لذلك اكتسب هذا الموقع سمعة بأنه مكان لعنة ، حتى استطاعت السلطات السعودية التغلب على تلك النظرة ، و أعلنت مدائن صالح عام 1972 موقعا أثريا لاستقطاب السياح ، حيث لازالت آثار تلك المدينة قائمة حتى اليوم ، وتم ضمها لقائمة التراث العالمى لليونسكو ، لتعد واحدة من أهم المناطق الأثرية فى العالم . ففي عام 2008، نظرا لوجود آثار من أواخر العصور القديمة و 131 من القبور الأثرية المحفورة بالصخر وواجهاتها المحفورة بإتقان للملكة النبطية، تم اختيار مدائن صالح كأحد مواقع التراث العالمى التابعة لليونيسكو ، ليكون بذلك أول موقع للتراث العالمى في المملكة العربية السعودية. تقع المدينة في الشمال الغربي من المملكة العربية السعودية بين المدينةالمنورة ، ومدينة تبوك شمال مدينة العلا ب 22 كم ، و مدائن صالح عبارة عن منطقة سهلية تقع على سفح هضبة البازلت التي تشكل الجزء الجنوبي الشرقي من جبال الحجاز أما الأجزاء الغربية والشمالية الغربية للموقع فتحتوي على مياه جوفية يمكن الوصول إليها على عمق 20 متراً فقط، و يغلب على المنطقة الطابع الصحراوي المليء بالتموجات الرملية المختلفة في الحجم والارتفاع. أطلق على هذا الموقع اسم "مدائن صالح" رحال أندلسي في عام 1336، فى حين أطلق على المدينة اسم " الحجر " فى القرآن الكريم ، وتعني باللغة العربية المكان ذا الحجارة ، و يصف تضاريس المنطقة المنحوتة من الجبال والصخور.، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم سورة كاملة بهذا الاسم ومن هنا يتضح لنا أهمية هذا الموقع التاريخي في فترة ما قبل الإسلام. و السكان الأصليون للموقع من الأنباط و قبيلة ثمود كانوا يطلقون عليه اسم "الحجرة" بكسر الحاء . ويستمد الحجر شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام . تاريخ المدينة عثر فى المدينة على آثار من أقدم العصور ، بعدها يعود لعصور ما قبل التاريخ ، وتؤكد النصوص القرآنية أنها كانت منطقة مأهولة بالسكان عندما سكنها الثموديون فى حوالى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وفيها وجدت بعض الكتابات اللحيانية ، والثمودية ، والعربية الجنوبية ، وغيرها خلال الألف سنة قبل الميلاد ، قبل مجئ الأنباط . الدراسات التاريخية بينت أن "بني لحيان" وهي قبيلة عربية من نسل إسماعيل عليه السلام هي أول من استقر في المنطقة ، في القرن التاسع ق.م ، وأسست مملكة لها وعاصمتها "ديدان" و اشتهرت مملكتهم بمخطوطات تعود إلى القرن السادس إلى الرابع قبل الميلاد. ثم سكنها الأنباط في القرن الثاني قبل الميلاد وحتى القرن الثاني الميلادي ، وتركوا آثارا بارزة فيها تمثلت في مقابرهم التى حفرت بالجبال بواجهاتها الفخمة وأماكن العبادة والمنطقة السكنية والمنشآت المائية. وفى عهد الملك الحارث أصبحت مدائن صالح من أكثر المدن ازدهارا فقد حفروا واجهات القبور بمنحوتات ونقوش ونصوص نبطية وحفروا الآبار وخزانات المياه في الصخر وقاموا بحفر معابد لهم في الجبال وطوروا زراعة الواحات كما برعوا في التجارة واحتكروا تجارة العطور والبهارات والمر (بكسر الميم) وهو مادة صمغية تخرج من لحاء نوع من الأشجار وكان أحد المواد الفاخرة في الحضارة النبطية. ويعزى نجاح الأنباط بشكل كبير لوجود أفضل مهندسي العالم القديم عندهم، فقد استطاعوا تذليل مصادر المياه في المنطقة من خلال شبكة من الخنادق والقنوات والآبار التي كانت تسمى قنوات، ولازال بعضها يستخدم إلى اليوم. وتظهر بقايا مدائن صالح الأعمال الهندسية الرائعة التي اشتهروا بها وقد نسب الأنباط بناء مدينة الحجر لنفسهم في النقوش التي عثر عليها. ولكن مدينة الحجر تحتوي على كمية هائلة من النقوش المعينية واللحيانية، ومناطق العلا وديدان والخربية هي آثار لحيانية وأقدمها ربما يعود إلى 1700 ق.