ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأمير الصغير" يستعيدُ زهرته ويحرّر النجوم
نشر في الجزائر الجديدة يوم 13 - 11 - 2016


*- عرضٌ للفيلم المقتبَس من الرواية بالمعهد الفرنسي
*- فانتازيا ومغامرة
*- من الرواية إلى الشاشة العريضة
عُرض، أمس، لأول مرة، بالمعهد الثقافي الفرنسي في إطار أسبوع فيلم التحريك، الذي ينظمه المعهد بالتعاون مع المتحف الوطني للسينما الجزائرية "سينماتيك"، فيلم التحريك الكندي-الفرنسي "الأمير الصغير" للمخرج مارك أوبزورن، والمأخوذ عن القصة المشهورة التي تحمل نفس الإسم للكاتب الفرنسي أنطوان دي سانت-أكزوبيري.
إعداد: زينة بن سعيد
يبدأ الفيلم عندما تفشل الفتاة الصغيرة في اختبار الاجتياز للدخول لمدرسة "الأكاديمية الخضراء"، عندها تقرر والدتها ترتيب برنامج صارم لتتبعه خلال العطلة الصيفية وقد انتقلتا لحي جديد، هناك حيث تقرر العيش، يجاورها الطيار العجوز غريب الأطوار، يثيرها شكل منزله الذي تفوح منه البهجة بعكس منزلها الجديد العصري جدا لكنه كئيب كما المدينة الكبيرة.
أول لقاء بين الفتاة والطيار العجوز، بعد أن يفشل في إقلاع طائرته الخاصة الصغيرة التي تشبه طائرة "الأمير الصغير" حتى أن ملابسه هي نفسها للأمير، فيصطدم بالجدار الذي يخص غرفتها، فيتحطم البرنامج المعلق على الحائط، تحاول الأم المتزمتة بعدها إصلاح الأمر، وتترك ابنتها يوميا بالمنزل على أمل التزامها ببرنامجنا الدراسي، ويكون العجوز قد قدم كتعويض عن الخسائر قنينة زجاجية مليئة بالقطع النقدية.
يحدث في هذا العالم ما قد لا يخطر على بال أحد، تلتزم الفتاة ببرنامجها في الأيام الأولى، لكن فضولها نحو العجوز الطيار يزداد عندما تفرغ القنينة وتبدأ بعدّ النقود، فتجد سيفا بحجم مسمار، ثم صَدَفة، ثم طائرة ثم دمية بحجم عقلة الأصبع للأمير الصغير الذي لا تعرف قصته، وهي جالسة تلك الليلة تدرس يرسل لها العجوز في شكل طائرة ورقية رسمة وبداية لقصة الأمير، تتسلل في اليوم الموالي إلى منزله، فتجده مختلفا، فيه حياة أكثر، فيه خضرة وأزهار وحديقة جميلة، مليء بالأشياء الجميلة والتحف، وتتعرف إلى العجوز الذي يخبرها عن لقائه في شبابه بالأمير الصغير عندما ضاع يوما في الصحراء، وقد أخبرها أيضا أنه قد رسم الكثير من الرسومات للأمير.
"الأمير الصغير" روايةً
و"الأمير الصغير" قصة مشهورة للكاتب أنطوان دي سانت-أكزوبيري سنة 1943، وينتمي إلى الأدب العالمي، وبطله من الأبطال الأسطوريين، حيث أحب الأمير الصغير زهرة فرعاها وحماها وشعر حيالها بمسؤولية لا حدود لها، وفي المقابل، أشعرته الزهرة بالرضا والراحة، ولم يكن يتمنى سوى نيل حبها، لكنه في البداية يبدأ بحدث لطفل يرسم ثعبانا يبتلع فيلا وعندما تتحول الرسمة إلى حقيقة يقوم الثعبان بابتلاع الفيل بالكامل فيخاف الناس، بعدها ينسى الرسم ويقرر أن يبدأ العمل في الطيران، لكنه في أحد الأيام يواجه مشكلة عندما تتعطل طائرته بالصحراء، فيتعرف هناك إلى "الأمير الصغير" الذي يطلب منه أن يرسم له خروفا لكن هذا الأخير لن يعجب بأي خروف بحجة أن هذا مريض والآخر كبير وأنه يريد خروفا لا يموت، هنا يقرر الطيار أن يرسم له صندوقا وأن الخروف بداخله، الأمر الذي أسعد الأمير، بعدها يعلم الطيار أن الأمير الصغير لا ينتمي إلى الأرض وأنه قادم من الكوكب 612، وأنه زرع زهرة وهو لا يعرف من أين أتت بعدها أصبحت محبوبته لكنهما تشاجرا وغادر الكوكب، ثم يروي له أيضا رحلته عبر الكواكب التي تعرف فيها على جميع أنواع البشر، كما يتعرف في الأرض إلى الأزهار والجبال والثعابين، وتربطه صداقة قوية مع الثعلب، وفي النهاية يموت الأمير جسديا لكن روحه تبقى حية.
