الإيمان عند الإباضيّة قول وعمل واعتقاد، وبالقول تُعصم الدماء والأموال، وبالعمل يصحّ الإيمان العملي، وبالاعتقاد يتحقّق الإيمان الصادق، وهو الذي يقول فيه الإباضيّة بأنّه يزيد ولا ينقص، بل إذا انهدم بعضه، انهدم كلّه للأدلّة الصحيحة الصريحة التي لا يرتاب فيها أحد. أمّا الإيمان العملي فهو الذي يزيد وينقص، كما هو معلوم، فالإباضيّة موافقون على زيادته ونقصانه، وقول لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله إلى آخر عروة الإيمان، وابتناء الإسلام على قواعده الخمس صحيح عند الإباضيّة.والإباضيّة يكادون ينفردون عن غيرهم من الفرق الإسلاميّة الأخرى باعتقادهم أنّ الإيمان قول وعمل، وهم يعتبرون أنّ هذا الإعتقاد هو الذي يعطي الثمرة الحقيقيّة الصحيحة للدين الإسلامي، ويشترطون العمل على النهج القويم الذي كان عليه الرسول r وصحابته t عنهم أجمعين.] /إنّ الدين عند الله الإسلام[. [آل عمران آية:19].والإسلام لا يتمّ إلاّ بقول وعمل.فالقول: النطق بكلمة الشهادة.والعمل: الإتيان بجميع الفرائض، واجتناب جميع المحرّمات، والوقوف عند جميع الشبهات.قالوا: النطق بالشهادة يدخل الشخص في المخطّط الجغرافي للمسلمين، فيحرم دمه وماله، وتحفظ كرامة نسائه وأطفاله.لقولهr: أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله U.قيل وما حقّها؟، قال: زنى بعد إحصان، وكفر بعد إيمان، وقتل نفس، فيقتل بها. رواه الطبراني في الأوسط وابن جرير.إنّ العبد الذي يكتفي بالنطق بالشهادة، ويهمل العمل بما فرضه الله U عليه، فإيمانه ناقص غير كامل، وعمله غير صالح، والإيمان الحقيقي الكامل يقتضي من المؤمن أن يؤمن بالله U ورسالته، وأن يصرّح بهذا الإيمان ويبرهن عليه بالعمل بما جاءت به الرسالة التي آمن بها.قال بعض السلف المتقدّمين:تعصي الإله وأنت تزعم حبّه هذا لعمري في القياس شنيعلو كان حبّك صادقا لأطعته إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيعولو ألقينا نظرة إلى العالم الإسلامي اليوم، نجد العدد الهائل من الناس الذين يدّعون بأنّهم مسلمون، يشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، ويفتخرون بأنّهم من أمّة محمّد r، اختارهم الله U أن يكونوا خير أمّة أخرجت للناس، لرأينا العكس تماما ممّا يطلبه الله U من عباده ورسوله r من أتباعه.يقول العلماء المسلمون المخلصون: ما جدوى أن يلوك اللسان كلمة التوحيد، ويمتلئ القلب بحبّ غير الله U، وتتسابق الجوارح إلى كلّ ما نهى الله U عنه؟، تاركة لما فرضه عليها. وما وزن المسلم الذي لا يقرب الصلاة، ولا يعترف بالزكاة، أو لا يحجّ إلاّ رياء ومباهاة؟. وما وزن المسلم الذي يملأ بطنه خمرا، حتّى يفقد عقله؟. وما وزن المسلمة التي تمشي في الشوارع مائلة مميلة؟، ولا تستر جسدها كما يأمرها ربّها Uورسوله r، وجسمها موصوف بما تلبسه من لباس ضيّق، وشعرها مكشوف لجميع من يريد أن يتمتّع به دون حرج أو استحياء. وما وزن المسلمة التي تسير في الشوارع بكامل زينتها؟