م حسب الكتابات, وقد دمر جزء منها بزلزال, وأما مدينة الحجر فهي آثار المعنيين والتجار الثموديين الأوائل القادمين من جنوب الجزيرة العربية. ولقد واجه الأنباط العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية ولاسيما مع الإمبراطورية الرومانية، لكن أكبر مشكلة واجهتها وأدت إلى سقوطها واضمحلالها ، هي الرياح الموسمية التي تسببت في اعتماد الدول وأصحاب القوافل التجارية في نقل بضائعهم عن طريق البحر الأحمر ، مما أدى ذلك في تأثر الحجر التي كانت تعتمد على مرور القوافل بأراضيها وأخذ الضرائب منها. وفي عام 63م ضمتها روما، وفي عام 106م حولها الإمبراطور تراجان إلى مقاطعة رومانية مع بقية الجزيرة العربية. أما الفترة ما بعد انحدار الاحتلال الروماني إلى ظهور الإسلام بقيت غير معروفة إلا أن مدائن صالح كانت محطة لتزويد الحجاج الذاهبين إلى مكة لأداء فريضة الحج وقد وصفها "ابن بطوطة" في أحد رحلاته إلا انه لم يذكر أي وجود بشري فيها. آثار المدينة مدائن صالح تعد " متحف مفتوح " حيث يبلغ مساحة المنطقة 13.4 كم ، تتوزع على أربع مقابر بها القبور الأثرية المنحوتة فى الصخر المشهورة عن المدينة ، والباقى منها 131 قبر ، ومعظمها يحتوي على نحوت ونقوش نبطية ، وتشكل صخور الحجر الرملي المتحللة التي تآكلت وتموجت منحوتة رائعة . و تدل النقوش على مكانة صاحب القبر الاجتماعية فكلما زادت وكبر حجمها زادت ثروة صاحب القبر ، وكان يتوارثها أسرته جيلا بعد جيل ، وأعلى القبور نحت لوحات سجل عليها أصحابهم وصيتهم ، وقد وجدت بعض الرموز العسكرية المنحوتة مما يرجح أن تكون المنطقة قاعدة عسكرية لمدينة الأنباط لحماية الطريق التجاري. وأهل منطقة العلا المحليين يطلقون على هذه المدافن القصور لجمالها . كما تنتشر المعابد في منطقة الحجر وتشكل لوحة فنية هائلة الجمال رسمها التاريخ بكل شموخ، ومن هذه المعابد ما كانت له صبغته العمومية، ومنها ما كان محرابا تعبديا خاصا بالعشيرة التي أقامته، وقد أقيم الكثير من هذه المعابد بأحجام مختلفة على جبل اثلب الواقع في الجهة الشمالية الشرقية من الحجر، أشهرها بطبيعة الحال هو ذلك الإيوان المحفور في الصخر، وقد نحت في بعض محاريب جبل اثلب نصبان متجاوران وفي بعضها ثلاثة نصب. القصر الفريد يعدُّ القصر الفريد أشهر المقابر النبطية في مدائن صالح ، ومن أجمل المقابر النبطية عامة إذ يتميز بواجهة شمالية كبيرة جداً ، وسمي بالفريد لانفراده بكتلة صخرية مستقلة ، وكذلك لاختلاف واجهته الكبيرة عن المقابر الأخرى في مدائن صالح ، ويلاحظ دقة النحت وجماله في الواجهة ، وعلى الرغم من هذا الجمال إلا أن القصر الفريد غير مكتمل النحت, حيث إنه لم يكتمل العمل في أسفل الثلث الأخير, و قد بني هذا القصر لشخص اسمه حيان بن كوزا. المنطقة السكنية تم الكشف في منطقة مدائن صالح النبطية عن بقايا منطقة سكنية قديمة مهمة ومتميزة تعود إلى فترات تاريخية متميزة من الاستيطان البشري والنشاط السكاني في المنطقة، وذلك في الموقع السهلي المسمى خريبة الحجر فيما بين مقابر قصر البنت ومحطة سكة الحجاز. الخريبة ومقابر الأسود تعد من أهم المواقع الأثرية في العلا وتقع في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، وهي عبارة عن تلال تمثل أطلال متراكمة من المباني الحجرية، بالإضافة لحوض حجري دائري يطلق عليه محلياً (محلب الناقة)، ويضم موقع الخريبة مجموعة ضخمة من المقابر المنحوتة في أسفل الجبل الشرقي للموقع وهي بأشكال ومقاسات مختلفة، وأبرز هذه المقابر مقابر الأسود التي تميزت بوجود نحت لحيوانات خرافية أشبه ما تكون للأسود. محلب الناقة هو حوض حجري كبير يعرف بمحلب الناقة أي ناقة سيدنا صالح عليه السلام ، فيما أكد علماء الآثار أنه مجرد بقايا معبد نبطي قديم وليس هو محلب الناقة