مولود معمري، الكاتب المناضل الجزائري، من أشهر الكتاب الذين كشفوا عن ملامح الشخصية الجزائرية· يكتب بالفرنسية وأشهر رواياته الهضبة المنسية la colline oubliée ونوم العادل sommeil du juste. في قصة الهضبة المنسية يكشف معمري عن الصراع في قرية جبلية تقع في منطقة البربر بالجزائر، يعيش فيها جيلان مختلفان· القديم المتمسك المؤمن بالغيبيات والقضاء والقدر واستسلام العاجز· والجيل الجديد الذي تعلم تعلما أروبيا، ويتمرد على الماضي والحاضر معا· ثم تنشب الحرب العالمية الثانية وتمزق كل المجتمع الجزائري، ليسأل أحد أبطال الرواية زميلا له: - هل أنت في السجن؟ فيجيب: نعم، أنا في الجزائر· فكلا الحالين سواء! يصور مولود معمري-بروعة- حياة القرى والريف البربري، والبحث عن الشخصية الجزائرية، وانتزاعها من بين مخلفات القهر الاستعماري، والحرب الحضارية التي تشنها فرنسا القوية المراس، المتشبثة بالجزائر· وبينما تغوص شخصيات الرواية في الحيرة والقلق و المضض تجد شخصية المدرس بوذريعة الذي يتخرج من دار العلوم ويجمع بين الأفكار التقدمية، الجريئة والفردية المتمرة على التقاليد·ويتفق النقاد على أن مولود معمري من أبرز الكتاب الجزائريين الذين نقلوا الثورة الجزائرية - في أدبهم- من نطاق السخط والشكوى والحيرة إلى ميدان العمل والنضال· كما انه كان من أوائل الكتاب الذين ساعدوا في كشف الشخصية الجزائرية التي هددتها حرب حضارية دامت 130 عام· ماهي المشكلات التي تعترض كتّاب آسيا وإفريقيا في رايك؟ وهل المشكلات متشابهة أم مختلفة؟ إن المشكلة الحقيقة هي أن الكاتب ليس موظفا في الدولة، لأنه إنسان متحرر من جميع القيود··· يتحرك ويصرخ ويفزع· تحركه أحاسيسه وانفعالاته ويعبر عن كل هذا بقلمه··· إن الكاتب هو حقيقة الجمهور···لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يعبر عن مأساته بصدق· والمشكلة في العالم الثالث لم تعد هي مشكلة الاستقلال، بل المشكلة هي الحرية وإتاحة الدولة تلك الحرية الكاملة للكاتب ليكتب ما شاء كما يشاء، ويحطم قيود الرقابة و الضغط وينتج ما يحس به صادقا، نحو المشكلات الإنسانية المحيطة به··· لأن الكاتب يريد ممارسة الحياة بشدة وبعمق ويريد التوغل إلى أعمق الأسرار وأكثرها غموضا· هل تؤيد فكرة نزول الكاتب الى المستوى الشعبي حتى يفهمه الجميع؟ لا··· ثم لا·· إنني أؤمن تماما بأن الكاتب يجب أن يرفع من مستوى الجمهور المثقف إليه··· ولا يهبط هو الى المستوى الثقافي الهابط أو الدنيء أو المبتذل· وأنا دائما ضد هذه الفكرة···وأحب أن أرتفع وأن يرتفع معي القراء··· أن نرتفع معا· إنك تكتب بالفرنسية وقد أصبت شهرة كبيرة بفرنسا، وكنت من أوائل كتاب الجزائر الذين فازوا بهذه الشهرة العريضة، فما رأيك في الأدب الفرنسي الحديث وفي ألبير كامو مثلا وسارتر وسيمون دي بوفوار؟ ألبير كامو ولد في الجزائر وقضى الجزء الأكبر من شبابه هناك، وكتب عن ثورتنا وأوضح أن بذور القضية هي الإستعمار··· والاستعمار الفظيع· فالاستعمار ليس نظاما إقتصاديا أو سياسيا مبنيا على اللاأخلاقيات فقط، بل إنه في الحقيقة يستمد فاعليته من نظرة رجعية متخلفة تحتقر البشرية، لأنه فلسفة تحطم كل ماشيدته الإنسانية بعصورها المختلفة· وكامو كاتب عظيم· فهو يجمع بين الأسلوب الكلاسيكي والحديث، وهذا ما جعله يستمر في شهرته حتى بعد موته··· فقد حاول إظهار الجانب الجميل في الإنسان· فهو لم يقف عند قبح الحياة بل تعدى هذا الجانب الى موقف التمرد على القبح والإيمان بقدرة الإنسان على تغييره بالتدريج· وأعظم ما كتبه في رأيي هو قصة الغريب l'Etranger ومقال آخر نشره في المجلة الأدبية تيراس وقد ظهر منها عدد واحد فقط كان هو الأول والأخير، ونشر كامو في هذا العدد مقالا عن منطقة تيبازة القريبة من مدينة الجزائر عنوانه العودة إلى تيبازة، وأعتقد أن هذا المقال هو أروع ما كتب كامي في الوصف، فقد عاش في هذه المنطقة الجميلة بأحاسيسه، وأنتج أروع لوحة فنية صورت هذا المكان الذي يخلب العين والروح معا· و قد قال كامو في مقدمة كتاب L'Envers et L'endroit أن المكان الذي أفضل أن أعيش فيه وأعمل، هو الذي أفضل أن أموت فيه أيضا، وهو حجرة في فندق، وقال إنه لا يستطيع أن ينساق لما يسمونه الحياة المنزلية الرتيبة· وقد مات في الطريق· مات في إحدى طرق فرنسا في حادث سيارة بعيدا عن أي مأوى· وقد كانت هذه الخاتمة نموذجا للشغف الذي كشف عنه كامو في مؤلفاته الكثيرة· ولكن هل تعجب بكل مواقف كامي؟ إن الأمر أخذ يختلف في نهاية حياته، حين قال كامو جملته المشهورة: إنني أحب العدالة وأحب أمي، ولكن إذا طلب مني الإختيار بين العدالة وأمي فإنني سأختار أمي! إن إختياره هذا كان صدمة كبيرة للجزائريين لأنه كان يقصد التخلي عن فكرة إستقلال الجزائر الكامل، مفضلا الانتماء إلى فرنسا التي رمز لها بالأم· و ماذا تقول عن سارتر؟ الشخصيات في روايات سارتر ومسرحياته كلها شخصيات غير مرتاحة وأحيانا منحرفة وشاذة··· فهو شديد الإهتمام بالقبح الإنساني وإبرازه واعتباره أساسا لمأساة الوجود· سارتر يعتبر مرآة صادقة لروح بعض المثقفين· وسيمون دي بوفوار؟ كاتبة عظيمة، ساعدت الكثيرين على الفهم· لم تستطع أية كاتبة أخرى أن تكتب بصراحتها وصدقها عن أحاسيس المرأة من خلال تجاربها الشخصية، فهي أعظم كاتبة في جيلنا، تمتاز بالذكاء والثقافة والجرأة· غاصت في أعماقها من الداخل وكشفت عنها، وبحثت عن أدق مشكلات المرأة وطرحتها ببساطة شديدة، بساطة ليس فيها أي تكلف أو تعقيد··· سواء كان التعقيد شكليا أو جوهريا، فقد طرحت كل شيء على طبيعتها· ولذلك فسيمون دي بوفوار طبيعية في كل شيء··· في الأسلوب والفكرة والإحساس· ما رأيك في الذين ظهروا بعد سيمون دي بوفوار؟ ظهرت الآن في باريس موضة جديدة غريبة، فلا تكاد الفتاة تحصل على شهادة الباكالوريا، وتلتحق بالجامعة حتى تؤلف قصة وتنشرها وتظهر فيها مأساة المرأة ومدى ما تعانيه من تعذيب الرجل لها، وتصب عليه لعناتها ولعنات خمسة أجيال قادمة من الفتيات المعذبات· وقد أصبحت هذه آخر صيحة باريسية تنتشر خاصة بين طالبات الجامعة في باريس··· وأنا أنصح هؤلاء بالقراءة وبالثقافة وعلى الأخص قراءة سيمون دي بوفوار حتى يخجلن من أنفسهن، إنني أعتقد أن الفتاة الشرقية فريسة الفراغ، والفرنسية فريسة التقليد والإنصياع وراء الموضة· و ما رأيك في كتابتك باللغة الفرنسية؟ لقد حاولت كثيرا أن أتعلم اللغة العربية ولكني فشلت، وفشلي في تعلم لغة بلادي أثبت غبائي عن جدارة، وهذه مأساتي التي تكمن في داخلي وتسبب لي كثيرا من الآلام، ولكن الأجيال المقبلة من الكتاب الجزائريين ستعوض كل ما حرمنا منه· وأحب أن أقول أنه ليس هناك ما يعيب الكتابة باللغة الفرنسية ما دام التعبير في رواياتنا عن آلام و آمال الجزائريين، فالقارئ لأي كاتب جزائري يكتب بالفرنسية لا بد أنه يشعر للوهلة الآولى أنه يقرأ لكاتب عربي لأن روح الكاتب هي التي تقوده وتنير له الطريق حينما يضع الخيوط الرئيسية الآولى لما يكتب ··· سواء كان ذلك رواية أو مسرحية أو قصيدة من الشعر أو قطعة من النثر· وأنا أعرف الكثير منم الكتاب العرب الذين يكتبون باللغات الأجنبية، وحينما تقرأ لهم تحس دائما أنه لن يستطيع التعبير عن هذه الأحاسيس والمواقف سوى كاتب عربي· ألم تحاول الكتابة بالعربية؟ الكتابة بالعربية تتطلب التفقه فيها· يقول البعض أن الأدب الجزائري حكم عليه بالإعدام والموت لعدم كتابته بالعربية··· فما رأيك في هذا؟ أنا ضد هذا··· هناك يقضة ووعي، والأدب الجزائري إستطاع أن يثبت وجوده بحقيقته وهو يواصل تقدمه وتفوقه· لأن الكاتب الجزائري يعتبر الكتابة بالفرنسية وسيلة تعبير فقط··· أما إنفعالاته الحقيقية فهي عربية لحما ودما··· ما رأيك في الكتاب الجزائريين المعاصرين؟ لا أستطيع إبداء آراء صريحة في إخواني وزملائي الكتاب المناضلين الجزائريين المعاصريين، لأنهم جميعا أصدقائي··· وسوف أحتفظ برأي نفسي· والكاتبات؟ هناك فتاة إسمها نادية قندوز وهي كاتبة مبتدئة لا أستطع إبداء رأي فيها بصراحة لأنها كما قلت مبتدئة· وهناك الكاتبة فضيلة مرابط أصدرت كتيبا صغيرا عن تاريخ المرأة الجزائرية وتطورها ومشكلات الساعة، طالبت بثورة نسائة عنيفة لتحطيم العادات والتقاليد البالية، وطالبت المرأة بالتطور سواء في البيت أو في الشارع· إنها فتاة عنيفة وجريئة، وسوف تصبح هذه الكاتبة الشابة شيئا إذا ما استمرت في الكتابة· وهناك حركة من شباب الجيل الجديد من بدأوا بالكتابة باللغة العربية· وهؤلاء هم مستقبل الجزائر، وهم الذين سيعملون على إذابة الفرنسية وإحلال اللغة العربية محلها· ما هي مشكلات الكاتب الجزائري الذي يكتب بالفرنسية؟ أهم مشكلة هي مشكلة القراء··· ينقصنا القراء، فنسبة الأمية مرتفعة لدينا· ولذلك فأغلب قرائنا في الخارج· والجيل الجديد بدأ يتعلم العربية ويطالب بأن تتوافر له جميع أنواع الثقافات بالعربية· وهذا يصعب تنفيذه الآن لأن لدينا في الجزائر مشروعات أخرى قد تكون أكثر أهمية، وإلحاحا، وهكذا فالعلاقة بين الكاتب والقارئ أصبحت مشكلة، لأن القليل جدا هم الذين يقرأون الفرنسية · وكذلك المشكلة المادية قائمة ومتى حلت فسوف تحل كل شيء· وسوف يصدر إتحاد الكتاب الجزائريين قريبا مجلة أدبية بدل مجلة نوفمبر التي ظهر منها أربعة أعداد تقريبا وتوقفت لأسباب مادية· ما رأيك في الأدب العربي الحديث وفي الدكتور طه حسين بالذات؟ جواب: لقد قابلت الدكتور طه حسين ووجدته أعظم مما تصورت، و قدراته اللغوية لا توصف· وهو عميق في مظهره، عميق في حديثه، في صورته، في مرمحه، في ذكائه، في سكوته وهدوئه··· ما كان من المفروض أن أبدأ به الحديث هو كيف بدأت حياتك ككاتب؟ لقد ظهرت أول رواياتي التل المنسي في عام ,1952 وحينما انتهيت من القصة أرسلت نسخة منها الى دور النشر بباريس دون سابق معرفة، وانتظرت الرد، ومللت الانتظار، وأخذ يتسلل إلى قلبي الشعور بعدم الرضا عن نفسي، وفجأة وصلتني برقية بالموافقة من دار النشر بعد ستة أشهر، وكم كانت سعادتي كبيرة، ولم تخل هذه السعادة بالإحساس بالعذاب والآلام من أجل بلادي، ولكن شعوري وإحساسي بأن هذه الرواية سوف تصل الى أيدي آلاف وآلاف من القراء وتكشف لهم حقيقة هذه الثورة الجزائرية وحقيقة هذا الشعب الذي أسهم كل فرد فيه بمختلف الأساليب ومختلف الأسلحة من أجل تحرير أرضنا الطيبة، هذا الإحساس كان يدفعني الى الأمام وإلى ضرورة إنتاج أعظم· لقد بنيت هذه الرواية على التقاليد الإجتماعية التي كانت تسود قرية تاسكا وهي قرية تقع في منطقة جبال البربر وأبرزت الصدام العنيف بين الجيلين القديم والجديد، ثم الحرب العالمية الثانية وإنعكاساتها على شمال إفريقيا، وقد استفدت من اشتراكي في الحرب العالمية الثانية فائدة كبيرة· ولو لا تلك الهزة التي أصابت القرى والمدن الجزائرية وتجنيد شبابها وإلقائهم في ميادين غريبة تماما عنهم، ودفعهم الى الدفاع عن أرض غير أرضهم وإجبارهم على التضحية لما تفجر كل ما رآه العالم من الجزائريين ··· هل أحسست بالفشل الأدبي في حياتك العامرة بالشهرة؟ أسوأ ذكرياتي هو ما حدث لي عام ,1956 فقد احترقت أول مسرحية كتبتها، وحاولت بعدها أن أعيد الكرة لأكتبها من جديد ولكني فشلت، لأن لحظات انفعال بحادث معين تزول بزوال المؤثر ولا يستطيع الكاتب أن يكتب شيئا إلا إذا عاش داخل التجربة مرة أخرى·· فالكاتب يحس بشعور عميق من عدم المبالاة ويضجر إذا ما وجد نفسه مضطرا الى قراءة ما يكتب مرة أخرى، فما بالك بإعادة الكتابة· وما هو رأيك في أسلوبك؟ أنا كاتب بسيط، أحب البساطة في الشكل الفني في الكتابة، وأفضل البعد عن الزخرفة التي يلجأ إليها البعض، حيث تلمع كل كلمة ببريق مستقل لا علاقة له بالموضوع· ألم تفكر في كتابة مذكراتك؟ لست الإسكندر الأكبر حتى أكتب مذكراتي· أنا مناضل جزائري بسيط، أحمل السلاح والقلم في وجه العدو··· في أي مكان، وأي زمان!!