يلتفت الكاتب مراد عمرون في كتابه "الجزائر معدن الرجال وبلاد الأبطال"، لأحد كبار أعلام الجزائر ورجالاتها ممن عاشوا لأجل أفكارهم ومن أجل غيرهم، أحد أبطال الثورة المجيدة ممن استطاع هو وأمثاله أن يصنعوا مجدا لوطنه في أحلك الظروف وأن يخط إسمه من ذهب في سجل الخالدين. يكتب مراد عمرون في مؤلفه "الجزائر معدن الرجال وبلاد الأبطال"، عن سيرة ومسيرة البطل الفضيل الورثيلاني، الذي قال عنه أنه الشخص الذي وهب دمه وروحه فداء للوطن ليستلهم منه الشباب القيم والمبادئ والتضحيات ويقتدون به وبنضاله، يقول عنه عمرون، أنه أحد الخالدين الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحرير الجزائر من قبضة المستعمر الفرنسي، فالفضيل الورثيلاني رجل شق طريقه بنفسه وهو في ريعان شبابه، مقتحما الحياة بلا تردد، واختار الطريق الصعب الشاق من أجل تحقيق رسالته وكل ما يؤمن به، فمنذ نعومته وبفطرته المتمردة عاش الواقع المرير والاستعمار وظلمه، وكان معارضا لكل أشكال الاضطهاد، ومال بإحساسه المرهف نحو المظلومين في بلاده وكل المظلومين في العالم وعاش معاناتهم بروح المناضل الصلب الشجاع. يذكر الكاتب أنه بعد أن اكتملت الرؤية لدى الورثيلاني ونضجت ملكات عقله من وعي وإدراك وحس بالمسؤولية، انخرط تلقائيا في الحركة الثورية فشارك في جمعية العلماء المسلمين وانطلق في ميادين الحروب، إذ تعرض لأشد أنواع الملاحقة من طرف الإدارة الفرنسية، لكنه صمد وصبر، وفي الوقت ذاته قاوم كافة أشكال الإغراءات التي كانت تهدف لإبعاده عن طريق النضال، وصموده في وجه المغريات زاد من احترامه، وغادر الحياة وهو لا يملك بيتا ولا أثاثا فاخرا، فقد عاش بشرف الكفاف وعزة النفس والكرامة التي ما انخدشت يوما، في الوقت الذي كان يستطيع أن يؤمّن لنفسه كل أنواع الحياة الرغيدة ويوفر كل أسباب الرفاهية، إلا أنه ظل وفيا لمنبته وقضيته وأصله الذي كان يفاخر به الناس في كل مكان. وحاول مراد عمرون في مقدمة كتابه "الجزائر معدن الرجال وبلاد الأبطال"، التقرب لجوانب متعددة من حياة الشهيد الورثيلاني من خلال آثاره الفكرية، النضالية والجهادية، معتبرا أن ما تم جمعه من آثار الفقيد لا يمثل في الحقيقة سوى 5 بالمائة من منجزاته. الكتاب الذي جاء في أكثر من 200 صفحة، حمل بين طياته مواضيع هامة تنوعت بين تقديم قراءة عن حياة وإيثار الشيخ الورثيلاني، وطريقة كفاحه بالقلم والمقال، حيث أن إيمانه القوي بقضيته جعله يتقن كل أعماله لتقديمها للأجيال بصورة ناصعة منقاة من الشوائب والدسائس، فقد عمد إلى الكتابة النقدية يفرغ فيها طاقته ويظهر براعته، فقد كتب مقالات كثيرة عن حبه للجزائر وكانت تسيل دموع القراء، ووصف أنه كان غزير المادة، حصيف الرأي، سيد المنطق، كما تطرق الكاتب من خلال مؤلفه هذا للدور الذي لعبه الورثيلاني في جمعية العلماء المسلمين، وعرض ثلة من مقالاته، التي شملت مواضيع مهمة، حيث كتب عن محنة اللغة العربية في الجزائر، معتبرها رابط الأمة العربية وعنوان عزها، وكتب أيضا عن مصالح الفرنسيين في الجزائر، ومواضيع أخرى تعكس فكر الرجل الذي نهل من القيم الوطنية وأسس التوحد والإخلاص، هذا المناضل الذي شهد له بتواضعه وعفته، وحمله لروح الثورة والنضال، لأنه كان يؤمن أن ذلك واجب وطني مقدس.