناء، حيث تتعرضن لعنف متواصل ومستمر سنوات، تفوق أحيانا 30 سنة، وفي الكثير من الحالات تكون العاهات مستديمة، غير أنها لا تفكر بالطلاق، وتساءلت "هل يحتمل أي رجل عنف زوجته 30 سنة دون أن يطلقها؟"، كما أن السبب وراء تضحية المرأة في غالب الأحيان يكون الخوف من نظرة المجتمع، خاصة إن كانت المرأة غير عاملة وغير مؤهلة للعمل، وفي كثير من المرات لا تجد مكانا تأوي إليه. إجابة في شكل سؤال! وأكدت المتحدثة أنها استقبلت حالات جد خطيرة، وعندما سألت عن سبب الاستمرار في الزواج، كانت الإجابة في شكل سؤال: "أين أذهب؟"، ودعت السلطات والجمعيات إلى ضرورة التكفل النفسي بالنساء المعنفات، حتى لا ينعكس سلبا على سلوك الأطفال. ولم تستغرب سهيلة انحراف أطفال الجزائر اليوم وتوجههم نحو عالم المخدرات والجريمة، نظرا لحالات عنف يعيشونها في أسرهم، ومن بين الأسباب كذلك، قالت المتحدثة أن الجزائريين يتزوجون دون تحديد هدف والتخطيط للمستقبل، وهذا ما يجعل الطلاق يكون نتيجة مشاكل يمكن تجاوزها على غرار عمل المرأة وحضانة الأطفال والسكن مع العائلة، ومنها تلك المتعلقة بالصراع بين الكنة وحماتها، حيث غالبا ما لا تستطيع الزوجة تحمل العيش مع أسرة زوجها، ومع تفاقم المشاكل يكون الحل الوحيد هو فك الرابطة الزوجية. ومن أهم الأسباب أيضا الخيانة الزوجية التي طفت على السطح مؤخرا سواء من الزوج أو الزوجة والتي تكون من أسباب الطلاق، وأضافت أنها استقبلت العديد من الأزواج الذين اختاروا الطلاق لحل مشاكلهم دون الاكتراث لمستقبل الأطفال الذين يبقون الضحية الأولى للطلاق. الحقوقي حسين خلدون يؤكد: "يجب إعادة النظر في شرط الكفاءة، والسن لا يعكس أهلية الأزواج" أكد الحقوقي حسين خلدون أن العديد من العوامل أحاطت بالأسرة الجزائرية العصرية، وللأسف انعكست نتائجها بالسلب، وباتت من المسببات الرئيسية للتفكك، وأهم سبب هو الاستخفاف وعدم الاهتمام بمنظومة الأسرة، والعلاقة الزوجية، والابتعاد عن الجانب الأخلاقي، إضافة إلى الجانب المادي، حيث باتت الظروف المادية للعائلة الجزائرية من أهم مسببات الطلاق، وفي هذا الشأن أوضح حسين أن العديد من الشباب يقبلون على الزواج، وبعد إنجاب الأطفال يجدون أنفسهم عاجزين عن الإنفاق على المنزل ومتطلبات الزوجة، والأطفال، ما يخلق المشاكل بين الطرفين وفي الأخير يجدون في الطلاق فرصة للتحرر من الضغط النفسي، والواجبات الزوجية، دون التفكير في الأبناء، وأشار أن أعلى نسبة في الطلاق سجلت في وسط الأزواج المتزوجين حديثا، وكل هذا لأن الكذب هو سيد العلاقة، فالرجل قد يتنازل عن العديد من مبادئه عند الخطبة ويقبل كل شروط زوجته وأهلها من عمل ومسكن، وغيرها من الشروط، لكن سرعان ما تنقلب الأمور بعد الزواج ويتم اكتشاف الحقيقة، وتبدأ المشاكل خاصة بسبب عمل الزوجة أو حتى قبولها السكن لدى عائلة الزوج لتكون النهاية أمام المحاكم. وفي اعتقاده أصبح زواج اليوم لدى الكثيرين مجرد تقليد أو مظهر، فترى كل عائلة تنافس الأخرى لتزويج ابنها أو ابنتها في أقرب وقت وللتباهي وإقامة الأعراس، في حين غاب أهم عامل لقيام الزواج وهو تأسيس أسرة، ومع تغير المجتمع -يقول الأستاذ- لم يعد الهدف من الزواج بناء أسرة والحفاظ عليها، فتجد الفتاة تريد الزواج فقط للتخلص من شبح العنوسة أو للتباهي أمام العائلة، والرجل يتزوج للتحقيق رغبات نفسية وجنسية، وعندما يصطدم الزوجان بالواقع المر تجدهما لا يتورعان في طلب الطلاق لأن أساس الزواج غير متين، وذكر الحقوقي بأن الفوارق الاجتماعية والمادية من أهم أسباب الطلاق، وتابع الحقوقي حسين" لا تهمنا الأسباب فهي كثيرة وأغلبها تافهة"، وبعض الأزواج لا يجدون حتى سببا يطلقون لأجله، ولإنقاذ المجتمع من التفكك والحفاظ على الأسرة دعا إلى إعادة النظر في التشريع الوقائي في منظومة الزواج، ومقاصد الشريعة الإسلامية، خاصة شرط الكفاءة فحسبه الكفاءة لا تعني فقط سن الرشد وسلامة العقل بل تعني الالتزام والمسؤولية، والقدرة على بناء أسرة وتربية جيل، وعلى المؤسسات التربوية والمساجد وجميع مؤسسات الدولة ووزارة العدل والمجلس الإسلامي الأعلى المساهمة بسن القوانين الردعية للتلاعب بالزواج، والقيام بحملات توعية وتحسيس بأهمية هذا الرباط الشرعي. الإمام حجاج مخاطبا الأئمة والقضاة والأهل: "اسعوا للصلح" أرجع مدير الشؤون الدينية بولاية تندوف "الحاج حجاج" أسباب الطلاق لانحلال الأخلاق بالدرجة الأولى، وتضارب المصالح، فالزواج أصبح في أغلب الأحيان مبنيا على المصلحة، وبمجرد أن تقضى يستحيل الاستمرار في العلاقة الزوجية، فالزواج يقول الإمام "هو رحمة ومودة، ولا يمكن إجبار أحد على العيش عنوة مع الآخر"، ولكن يجب التفكير في هذه النتائج قبل حصول الزواج وليس بعده، حتى لا يقع الظلم على الأطفال الأبرياء الذين ينحرف أكثرهم، وتبنى العلاقة الزوجية على الاحترام المتبادل، ومعرفة الحقوق والواجبات، وكثيرا من التسامح والتنازل لصالح الأبناء، فالحياة حسبه مدرسة وعليهما التعلم منها والتغلب على العقبات التي تهدد بتفكيك العلاقة. ويرى الإمام في جميع الأسباب التي يطرحها الطرفان أنها قابلة للحل، إذا وجد الزوجان من يصلح بينهما، سواء قضاة، أو أئمة أو كبار الأهل، واستنكر من يسعون للتفريق بين الزوجان خاصة من طرف عائلة الزوج أو عائلة الزوجة، ودعا غلى ضرورة ترك الطلاق كآخر حل، وهو الطلاق بالتراضي، لأن الكثير من الأسر تفككت لأسباب تافهة. ودعا إلى إعادة النظر في القوانين المشرعة للحياة الزوجية، خاصة في مسالة الطلاق، وتأسيس جمعيات لتأهيل المقبلين على الزواج.