"الأمير الصغير" فيلماً
لم تغير كاتبة السيناريو، إيرينا برينغل، فكرة الرواية الأساسية، فالطيار العجوز هو الذي التقى في شبابه الأمير الصغير عندما ضاع في الصحراء، ويبدو وهو في منزله متأثرا بذلك الطفل الذي جاب الكواكب مكتشفا عوالم جديدة وشخصيات جديدة: الملك الذي يبحث عن السلطة، رجل الأعمال الذي يبحث عن المال، عالم الجغرافيا الذي يبحث عن المعرفة، ومنير الشموع الذي يبحث عن العمل المتقن، يتحرك كل هؤلاء ناسين وجود الآخر في تنوعه وثرائه واختلافه، وهل من معنى للحياة من دون هذا الاختلاف. وقد تعلم الطيار من الأمير حب النجوم، وترك له وصية في الأخير أنه كلما نظر إلى النجوم سيسمع ضحكته الصغيرة، وعندما يروي للفتاة الصغيرة قصة الأمير تتعلق هي الأخرى به، وتقرر الرحيل مع العجوز للبحث عنه مع الدمية الثعلب التي يهديها إياها العجوز، لكن هذا الأخير يفاجئها أنه لا يعرف مكان الأمير لأنه قد رحل ووعده بضحكة من النجوم، فتغضب الفتاة لأنه أخفى الأمر عنها وتعود للبيت تحضيرا لاجتياز الامتحان في اليوم الموالي، لكن، وهي في السيارة مع والدتها، ترى سيارة الإسعاف تأخذه إلى المشفى فتلحق به لكنهم يمنعونها من الدخول، وعند العودة إلى المنزل تتظاهر بالنوم، لكنها تفر من النافذة مع الدمية الثعلب وتغامر بركوبها طائرة العجوز، ومن ثمة تقلع للبحث عن الأمير الصغير، فتلمح شابا أشقرا يلبس بدلة الأمير الخضراء وشاله، لكنه ينكر أنه الأمير وفي الوقت ذاته تتأكد من أنه هو من خلال بطاقة عمله حيث مدون فيها سيد أمير، فتعمل جاهدة على أن يستعيد ذاكرته ويعود معها، ويضطران لمواجهة رب عمله الغني الذي يحتجز النجوم في منزل زجاجي كبير، فيحررها الأمير بمساعدة الفتاة، ويركبان الطائرة مع الدمية الثعلب، ويمرون على الكواكب حتى يصل إلى كوكبه 612 الذي يكون مظلما ويجد زهرته حزينة وذابلة، فتبكي الفتاة وتخبره أنه بفقدان الزهرة ستفقد هي العجوز وأنها لا ترغب في ذلك ولا ترغب في أن تكبر وتنساه، لكن الأمير يقف فتمسك الفتاة بيده ويشاهدان شروق الشمس ليعود فجأة ذاك الطفل الصغير وتعود الحياة إلى الكوكب وتعود الزهرة كذلك، فتُسعد الفتاة أنها أنقذت الأمير ثم تغادر وتعده أنها ستطمئن الطيار العجوز الذي سيفرح بعودته ونجاته، ثم تزور هي ووالدتها الطيار العجوز بالمشفى وتهديه كتابا يحمل قصة "الأمير الصغير"، حيث جمعت رسومات الطيار للأمير والقصة في كتاب من صنع يديها.
التداخل بين الرواية والفيلم
استخدمت السيناريست القصة الحقيقية الموجودة في الرواية، من بداية لقاء الطيار بالأمير الصغير، وكذا حبه لزهرته ولقائه بهؤلاء الأشخاص عندما يجوب الكواكب. غير أن الرواية تبدأ بالطيار شابا، وتتمحور حوله هو والأمير، والأحداث بينهما وفي وقت زمني محدد، بينما الفيلم يبدأ بالطيار عجوزا، بمعنى أن القصة حدثت منذ زمن، وقد تخيلت السيناريست حياة الطيار بعد مغامرته مع الأمير لتخلق بدورها مغامرة أخرى في زمن آخر بلقاء الطيار العجوز بالفتاة الصغيرة والرغبة في استعادة الأمير، كأن السيناريست هنا أرادت تغيير نهاية الأمير الذي مات جسديا ولم يستطع العودة لكوكبه، فجعلت الفتاة الصغيرة تُعيده بنفسها هناك ليلقى زهرته وليبعث في الأذهان.
