عكس ما كان يتمتع به المصريون حتى في عهد ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني منذ ثماني سنوات، والتي أطاحت الرئيس محمد حسني مبارك. إذ كان الصحافيون ينتقدون بشراسة النظام الحاكم بمن فيه رأس الدولة وقيادات الحزب الحاكم، من دون التعرّض لهم، واستمر الوضع كذلك بعد الثورة، ثم أخذ في التحسن تدريجاً حتى تاريخ الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من جويلية عام 2013. وتقول إحصاءات نشرتها منظمة "مراسلون بلا حدود" إنه منذ تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في عام 2013، يقبع في مصر أكثر من ثلاثين صحافياً في السجون، كما تم حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني. ودعت المنظمة في سبتمبرالماضي، السلطات المصرية، إلى إلغاء قانونين "يقيدان حرية الإعلام على الإنترنت"، في خضم حملة قانونية مصرية "لتشديد الخناق على الشبكة" العنكبوتية". وطالبت الحكومة المصرية "بالإلغاء الفوري لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وإعادة النظر في قانون تنظيم الصحافة والإعلام، لما يشكّلانه من خطرٍ على الحق الأساسي للمصريين في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات". كما اعتبرت أن قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي صدّق عليه الرئيس المصري مطلع سبتمبر الماضي "يزيد من مناخ القمع على الإنترنت في مصر".ويتيح القانون الذي أقرّته غالبية من نواب البرلمان في جويلية الماضي وأصدره السيسي، للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الحكومي والمشكّل بقرار رئاسي عام 2017، متابعة "كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف أو أكثر"، ويعطي للمجلس الأعلى الحق في "تعليق أو حجب هذه الحسابات الشخصية في حال "نشْر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية". ووفقا لهذا القانون، يمكن للسلطات أن تغلق بموجب قرار قضائي أي موقع تعتبر أن مضمونه يشكل "تهديدًا للأمن القومي" أو "يعرض اقتصاد البلاد القومي للخطر".ووفق التصنيف الدولي لحرية الصحافة لعام 2018 فإن مصر تحتل المرتبة ال161 في قائمة تضم 180 دولة. وحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" أيضاً فإنه "بإتاحة المراقبة الشاملة للاتصالات على الإنترنت، يسهم هذا القانون في شرعنة عملية الرقابة الإلكترونية". @@وأخيراً تم إيقاف العديد من مستخدمي الإنترنت والمدونين المعروفين بانتقادهم الحكومة @@والمعارضين السياسيين. وتتهمهم السلطات بالانتماء إلى "مجموعات محظورة" أو نشر "معلومات كاذبة".وفي جويلية الماضي، وصفت "منظمة العفو الدولية" هذين القانونين قبل إصدارهما بأنهما "يتعرضان للحرية عبر الإنترنت". ويشترط القانون على الراغبين بإنشاء صحف إلكترونية، الحصول على ترخيص لإنشائها خلال مدّة قصيرة، ويشمل ذلك، دفع ما قيمته 660 ألف جنيه (نحو 37 ألف دولار) للانطلاق في الموقع، وشددت المنظمة على أن هذا المبلغ يُعتبر ضخماً للمصريين.وأضافت المنظمة أن ذلك لا يشمل الغرامات التي قد تعتبرها السلطات في قانونها الجديد الفضفاض بمثابة "خروقات"، والتي قد تصل قيمتها إلى نحو ثلاثة ملايين جنيه (أي ما يُعادل نحو 167 ألف دولار).وقالت مديرة مكتب الشرق الأوسط في "مراسلون بلا حدود"، صوفي أنموث، في تصريحات لها نوفمبر الماضي إن "القانون يرقى إلى درجة الابتزاز لأن الصحافيين يضطرون الآن إلى الدفع إذا أرادوا العمل"، مضيفة أن القانون له هدف سياسي واضح وهو خنْق ما تبقّى من الأصوات المستقلة في مصر.وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي 2019 إن السلطات المصرية تذرّعت بقوانين مكافحة الإرهاب وقانون الطوارئ لسحق المعارضة السلمية خلال 2018، بما في ذلك ملاحقة الصحافيين والناشطين الحقوقيين. @@واعتقلت قوات الأمن المصرية في فبراير الماضي الصحافي معتز ودنان الذي أجرى حوارًا مع الرئيس السابق لجهاز المحاسبات المستشار هشام جنينة، عضو فريق ترشح رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق سامي عنان لانتخابات الرئاسة. وعلى خلفية تلك التصريحات، ألقت السلطات المصرية القبض على جنينة، وقبل أيام من اعتقاله كان جنينة قد تعرض لاعتداء مريب من أشخاص قال إنهم استهدفوا قتله أو خطفه بسبب انضمامه إلى الفريق الذي كان يعده عنان استعدادا للترشح في مواجهة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان مرؤوسا سابقا لعنان في الجيش المصري.وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن السلطات المصرية اعتقلت خلال الأسابيع الماضية 50 ناشطا سياسيا سلميا على الأقل، وحجبت 62 موقعاً على الإنترنت على الأقل، وبدأت ملاحقات جنائية ضد مرشح رئاسي سابق. هذه الإجراءات تضيّق أي هامش لحرية التعبير ما زال قائما. وبُنيت الاتهامات المنسوبة للناشطين على انتقاداتهم السلمية للحكومة، وبعض مواد القانون المحلي، مثل تهمة إهانة الرئيس، التي تنتهك - من حيث التعريف - الحق في حرية التعبير وهناك 8 أشخاص على الأقل قد يُحكم عليهم بالسجن 5 سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب المصري لعام 2015 جراء تعليقات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، وشمل حجب المواقع منافذ إعلامية مصرية ودولية كبرى وجماعات سياسية. وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تتحجّج السلطات المصرية بمكافحة الإرهاب لسحق المعارضة السلمية.