ظاهرة اختطاف التلاميذ تطورت ولم تعد "ظاهرة معزولة" لسبب أو آخر، طالما أنها أصبحت لصيقة أكثر ب"أيام الامتحانات" وهي أيام مصيرية للتلاميذ والأولياء على السواء. من المستفيد من هذه الظاهرة، ومن يروج لها من حيث لا يحتسب، ولماذا في ايام الامتحانات تظهر وتختفي بعدها طوال العام؟ هي أسئلة تبحث عن إجابات، وتثير أنظار المهتمين بهذا الشأن الحساس. ظاهرة الاختطاف (تلاميذ وغيرهم من فئات الشعب) غريبة تفشت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، وظهورها بهذه الكيفية دفع شرائح المجتمع إلى طرح أسئلة عن أسبابها وخلفياتها، من تدهور الأخلاق والقيم، إلى غياب الأمن وغياب اللاعقاب. يعيش التلاميذ بمختلف الأطوار، هاجس غياب الأمن قرب المؤسسات التربوية، التي أصبحت فريسة سهلة للمنحرفين وأصحاب السوابق العدلية. والاختطافات والاعتداءات الجسدية والجنسية ثالوث خطير يزلزل، في كل مرة، قطاع التربية. تلاميذ.. كابوس وتراجع الأداء التعليمي يعتقد أولياء التلاميذ أن اصطحاب أبنائهم إلى المدارس حل لحمايتهم من أي مكروه قد يتعرضون له، لكن حوادث في الشهور الماضية، "تقترح" عليهم ملازمتهم طوال اليوم، مع تفشي أشكال إجرام وغياب الأمن. قبل اسبوعين، نظرت محكمة السانية بوهران في قضية اختطاف تلميذة في تدرس الطور الثانوي من أمام مؤسستها، وعشية امتحانات مصرية بالنسبة لها ولغيرها، من قبل شاب حولها بسيارته إلى مكان مهجور، وجردها من هاتفها النقال وحلي ذهبية، ثم كبلها ووضعها في الصندوق الخلفي للسيارة وأنزلها قرب بيتها. وتطرح هذه الحادثة وغيرها مشكلة غياب الأمن في المؤسسات التربوية، بعد زحف الخاطفين والمعتدين، وتنفيذ اعتداءات واختطافات أمام المؤسسات التربوية، ما يؤثر سلبا على تركيز التلاميذ والمردود الدراسي، خصوصا بعد صدمات مثل هذه. 27 اختطاف في الحرم المدرسي يقول حاكم بشير، من نقابة مجلس ثانويات العاصمة، أن دراسة أجرتها نقابته مؤخرا، كشفت تسجيل 27 حالة اختطاف طالت تلاميذ في الحرم المدرسي، منذ سبتمبر الماضي، والرقم يخص حالات مصرح بها فقط بناء على شكاوى أولياء، ما يفتح باب تخمينات حول حالات أخرى كثيرة. ووصلت حالات الاعتداء الخطيرة في بعض المؤسسات التربوية، حد الوفاة والاختطاف من أمام أبواب المؤسسات، وكشفت الدراسة أن أغلب حالات العنف تسجل في المدن الكبرى، وبالتحديد في ولايتي وهران والعاصمة، ب20 في المائة من مجموع حالات الاعتداء في البلاد. وأثبتت الدراسة أن 55 بالمائة من حالات الاعتداء اللفظي والجسدي أسفرت عن إصابات وجروح وحتى وفيات، راح ضحيتها تلاميذ من مختلف الأعمار، داخل المؤسسات التربوية، مقابل 45 بالمائة من الحالات في المحيط المتاخم لهذه المؤسسات، وأغلبية حالات العنف سجلت في مدارس في المحيط الحضري، ب74 في المائة، وفي المناطق الريفية 26 في المائة. ويرى المكلف بالإعلام في المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني "الكنابست"، مسعود بوديبة، إن الوضع الخطير في المدارس بسبب انعدام سياسة أمنية لحماية التلاميذ والأساتذة، بعدما أصبحت مكانا