إطلاق الفيلم
الفيلم عبارة عن رسوم متحركة كندي- فرنسي من نوع الفانتازيا، يحمل نفس الإسم الأصلي للرواية لصاحبه أنطوان دي سانت-أكزوبيري، سيناريو لإيرينا برينغل، استعمل فيه المخرج مارك أوبزورن، تقنية إيقاف الحركة لقصة الرواية والتحريك الحاسوبي لتأطير القصة الإضافية، عُرض للمرة الأولى في العالم في 22 ماي 2015 بالدورة ال68 لمهرجان كان السينمائي خارج السباق، لحقه عرض واسع في المسارح الفرنسية منذ 29 جويلية 2015، وهناك نسخة إنجليزية من الفيلم، وقد عرض بالجزائر لأول مرة يوم أمس.
في 11 سبتمبر 2014، وارنر برذرز باليابان أطلقت إعلان تشويقي من الفيلم، وأشرفت وايلد بانش على مبيعاته دوليا، أما باراماونت بيكتشرز أطلقته بفرنسا في 29 جويلية 2015، بينما قام فرعها في الولايات المتحدة باراماونت فانتايج بالتعامل مع عرض الفيلم بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم توزيع الفيلم بواسطة إنتيرتيمنت ون بكندا، وتولت وارنر برذرز أيضا توزيعه في ألمانيا واليابان. واختير في "المسابقة الرسمية" لمهرجان كان السينمائي في ماي 2015.
الكاتب أنطوان دي سانت-أكزوبيري
هو طيار وكاتب فرنسي، ولد في التاسع والعشرين من حزيران عام 1900 في مدينة ليون ومات في مهمة من أجل فرنسا عام 1944، حيث لاقى حتفه في أعقاب إحدى المهمات الاستطلاعية، ولم يعثر على جثمانه إلا في سنة 1988 على الساحل الفرنسي قبالة مدينة مرسيليا، انتمى إلى الطبقة الأرستقراطية في فرنسا وعاش طفولة جميلة بالرغم من فقدانه المبكر لأبيه.
تعتبر قصته التعبيرية المشهورة "الأمير الصغير" من أشهر قصص أدب الأطفال في العالم، ويستمد الكتاب خصوصيته من حياة كاتبه ذاتها، فالكاتب انشغل بالهمّ الإنساني وسعى إلى الغوص في جوهره عبر التأمل والحكمة باحثا عن المعنى الروحي للوجود، وهو القائل "نرى إلا بواسطة القلوب، وجوهر الأشياء لا تراه العيون". ولم يفصل بين الرسم والكتابة، وسمحت له هذه الرسوم في أن يلمس عن قرب الروح الإبداعية التي ساهمت في إعطاء هذه التحفة الأدبية الرائعة زخمها وقوتها. ويختصر الكتاب كلّ ما كان يهواه الكاتب الذي يقول عنه أصدقاؤه أنه لم يكن يهوى من الحياة سوى اللهو والغناء والرسم، ومن هذه الهواية تطالعنا رسوم كانت ولادتها نتيجة لقاءات وصداقات ومصادفات، وتمّ جمعها من حول العالم، مع رسائل كان وجَّهها إلى الأصدقاء والعائلة وتحمل تواريخ مختلفة، وتتوزع على قارات ومدن زارها الطيار المغامر ومنها الجزائر، الدار البيضاء، نيويورك وغيرها.
وفي الكتاب حزن بإمكان القارئ لمسه، ذلك أن سانت إكزوبيري عبّر في هذا الكتاب عن آخر شهادة له بعدما فقد طائرته التي كانت تنقله بين القارات، وبعدما أصبح الوطن بالنسبة إليه سرابا، فلم يبق من حوله سوى صحراء قاحلة ونجوم بعيدة المدى والمنال، ما دفعه إلى أن يترك "أرض البشر" مفضلا التحليق في فضاءات قريبة من السماء والماء.