وفي 24 ماي من العام الماضي، فرضت السلطات المصرية حجباً منسقاً على 21 موقعاً على الأقل، أغلبها تخص منافذ إعلامية، بزعم "دعم الإرهاب ونشر الأكاذيب"، بحسب مصدر أمني رفيع المستوى لم يُعلن اسمه تحدث إلى "وكالة أنباء الشرق الأوسط" التابعة للحكومة.ومن بين الجهات المتضررة مواقع إخبارية مصرية مثل "مدى مصر" و«مصر العربية" و«دايلي نيوز إيجبت"؛ مواقع إخبارية تركية ومواقع إخبارية دولية مثل "الجزيرة" و«هاف بوست" العربية؛ ومواقع رسمية للإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية؛ وموقع "تور بروجكت" الداعم لتفصح الإنترنت دون الإفصاح عن بيانات المستخدم.وذهبت السلطة في مصر إلى أبعد من ذلك، فامتدت الرقابة إلى حركات معارضة محلية، بما يشمل حجب موقع "الحملة الشعبية للدفاع عن الأرض" التي تعارض مخطط للسيسي للتنازل عن جزيرتين بالبحر الأحمر للسعودية.وفي 13 جوان 2017، حاصرت قوات أمن تابعة لوزارة الداخلية ناشطين تجمعوا عند نقابة الصحافيين للاحتجاج على الاتفاقية، واعتقلت بعضهم. مازال 8 من المعتقلين على الأقل، بينهم 3 صحافيين، محتجزين بعدما حققت معهم النيابة العامة بتهمة التظاهر بدون تصريح.ومؤخراً قرر محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، الانسحاب من اجتماع مجلس النقابة الذي عُقد لمناقشة بنود اللائحة الخاصة بالجزاءات والمتعلقة بقانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. ورأى عبد الحفيظ، أن مجرد المشاركة في مناقشة هذه اللائحة هو "اعتراف بالجريمة" و«عار" سيلاحق كل من يوافق عليها أو يباركها أو يبرر صدورها حتى ولو بالصمت، حسب تعبيره.وأرجع عبد الحفيظ سبب انسحابه من اجتماع مجلس نقابة الصحافيين، إلى أنه تسلم نصوص اللائحة، ودرس موادها بدقة، قبل أن يقارنها بقانون تنظيم الصحافة رقم 76 لسنة 1970، ووجد أنها مخالفة لهذا القانون، كما أنها تخالف المادة 71 من الدستور، فضلا عن مخالفتها للقانون رقم 180 لسنة 2018 الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وتنص المادة 71 من الدستور على أنه "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناءً فرْض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بينالمواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون". @@وأضاف عبد الحفيظ، في تصريحات صحافية أن جميع النصوص لا تخلو من العقوبات المالية وحجب الوسيلة الإعلامية، لافتا إلى أن هذه العقوبات تعطي سلطة مطلقة للمجلس الأعلى للإعلام وتجعله رقيبا على المهنة. وتابع: مصر تعاني في تلك المرحلة من ممارسة السلطة الرقابة على وسائل الإعلام بشكل غير قانوني.. السلطة تحاول شرعنة وتقنين تدخلها في السياسة التحريرية للصحف والفضائيات"، لافتاً إلى أن لائحة الجزاءات تنص على غرامات تصل إلى نصف مليون جنيه. "كما منحت اللائحة المجلس الحق في حجب المواقع أو البرامج أو المواقع الشخصية بقرار فوقي من مجلس شبه حكومي، كما أنها تجعل من المجلس الأعلى للإعلام رقيبا وحسيبا وصاحب سلطة مطلقة على المؤسسات الصحافية". وشدد عضو مجلس نقابة الصحافيين، على ضرورة ألّا يتم توقيع عقوبات مالية، إلا بنص قانوني، مطالبا مجلس نقابة الصحافيين برفض اللائحة وإعلان الرأي العام بذلك.وتنص المادة 3 من لائحة الجزاءات على: يُعاقب كل من نشر أو بث شائعات أو أخباراً مجهولة المصدر أو نقل عن مصادر إعلامية أخرى أو استخدم السوشيال ميديا كمصدر للمعلومات من دون التحقق من صحتها من مصادرها الأصلية، أو حال عدم احترام الرأي الآخر من حيث التوازن، بأحد الجزاءات الآتية أو أكثر حسب الأحوال لفت النظر (التنبيه)، الإنذار، توقيع غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 25 ألف جنيه، ويجوز مضاعفة العقوبة واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة حال استخدام عبارات تشمل التخوين من دون سند، كما يجوز وقف بث البرامج أو الباب أو الصفحة أو الموقع الإلكتروني لفترة مؤقتة، وتوقيع غرامة لا تقل عن 250 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، عندما يتسبب ما تم نشره في حدوث أضرار.وتقدم نحو 600 شخصية عامة وصحافيين، بمذكرة رسمية، تشمل بياناً وتوقيعات، إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الصحافيين، لرفض لائحة الجزاءات. وقالت المذكرة إن "لائحة جزاءات المجلس الأعلى للإعلام تأتي لإكمال مشهد فرض الصمت التام على كل وسائل الإعلام من خلال نصوص عقابية جرّمت تماما ممارسة مهنة الإعلام والصحافة إلا في الحدود المسموح، بها أمنياً وحكومياً، فاللائحة لم تقف عند حدود تحويل نصوص القانون القمعية إلى إجراءات عقابية بل إنها توسّعت في فرض عقوبات حتى خارج إطار القانون وخارج نصوصه، لتهدم المبدأ القانوني الراسخ الذي يشدد على أنه لا عقوبة إلا بنص".