، تتكلّم مع هذا، وتضحك مع آخر دون حدود شرعيّة. وما وزن المسلمة التي ترافق من تشاء، وتصاحب من تهوى في درجات الجامعة؟. وما وزن المرأة أو الزوجة المؤمنة التي تسافر لوحدها إلى أيّ بلد تريد، دون محرم يحفظ لها كرامتها، وهي راكبة مع الرجال لمسافات طويلة، ولأماكن بعيدة؟. وما وزن ذلك المسلم الذي يؤمن بكلّ الفلاسفة؟، ويحتجّ بأقوالهم أمام كلام ربّه U وسنّة رسولهr، ويعطلّ أحكام القرآن بأقوال وضعها فلان أو فلان؟. وما وزن المسلم الذي يحفظ أنواع العلوم وأسماء اللاعبين والمغنين والمغنيّات، وهو لا يحفظ شيئا من كتاب ربّه؟ أو أسماء زوجات نبيّه الكريم r أو صحابته الأخيار. وما وزن المسلم عند الله U الذي ينفق أمواله في كلّ سبيل، إلاّ في سبيل الله U والخير، ويشترك في كلّ مشروع إلاّ مشروع الخير والمعروف، وينهى عن كلّ مجلس، إلاّ مجالس المنكر؟. وما وزن هذا المسلم الذي يباهي بالتقدّم العصري، فتقدّم على حساب دينه، وسمع عن الاشتراكيّة فتشرّك، ثمّ دعي إلى الشيوعيّة فتشيّع؟ وهو يعتقد ويصرّح بأنّه لا أحد يتحكّم في سلوكه، أو يوجّه أفعاله.إنّ الإنسان العاقل ليحتار أن يجد الملايين من البشر تنطلق ألسنتهم بكلمة التوحيد، ولكن عندما ينظر إلى واقعهم، يجد غير ذلك تماما، فيرى ما هو مخالف للعقيدة الإسلاميّة بالكليّة، ولا تكاد تجد في واقعهم ما هو من الشريعة، وما ذلك إلاّ لأنّهم يسمعون ويعتقدون أنّ من نطق بكلمة الشهادة فهو من أهل الجنّة.ولكن من من العلماء يستطيع أن يجزم بهذه المقولة ويصرّح بها أمام المسلمين جميعا بتحقيق وبرهان، ويضمن لهم الجنّة بمجرّد نطقهم بالشهادتين. فهل يا ترى يتمّ إيمان بدون عمل؟. وهل يا ترى يُحسب هؤلاء على الإسلام؟. وهل تكفي هذه الشهادة عوضا عن قيمة العمل؟. وهل يضمنون لأنفسهم رضا الله U والجنّة بمجرّد النطق بها؟. وهل يضفي هذا القول على صاحبه معنى الإسلام؟.إنّه لم يضرّ الإسلام شيء مثل ما ضرّه هذا القول، الذي يعطي للإنسان معنى المسلم الكامل بمجرّد نطقه بالشهادتين.إنّ كثيرا من هؤلاء الناس يخدعون أنفسهم عندما يعتقدون بأنّهم مسلمون وهم يسلبون الإسلام الركن الركين فيه، وهو العمل الصالح الذي اشترطه القرآن الكريم لمن آمن بالله U ورسوله r، لأنّه لم يرد فيه إيمان غير مقرون بالعمل الصالح والإحسان.إنّهم يشوّهون مرآة الإسلام ويسوّدونها أما الأجانب الذين صاروا يهربون منه، ويتخوّفون على أنفسهم منه، بل أكثر من ذلك صاروا ينشرون اتّهامات ضدّه لما يرون في أتباعه من أعمال لا يرضاها العقل ولا تقبلها الإنسانيّة.حتّى قال أحدهم ممّن دخل إلى الإسلام عندما زار بلاد المسلمين: الحمد لله أن هداني للإسلام قبل أن يريني واقعهم.