ومن أعمال الكاتب الروائية الأخرى "أرض الرجال" سنة 1939 و"طيّار الحرب" سنة 1941، وحاول في رواياته أن يعثر على معاني كل سلوكيات مجتمعه وأن يحلل القيم الأخلاقية في أوساطه كمجتمع عصري ومتحول بسبب التقنية الحديثة، وكان يتذمر من اللاأخلاقيات.
مقتطفات مشتركة بين الرواية والفيلم
بعد أن قطع الأمير الصغير شوطاً طويلاً عبر الرمال والصخور والثلوج، اكتشف في نهاية المطاف طريقاً، وجميع الطرق تؤدي إلى الناس.
توجّه الأمير الصغير بالتحية إلى حديقة مزهرة بالورود وجدها في نهاية الطرق.
أهلاً، أجابت الوردة.
ونظر الأمير الصغير إليها. جميعها تشبه كثيراً وردته، ولذلك فقد سألها باستغراب:
مَنْ أنتن؟
نحن ورود.
آه.. وتنهّد الأمير الصغير بحسرة.
لقد شعر بتعاسة بالغة.. حدثته وردته بأنها الوحيدة من نوعها في هذا الكون، وها هو يجد منها خمسة آلاف جميعها متشابهة وتشبه وردته، ومجتمعة في حديقة واحدة..
وناجى نفسه: "ستصاب بخيبة أمل وردتي إذا رأت هذه الورود.. ستنتابها نوبة سعال شديد، وستتصنّع الموت كي تهرب من الخزي والسخرية منها. وسأكون مجبراً على أن أمارس دوري في مداواتها، وإلا سأشعر أنا أيضاً بالذل، لأنها سوف تدع نفسها تموت حقاً".
ثم حدّث نفسه أيضاً: "لقد ظننت نفسي غنياً بامتلاكي وردة وحيدة، ولكن في الحقيقة، لا أملك إلا وردة عادية.. وهي لن تجعل مني أميراً عظيماً.." وسقط الأمير الصغير على العشب وهو ينخرط في البكاء.
وفي تلك الأثناء ظهر الثعلب وبادر الأمير الصغير بالتحية
مرحباً
أهلاً.. أجاب الأمير الصغير بأدب، وهو يدير رأسه باحثاً عن مصدر الصوت..
أنا هنا، تحت شجرة التفاح.. أجابه الصوت
من أنت؟ أنت جميل للغاية!..
أنا ثعلب
تعال العب معي، أنا حزين جداً..
لا أستطيع أن ألعب معك، أنا لم آلَفْكَ بعد
أه.. عفوا..
وبعد تفكير قصير، سأل الأمير الصغير:
ماذا يعني "آلَفَ"؟
وتجاهل الثعلب سؤال الأمير الصغير وهو يقول له:
أنت لست من هنا، عما تبحث؟
إني أبحث عن الرجال.. ماذا يعني "آلَفَ"؟..
الرجال!.. إن لهم بنادق يصطادون بها، وهذا مزعجٌ كثيراً.. إنهم يخطفون أيضاً الدجاج.. وهو عملهم الوحيد.. هل تبحث عن الدجاج؟
كلا.. إني أبحث عن أصدقاء، ماذا يعني "آلَفَ"؟
لقد أصبح هذا الأمر منسياً. إنه يعني "خلق روابط".
خلق روابط؟
بالتأكيد، إنك لا تعني بالنسبة لي حتى الآن إلا طفلاً صغيراً يشبه مائة ألف من الأطفال الصغار. ولست بحاجة إليك، كما أنك لست بحاجة إلي أيضاً. لست بالنسبة إليك إلا ثعلباً، يُشبه مائة ألف من الثعالب. ولكن إذا ما آلفتني فسيحتاج واحدُنا إلى الآخر. ستصبح بالنسبة إليَّ الأوحد في العالم، وسأصبح بالنسبة إليك الأوحد في العالم.
لقد بدأت أستوعب ما تقول. هناك وردة.. أعتقد أنها آلفتني!..
هذا ممكن.. إننا نرى على الأرض الكثير من الأشياء..
آه! ليس على الأرض..
وظهرت على الثعلب سيماء الاستغراب:
على كوكب آخر؟
نعم
هل يوجد صيّادون على ذلك الكوكب؟
لا
هذا ممتع! وهل يوجد دجاج؟!
