أقرت المعارضة على ألسن قادتها بفشل مسارها الإصلاحي، وعدم قدرتها على تجسيد توصيات خطتها بعد سنة من اجتماعها لأول مرة بندوة مزفران، وبررت عدم فعاليتها بنقص الجهد المبذول وتأثير الاختلاف الإيديولوجي والأفكار والصراعات الداخلية. وحملت المعارضة السلطة جزءا كبيرا من الفشل، بدعوى "تطويقها ومحاصرة نشاطاتها"، ودعا المجتمعون ببيت "حمس" إلى بذل المزيد من الجهد وتجاوز الخلافات السياسية لصنع أرضية ثابتة تستطيع بها مجابهة السلطة. بعد سنة من ندوة زرالدة، التي جمعت أطياف المعارضة، من أحزاب وشخصيات وطنية كانت بالأمس القريب في كنف النظام الذي تحاول اليوم مواجهته، اجتمعت أمس بمقر حركة مجتمع السلم بعد أن فشلت في إفتكاك ترخيص من السلطات لعقد الاجتماع بإحدى القاعات، لتقييم مسارها وتحديد أسباب ضعفها وعدم تأثيرها. وبدا واضحا الاختلاف الكبير بين ندوة زرالدة قبل عام، واجتماع حمس أمس، الذي غاب عنه مولود حمروش، عبد الله جاب الله، إضافة إلى عبد المجيد مناصرة وأبوجرة سلطاني، وشخصيات سياسية كانت حاضرة يوم 10 جوان 2014 بخيمة مزفران. ولم يقتصر الاختلاف فقط على الحضور والغياب، وإنما تعداه لغياب الروح القتالية والخطاب الهجومي الحاد لقيادات معارضة، أخافت وقتها السلطة وأرغمها على إشراك الطرف الآخر في صياغة مسودة الدستور، بما فيها ممثلون عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا، غير أن أهم ما ميز لقاء الأمس هو الاعتراف الجماعي بفشل المعارضة في تجسيد أرضية زرالدة. وتأسف قادة أحزاب التنسيقية لعدم استمرار العمل على نفس النسق الذي بدأ العمل به، والفشل في تعبئة الشارع، وحملوا السلطة جزءا من المسؤولية، بعدما تمكنت من تطويق المعارضة، وبتر جميع محاولاتها في التأثير والفعالية، بدءا بمنع التراخيص وقمع المسيرات، إلى الاتهامات والسب والتجريح الذي تميز به خطاب أحزاب الموالاة ضدها، ولفت الانتباه خلال تدخلات رؤساء الأحزاب الى عدم الرضى على آداء لجنة المتابعة والتشاور. ولمحت تدخلات أخرى لمحاولة احتكار المعارضة، من طرف البعض، وأكدت على أن تحقيق النجاح لن يتم إلا بالتوافق على كيفية العمل، والتراضي بين الجميع، وحملت تدخلات أخرى تحذيرا من أية محاولة للمشاركة في أي مبادرات مع السلطة أو غيرها، أو المبادرة بطرح أي مشروع دون الرجوع لهيئة التشاور والمتابعة والحصول على موافقتها. وتناولت المداخلات التي لم تتعدى 10 دقائق الوضع الراهن للبلاد، خاصة تدهور الوضع الاقتصادي ومصادرة الحريات، وشغور السلطة ومؤسسات الدولة، وخلصت الفترة الصباحية التي فتحت أمام الإعلام والصحافة، إلى ضرورة مراجعة طريقة العمل في المرحلة المقبلة وتقدم المتدخلون باقتراحات لم تخرج عن نطاق الدعوة إلى رئاسيات مسبقة والمطالبة بلجنة انتخابات مستقلة. ودخلت اللجنة في الفترة المسائية في اجتماع مغلق لقراءة الواقع السياسي وتحديد آفاق المستقبل وضبط أهداف المرحلة المقبلة، وتحديد آليات العمل وتوقع العراقيل في طريق اللجنة، إضافة إلى تحديد ما يلقى