لتجمع منحرفين يقصدونها للاعتداء على الفتيات وترويج ممنوعات. ولاحظ المتحدث نقصا فادحا في المساعدين التربويين، وقال "من غير المعقول أن يؤطر 5 مساعدين تربويين 1600 تلميذ، أي هناك نقص ب7 مساعدين". ودقت الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، ناقوس الخطر بخصوص تنامي ظاهرة اختطاف التلاميذ أمام المدارس، وحذرت من "تفاقم ظاهرة اختطاف الأطفال والتلاميذ خاصة، وعلى المجتمع والدولة فهم الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة الخطيرة لمعالجتها". سبب آخر.. للتسرب المدرسي وتتوقع جمعيات أولياء التلاميذ وممثلو نقابات التربية تراجع نتائج التلاميذ وتسجيل نتائج ''كارثية''، بالنظر إلى تفاقم ظاهرتي الاختطاف والاعتداء، وحذروا من ارتفاع نسبة التسرب المدرسي، إذا استمرت الظاهرة صعودا.وأجمعت نقابات التربية على تأثير أحداث مأساوية يتعرض لها عدد من الأطفال بين الاختطاف والاغتصاب والقتل، ولوحظ تراجع المردود التربوي للتلاميذ في الطورين الابتدائي والمتوسط. الدكتورة النفسانية سميرة فخراش: "القنوات التلفزيونية ساهمت في الترويج للاختطاف" "على الأولياء الحديث مع المختطف عن التجربة للتخلص من المكبوتات" قالت الدكتورة النفسانية، سميرة فخراش، في اتصال مع "الجزائر الجديدة"، إن الاختطاف في فترة الامتحانات، اكبر لعنة تطارد مستقبل التلميذ المدرسي، وله تأثير سلبي كبير على التلميذ خصوصا في فترة الامتحانات، كما انه يتسبب له بالكثير من المخاوف والهلع. واعتبرت سيمرة فخراش، الأولياء العنصر الأول في نقل المخاوف للطفل، بسبب أفكار يزرعونها فيه، لاسيما وان حالات الإختطاف ارتفعت في الآونة الأخيرة، ومن الطبيعي ان ينمو شعور الخوف لدى الطفل، زيادة على ذلك، فترة الامتحانات وحدها تسبب القلق والخوف ودرجة القلق تكون اكبر لديه ولدي العائلة ككل، لذلك فالطفل عند تعرضه للاختطاف، لن تكون لديه قدرة للاستيعاب أو استرجاع ما حصّله من علم او معارف، ومن هذا المنطلق تتراجع مؤهلاته الى جانب تراجع نتائجه وتحصيله المدرسي. فظاهرة الاختطاف، في أوساط المتمدرسين في المرحلة الأخيرة، جعلت عامل الارتباك يرتفع عند التلاميذ، حتى انهم لا يقدمون إجابات صحيحة رغم معرفتهم بها، تقول النفسانية. وحملت الدكتورة فخراش القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام، المسؤولية في ذلك، بسبب تناول الموضوع مرارا وتكرار، حتى ان هناك من يعتقد أنهم يروجون للاختطاف بهذه الطريقة، و"فتحت القنوات التلفزيونية بوابة للكثير من الاضطرابات النفسية، وهو موضوع للآسف يتطلب الكثير من الحملات التحسيسية والتوعوية". وعن الحل وطريقة تجنب الاضطرابات النفسية التي يتعرض لها التلميذ المختطف وحتى الأولياء، قالت المختصة النفسانية أن الطفل او التلميذ المختطف سيكون تحت رحمة ضائقة نفسية عويصة، لذلك يجب عرضة على أخصاني نفساني، حتى يتمكن من استعادة الثقة بنفسه ومن حوله، وزرع اعتقاد لديه، أن الناس ليس كلهم يضمرون له الشر، مضيفة في تصريحها ان الأولياء أيضا يحتاجون متابعة نفسية، نتيجة