إنّ الإباضيّة هم المذهب الوحيد الذي قد أعطى لهذه القضيّة حقّها من الإثبات والتحقيق، وهو الذي ينفرد بها من بين المذاهب الأخرى، وقد ساروا على المنهج الذي كان عليه الرسول r وصحابته الكرام، فلم يفرّقوا بين القول والعمل، ولم يجزّئوا دين الله U، ولم يطمعوا في رحمة الله وجنّته بدون عمل، أو توبة بعد اقتراف معصيّة من المعاصي، وكلّ ذلك لما يعتقدونه من أنّ العاصي إذا مات من غير توبة فهو مخلّد في نار جهنّم أبدا.إنّ علماء الإسلام المخلصون في هذا العصر يدعون إلى دين الله U على روح المذهب الإباضي، فكأنّما يستقون تعاليمهم ودعوتهم من أصوله وقواعده ومبادئه التي وضعها علماؤه منذ زمن بعيد، ولا غرابة في ذلك، فإنّ كلّ مسلم يغار على دينه، ويدعو إلى كتاب ربّهU، يجد نفسه يقترب من مبادئ هذا المذهب شيئا فشيئا، لأنّه يستقي من المنبع الصافي الذي استقى منه مشائخ الإباضيّة، وهو الشريعة الصحيحة والسنّة النبويّة الشريفة المبنيّة على النيّة الصافيّة الصادقة التي يصدق عليها قول عمر بن الخطّاب t:كنّا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في الحرام.إنّ الإيمان الحقّ الذي كان الإباضيّة يتمسّكون به، ويطبّقونه في حياتهم، هو قوّة في القلب، وقوّة في الخلق، وقوّة في السلوك، وقوّة في المعاملة الحسنة الطيّبة.والمؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المسلم الضعيف.إنّ المجتمع الإباضيّ في قواعد إيمانه، يعطي صورة صحيحة للمجتمع المسلم النظيف، طهارة في العقيدة من الزيغ والبدعة، وطهارة في العمل بالابتعاد من شبهة المعصيّة، وطهارة في الخلق بالتحلّي بالتواضع والتسامح والعدل مع جميع الناس، مهما كان انتماؤهم، أو طبقاتهم. وقوّة في الاتحاد والتماسك والتعاون. والآن وقد استيقظ المسلمون من سباتهم الطويل، ورجعوا إلى كتاب ربّهم وهدي نبيّهم وسيرة سلفهم، استطاعوا أن يصلوا إلى الإيمان الحقيقي بأنّ العمل هو الشرط الأساسي في صحّة العقيدة، وهو الذي يصوّر المسلم الحقيقي المخلص على الصورة التي يرضاها الله U ورسوله r، ولذلك انطلق كثير من العلماء يدعون إلى الاستمساك بالعروة الوثقى من كتاب الله U، والتحلّي بالخلق الكريم، والاندفاع إلى ميدان العمل، وإلى قهر النفس والشيطان، وذلك ما نراه والحمد لله يبثّ عبر وسائل الإعلام المتعدّدة.والمسلم الذي لا يستطيع قهر نفسه وشيطانه، فإنّه لا يستطيع ومن المحال أن يقهر عدوّه، وما دام كثير من المسلمين لم يفهموا دين ربّهم الإسلام بأنّه قول وعمل، فإنّهم لن يؤيّدوا بنصر الله U.فإذا ما استطاعوا أن يقتنعوا بهذا المبدأ، ويفهموه حقّ فهمه، ورجعوا إلى العمل به أفرادا وجماعات وأمما، وأسلموا أرواحهم وألسنتهم وجوارحهم لله وحده لا شريك له، وأخلصوا لكلمة التوحيد التي ينطقون بها، وذلك بإخلاص العمل، فإنّ ربّهم U سيعزّهم بعزّته، وينصرهم بنصره، ويؤيّدهم بتوفيقه، فيرثون الأرض التي وعد الله بها عباده الصالحين، حيث يقول في كتابه./ ]ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين[. [الأنبياء آية:105 106]./ ]ولله العزّة ولرسوله وللمومنين[. [المنافقون آية:08].