على عاتق المعارضة لتحقيق الانتقال الديمقراطي. المعارضة تحاول لملمة "أجنحتها المتكسرة" اتهم قادة المعارضة المجتمعون أمس ببيت حمس السلطة بمحاولة توريث الحكم مباشرة أو من خلال اختيار "خليفة مناسب يتوافق مع طموحات الحاشية في الحكم"، وأجمعوا أن الحركة الأخيرة في حكومة سلال وما حدث ويحدث داخل الحزب العتيد والأرندي، ما هي إلا ترتيبات مسبقة لمرحلة ما بعد عبد العزيز بوتفليقة. أخذت سلسلة التغييرات الأخيرة التي جرت في حكومة سلال التي تم خلالها استبعاد وزراء، وتغيير حقائب وزارية، وتعيين رئيس الجمهورية رئيسا للحزب العتيد، إضافة إلى استقالة عبد القادر بن صالح وعودة أويحيى، حيزا كبيرا من مداخلة قادة أحزاب التنسيقة، واعتبروها مرحلة جديدة لرسم معالم سياسية، "الهدف منها توريث الحكم لدى حاشية الرئيس، وغلق كل الأبواب أمام المعارضة وكل من يهدد مصالحهم"، وأجمع المتدخلون على أن ما يحدث بقصر المرادية "انتخابات رئاسية مسبقة، يقودها ثالوث السلطة الفعلية مكون من محيط ذوى القربى لصالح الوظيفة الرئاسية، ومن قوى المال المشبوه أو الفاسد التي جعل منها النظام السياسي القائم ركيزة من ركائزه الأساسية والتي مكنها من التغلغل في دواليب السلطة والمشاركة في ممارستها، وثالثا ما أسموه "الزبانية" السياسية، التي توفر غطاءا سياسيا وتشكل امتدادا سياسيا للفاعلين الأولين". بن فليس: السلطة تستنفر تحضيرا لمرحلة ما بعد بوتفليقة تطرق رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس إلى التقلبات المتسارعة التي ميزت المشهد السياسي الوطني على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وقال "في نظري هي تنبئ بتحولات أوسع وأكثر حساسية ودقة في الأسابيع القادمة"، مشيرا الى أن ما يحدث يدل على إعادة ترتيب للأوراق، وتمتين التماسك والتحضير لاستحقاقات، يكون قد وضعها على أجندته السلطة الفعلية، وما التقلبات في المشهد الحزبي إلا صب في صميم الإستراتيجية الهجومية للتكفل بمعضلة شغور السلطة، وتبعاتها، وفي اعتقاد بن فليس أن النظام السياسي القائم وصل إلى قناعة تامة بأن مواصلة تسيير الشغور على الوجه المعتاد لم يعد ممكنا، وقد يؤدي إلى إفلات الأمور من يده"، وقال أن التحدي المقبل بالنسبة للمعارضة يكمن في التصدي لهذه الإستراتيجية التي تسعى إلى توريث السلطة سواء مباشرة أو عن طريق اختيار وانتقاء خلف من المحيط. مقري: وصلنا إلى مستوى مقبول في حدود ما هو متاح وبرر عبد الرزاق مقري تراجع دور المعارضة بظروف سياسية تتسم بالغلق ومنع الحريات والتضييق على النشاط، ودعا إلى تقييم المرحلة بكل أبعادها وتحديد الرؤية السياسية للرأي العام على مستوى الأداء والعمل من أجل التغيير، مشيرا أن الظروف التي تنتظر الانتقال الديمقراطي ستكون صعبة خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وقال إن المرض الطويل للرئيس وحالة الغموض في تسيير الدولة وحالة التفكك والترهل بمؤسساتها، فرض على هيئة التشاور والمتابعة المطالبة برئاسيات مسبقة.