الخوف والوسواس إلى جانب التخلص من عقدة الذنب التي تلاحقهم نتيجة تعرض ابنهم للاختطاف، بسبب عدم تحملهم درجة من المسؤولية في حماية طفلهم، ناصحة إياهم بالحديث عن التجربة مع ابنهم الذي تعرض للاختطاف، وعدم تركه طي النسيان، قائلة أن الأولياء يظنون ان عدم الحديث عن الظاهرة أو التجربة المؤلمة، ستمحو الأثر السلبي، مشيرة إلى ان ما سيحدث سيكون سلبيا نتيجة كتم مكتوبات وعدم التخلص منها من الطرفين: الولد والولي. قصة الصبية حياة مع الاختطاف الخوف من الاستهداف مرة أخرى.. حوادث الخطف في الآونة الأخيرة، خلفت خوفا وقلقا كبيرين في المجتمع، وأصبحت هاجس يرعب الأطفال والأولياء معا. حياة من الحراش بالعاصمة، في الثامنة من العمر، واحدة من المستهدفات بالخطف، تركت لها الظاهرة رعبا كبيرا وأصبحت نفسيتها حادة. كانت ذاهبة الى المدرسة عندما أرادت سيدة أخذها معها بالقوة، وادعت أنها صديقة أمها، على أن تصطحبها معها إلى المنزل ولو لم تتفطن حياة للأمر لكانت الآن في عداد المختطفين. هي حادثة لا يمكن لحياة أن تمحوها من ذاكرتها. تروي حياة القصة، بنفسية حادة وبالدموع، تقول: "في ذاك اليوم خرجت من المدرسة مبكرا لأن الأستاذة لم تأتي وعند خروجنا لم أجد أمي بانتظاري، فجلست أنتظرها خارج المدرسة مع أصدقائي، عندها أتت سيدة كبيرة تخبرني أنها صديقة أمي أنها ستصحبني البيت، وقالت أني فتاة جميلة ورزينة وغير مشاكسة، ولم تعرف أن لأمي فتاة مثلي في الجمال، فراحت تمدحني كثيرا، عبارات لا يمكن أن أنساها أبدا، في البداية كنت ذاهبة معها، لكن عند إصرارها على أخذي قلت لها لم ألمحك في بيتنا ولو مرة، فكيف تكوني أنت صديقة أمي؟، وهل تعرفين إسمي قولي لي ما هو إسمي؟ تفطنت للأمر، لأن أمي كانت دائما تقول لي لا تذهبي مع أي كان، فأصررت على أن تذكر إسمي، بعدها بدأت تذكر لي أسماء، فراودني شك أنها لا تعرفني بتاتا وتريد خطفي، فأخذت يدي بالقوة وراحت تقولي لي هيّا بنا، حينها بدأت أصرخ ولم تتركني وشأني وتصر على الذهاب معها، فرأى زميل دراسة أنني منزعجة مع تلك المرأة، فبدأ بالصراخ وبعدها بدأ جميع الأطفال الذين كانوا هناك بالصراخ والقول أن هناك امرأة تريد خطفي، ففرت المرأة وعند خروج مدير المدرسة والأساتذة حاولوا العثور عليها لكنهم لم يجدوها، أتذكر جيدا كيف كانت، امرأة بيضاء بعينين زرقاوين، مرتدية حجابا أسود وحقيبة بنية". انطوائية كبيرة.. بعد الحادثة كانت نفسية حياة متدهورة، لم تستطع بعدها الذهاب إلى المدرسة، خوفا من تكرار المحاولة ورجوع تلك المرأة ثانية لخطفها، أبت الرجوع ومزاولة دروسها ثانية، ومنحت المدرسة حياة عطلة 20 يوما للتخفيف من محنتها ومساعدتها على النسيان، وتضامن معها الأساتذة والتلاميذ. وكانت الحالة النفسية لأم حياة في حالة مزرية، مليئة بالخوف والقلق، لم تغمض لها عين بعد تلك الحادثة، وأصبحت دائما تذهب إلى المدرسة لاصطحاب ابنتها قبل الموعد بساعة تقريبا، كما أن الوسط الذي كانت تعيش فيه عاش حالة من الاستنفار، وأصبح الجميع قلقين على أولادهم، خوفا من أن يكون طفلا آخر مستهدفا بعدها.