لا
لا يوجد شيءٌ كامل أبداً (قال الثعلب مبدياً أسفه) لكنّه عاد إلى فكرته الأولى:
إن حياتي مملة. إني أصطاد الدجاج، والرجال يصطادونني. جميع الدجاج متشابه، وجميع الرجال متشابهون. ولذلك فإني أشعر بالملل قليلاً. ولكن إذا ما آلفتني، ستصبح حياتي مشرقة.. سأميّز صوت خطواتك من بين كل الخطوات. إن الخطوات الأحرى تجعلني أعود لأختبئ في جُحْرٍ تحت الأرض. إن خطواتك ستصبح بالنسبة لي كالموسيقى. أترى هناك حقل القمح؟.. إني لا آكل الخبز، والقمح بالنسبة لي عديم الفائدة. إن حقول القمح لا تذكرني بشيءٍ مطلقاً، وهذا أمر محزن!.. ولكن لديك شعرٌ أشقر ذهبي، وسيكون ذلك رائعاً عندما آلَفَكَ! فالقمح المذهَّب سيجعلني أتذكرك، وسأحب صوت الريح في القمح...
من فضلك آلفني..
يجب التحلي بالصبر. عليك أولا أن تجلس بعيداً عني قليلاً.. هكذا في العشب.. وسأنظر إليك من طرف عيني وأنت صامت.. وفي كل يوم يمكنك الجلوس والاقتراب شيئاً فشيئاً مني..
وهكذا فقد آلَفَ الأمير الصغير الثعلب، ولما اقتربت ساعة الرحيل قال الثعلب:
آه.. أنا أبكي
إنها غلطتك، لم أودّ أن تصاب بسوء، ولكن أنت من أراد أن آلَفَهُ
بالتأكيد
وبهذا لن تستفيد شيئاً!..
إني أستفيد، بسبب لون القمح.. اذهب وشاهد الورود. ستفهم أن وردتك هي الوحيدة في العالم. حينئذٍ سترجع إليّ لتودّعني وسأحضر لك هدية متمثّلة في سر كبير..
وحمل الأمير الصغير نفسه وذهب ليرى الورود:
أنتنَّ لا تشبهن أبداً وردتي، أنتنَّ لم تصبحن شيئاً بعد.. لم يألفكنَّ أحد بعد، ولم تألفنَ أحداً. أنتنَّ بالنسبة لي، كما كان الثعلب: ثعلباً يشبه مائة ألف من الثعالب الأخرى. ولكني اتخذت منه صديقاً، وهو الآن الأوحد في العالم....
واعترى الورود الارتباك والضيق. وتابع الأمير الصغير حديثه إليها: أنتنَّ جميلات لكن فارغات. إننا لا نضحي بالحياة من أجلكن.. إن أي عابر سبيل يظن أن وردتي تشبهكنَّ بالتأكيد. ولكنها الوحيدة التي الأكثر أهمية منكنَّ جميعاً بالنسبة لي... ذلك أنها من أسقيها وارويها... ذلك أنها من أضعها تحت الناقوس وأحميها بحاجز واقٍ من الهواء.. ذلك أن لأجلها أقتل ديدان الفراشات.. ذلك أنها من أُنصت لشكواها أو تبجُّحها أو دموعها في بعض الأحيان.. ذلك لأنها وردتي.
وقفل الأمير الصغير عائدا إلى الثعلب ليقول له:
وداعاً..
وداعاً. إليك السر الذي وعدتك به، إنه بسيط جداً إننا لا نرى جيداً إلا بالقلب، فالجوهر لا تراه العين.
"الجوهر لا تراه العين". أعاد الأمير الصغير الجملة لترسخ في ذاكرته.
إن الوقت الذي كرّسته لوردتك هو ما يجعلها هامة جداً.
"إن الوقت الذي كرّسته لوردتي..." كرر الأمير الصغير.. واستطرد الثعلب:
إن الرجال قد نسوا هذه الحقيقة، وعليك ألا تنساها. ستصبح مسؤولاً إلى الأبد عما تأتلفه.. أنت مسؤولٌ عن وردتك..
أنا مسؤول عن وردتي..
وبقي الأمير الصغير فترة من الزمن يردّد ذلك السر الكبير الذي باح له به الثعلب لكي يجعله ثابتاً في ذهنه إلى الأبد.
الطفولة التي لا تنتهي
مشكلة الطيار عندما كان صغيرا و"الأمير الصغير" كذلك، في كون الكبار لا يفهمون الصغار الذين بدورهم يرونهم من زاوية الغرابة لأسباب كثيرة، واعتمد الفيلم على نفس الفكرة حتى أن الأمير في النهاية عاد طفلا، كأنها، أو هي رسالة لطفولة لا تنتهي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.