تيارت أو تيهرت هذه الولاية العظيمة التي يفخر بها الوطن لا تزال تحتفظ بالكثير من القيم التي تثبت أصالة هذا البلد والتي أخذت من الفروسية سحرها و العروبة جوهرها والبداوة سرّها، فلا يزال معظم مواطنيها أوفياء لحب الخيول ولا يمكنك أن تطرق بابا دون أن تكون ضيفا عزيزا مكرّما داخل بيوت لا تزال تفوح بها عطور البادية التي تشدك إلى الماضي الذي عاشه آباؤها وأجدادنا في حياة بسيطة ومريحة تقليدية لا مقلّدة عريقة لا مغرقة. هذه الولاية خاصة أن تحدثنا عن مناطقها المحيطة والمجاورة لمركز المدينة الذي سكنه الأغراب وأصحاب الدار، فإن سنتحدث بكل فخر لطريقة استقبالهم لشهر رمضان إلى غاية استقبال عيد الفطر المبارك. حيث يعدّ شهر رمضان بالنسبة لهم مناسبة دينية يكثف فيها العبد الطاعات والعبادات فهو بالنسبة لهم صيام نهارا وقيام ليلا، صلاة التراويح وصدقات وصلة أرحام. وهذا ما لمسناه في أكثر من منطقة عند أكثر من عائلة والملفت للنظر هو أن معظم العائلات بهذه الولاية يجتمعون على عادات وطبيعة مشتركة ولم يكن الفقر أو الغنى ليجعل فارقا يجعلك تحسّ بالإختلاف فجميعهم يستقبلون ضيوفهم بصدر رحب بميزات مشتركة في أكثر من خاصّة كالأكل والشرب وطريقة الجلوس والسهر والمعاملة، إلى غير ذلك، رغم تباعد المناطق عن بعضها البعض بعدة كيلومترات بعد زيارتنا لعدة مناطق منها الحاسي الأبيض، السوڤر بأحيائها، مجاط، قرية الڤوفريط، منطقة الولاية إلى غير ذلك من عدة عائلات وسط المدينة لأكثر من 10 عائلات بين غنية وفقيرة اجتمعت كلها على صفة إكرام الضيف إلى درجة فاقت كل الحدود. ونحن الآن بصدد توضيح كيفية استقبالهم للضيف الكريم وبما أن أهل هذه المنطقة يعتبرون هذه المناسبة دينية محظة إلا أنهم فرحة به يستقبلونه بطريقة إحتفالية على مدار كامل أيامه فيعدّون مستلزمات لأكثر من 10 أيام مسبقة تجعل من المائدة التيارتية تنفرد بطابع خاص ومميز، فتعدّ التوابل من أهم الركائز التي ترتكز عليها الأطباق، فتسارع النساء إلى شراء جميع التوابل غير المطحونة وتقوم بتصفيتها وتنقيتها ثم طحنها حفاظا على الذوق لكل مادة، كما تحضر مادة الدشيشة المستخرجة من حبات الشعير كما تتميز هذه المنطقة باستعمال مادة »المرمز« وهي نوع من أنواع الدشيشة المستخرجة من القمح والتي تحمل نكهة خاصة وهذا تحضيرا لحساء الحريرة في المائدة الرمضانية على مدار كامل الشهر، كما هو الحال بالنسبة لطبق الحلو والذي يعدّونه كفأل طيب لحلاوة هذا الشهر الكريم، وهو عبارة عن طبق لبعض الفواكه المجفّفة مثل العنب المجفف أو البرقوق أو المشمش وكذا التفاح مع »السفيرية«، إضافة إلى طبق مالح ينحصر بين الجلبان أو الزيتون أو البرانية على حسب التوفّر، كما لا تخلو المائدة من طبق البوراك مع ضرورة توفّر نوع أو نوعين للسلطة مع ضرورة تحضير الفواكه الباردة وطبق الفلان في السهرة مع وحلويات الشامية من زلابية وقلب اللوز، ويرتشفون القهوة المعطّرة بعطور خاصة فإذا قلنا قهوة التيارتية فمعناها قهوة »المشايخة« أو كما يسميها البعض »الخنجلان« عبارة عن توابل يعطر بها البنّ تحمل نكهة وذوق حارّ، وهذا في جو يتجاذب فيه الكبار الأحاديث والحكايات بطابع ديني في جو مضياف، فيما تدخل بيت تيارتي إلا وقال لك كلمته المعتادة »قرّب« بمعنى »مرحبا« وترد بالجواب المعتاد »وصلت« وبعد أن يقمن النساء بتحضير مائدات تحمل ما لذّ وطاب يجلسن يتجاذبن أطراف الحديث بعد مواظبة تدوم ساعات في قراءة القرآن وإقامة الصلاة، أما بعد أن يفرغ شبابهم من ذلك يتجهون إلى المقاهي أو ساحات وفناءات الأحياء للسهر ولعب الدومينو، كما تحرص العائلات حرصا شديدا على متابعة القنوات العربية أو المحلية التي تشجّع على العبادة وتنهي برامجها عن الفحشاء والمنكر بعيدا عن المزامير والطبول، والبرامج ذات الأفكار الهابطة التي تتنافى مع قيم الدين الإسلامي وبعد إنتهاء السهرة تتجه النساء إلى المطبخ لتحظير "السحور" وقد تكون المائدة تحمل أطباقا مختلفة من يوم إلى آخر لكن لا يمكن لمادة الكسكسي أن تغيب عنها ولو ليوم واحد. كما يحرص بعض أرباب البيوت على دعوة عدة أشخاص خلال شهر رمضان خاصة ليلة النصف من الشهر وكذا ليلة السابع والعشرين والتي تكثف خلالها عبادة الرحمان تشكرا لنعمه وطلبا للمغفرة وتتوالى أيام هذا الشهر الكريم على هذا المنوال إلى غاية اليوم الأخير منه بعد أن تحضر بعد أنواع الحلويات فيستيقظ الجميع على التكبيرات والتهليلات بأصوات مصلين وأئمة متصاعدة من المساجد وروائح القهوة المعطرة ورائحة الدقيق الممزوج بالزبدة والتمر وهي حلوى تقليدية لا غنى عنها يوم العيد، إنها "الكعبوش" في تيارت و"المعكرة" بالبيض والولايات المجاورة و"الرفيس التونسي" ببعض الولايات بالشرق والجنوب الجزائري ليختم أهالي تيارت الشهر الكريم بفرحة لا تقل فرحة يوم استقباله ويلبس الأطفال ملابسهم الجديدة ويلبس رجالهم العباءات البيضاء وتتزين نساءهم وتفوح رائحة العطور والمسك فأوله عطور التوابل وآخره عطور الزينة.