ويقول تعالى في الحديث القدسي:ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها.فإذا كان كثير من المسلمين لا يؤدّون الفرائض التي فرضها عليهم ربّهم، بربّكم كيف يستطيعون أن ينتقلوا إلى أداء النوافل الكثيرة من صلاة وصيام وصدقات مختلفة والتي يجلبون بها محبّة ربّهم لهم، وبالتالي يستحقّون نصره وتأييده وحفظه وجنّته.ولو أنّ المسلمين في جميع الأقطار الإسلاميّة حرصوا على أن يكونوا صورا واقعيّة حيّة للإسلام، كما هي عليه دعوة الإباضيّة، دون تعصّب أو محاباة لأحد، أو خوف من جهة، لما وجد أعداؤهم بينهم مدخلا، ولا بين صفوفهم طريقا.ولو أنّ المجتمع الإسلامي بقي مهيمنا على سلوك الفرد كما كان في صدر الإسلام، وكما بقي عند الإباضيّة إلى اليوم، لما شذّ كثير من المسلمين عن الإسلام، ولما ابتعدوا عن كتاب الله U، ولما تغلّب عليهم عدوّ لا يرحم، أفسد فيهم الدين والخلق، قبل أن يستغلّهم في المال والعمل، ويأخذ منهم الجهد والثروة، ويقضي فيهم بحكم الجبروت والقوّة الذي أصبحوا: لا حول لهم فيه ولا قوّة.ويزيد الدكتور{محمّد نعيم}: فجوهر الفكر الخارجي هو الغلوّ، والغلوّ إذا استحكم لا بدّ أن تكون نتيجته المروق عن هذا الدين، وهو ما أخبر به النبيء r، وهو غلوّ لن يسبّب إلاّ تفرقة لأهل الإسلام وإضعافا لشوكتهم وتطميعا لعدوّهم فيهم، وما أسهل على أعداء الإسلام أن يتسوّروا أسوار الإسلام والمسلمين، أو يدخلوا عليهم من أبوابهم العريضة عن طريق جماعة تنسب للإسلام، أو حركة تزعم نصرة الدين، وهي في الحقيقة ألدّ أعدائه.والخوارج كفرقة أو فرق لها في التاريخ ذكر وحساب، قد انتهت وولّت وانقرضت، إلاّ أنّها كفكر واعتقاد ما زال لها في التاريخ القديم والحديث حضور.ولكن الإباضيّة ما زالت قائمة على مرّ الزمن وعبر التاريخ، وذلك رغم اضطهادها من طرف الحكّام والطغاة، وهذا دليل قاطع على رسوخ فكرها واستناده إلى القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، وأنّهم رجال تقييد لا تقليد، وأهل اعتماد على الحقّ لا على الخلق، فهم لا يتقيّدون إلاّ بالله U ورسوله r فقط.وقد اشتهروا بذلك على مدى التاريخ، وعرفوا به، فكانوا وما يزالون إلى اليوم في مجتمعهم وأفرادهم أمثلة للمؤمنين الذين يحافظون على دين الله U في واجباته وآدابه، وجميع الأخلاق التي دعا إليها، ويبتعدون عن كلّ ما نهى الإسلام عنه، أو كرهه من قول أوعمل، يسارعون إلى الخيرات ويبتعدون عن المحرّمات، ويقفون عند الشبهات، كلّ ذلك استبراء لدينهم وعرضهم.إنّ المسلم الإباضي العادي صورة صحيحة للمسلم الذي يدعو إليه الإسلام، والمجتمع الإباضي المسجدي صورة واضحة للمجتمع المسلم الذي يقيم شعائر الله، ويحافظ على دينه، ويعمل جاهدا لتطبيق أحكامه في كلّ حالة يكون عليها.