تعتبر ولاية قسنطينة من الولايات العريقة التي تشتهر بمعالمها الأثرية الخالدة والشاهدة على تجذرها الممتد في التاريخ و الحضارة هذه المدينة التي تعاقبت عليها عدة حضارات مرت عبر تاريخها وهي المرحلة النوميدية أين كانت آنذاك للملوك النوميديين ، حيث وحدها سيفاكس وحكمها بعده كل من ماسينيسا ومسيبيا ثم يوغرطة بعدها المرحلة الرومانية ثم العهد البزنطي ثم العهد الإسلامي وبعده العهد التركي وأخيراً الإحتلال الفرنسي . هذه الحضارات المتعاقبة تركت بصمتها على هذه المدينة على غرار المعالم الأثرية والمواقع التاريخية منها الأقواس الرومانية ويطلق هذا الإسم على أطلال قناة مائية قديمة يعود تاريخها إلى فترة أقدم من العهد البزنطي ، معلم آخر وهو نصب الأموات والذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1934 حيث شيد تخليداً لموتى فرنساوالجزائر الذين سقطوا في الحرب العالمية الأولى نجد أيضاً قصر أحمد باي تحفة معمارية فريدة من نوعها يعود تاريخ بنائه إلى ما بين (1835-1827) أين أصبح سنة 2010 متحف للفنون والتقاليد الشعبية ، كما نجد أيضاً المدينة القديمة بمثابة شاهد أكبر على تعاقب الحضارات على هذه الولاية فالمدينة القديمة هي قلب قسنطينة النابض بالحياة والذاكرة التي لا تموت وتلقب قسنطينة بمدينة الجسور المعلقة لكثرة الجسور بها أهمها جسر باب القنطرة ، جسر سيدي أمسيد ، جسر سيدي راشد هذا الإرث الثقافي والحضاري حط رحاله بوهران من خلال القافلة الثقافية لولاية قسنطينة في إطار المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية الذي أقرته وزارة الثقافة والذي يعمل على التعريف بولايات الوطن لتدعم من خلالها المعنى الثري الخصب للتراث الجزائري في تنوعه وثرائه بإعتبار أن الجزائر قارة في الثقافات والتراثات المادية وغير المادية التي تعمل هذه الأسابيع الثقافية على إظهارها وتقديمها بالشكل الذي يليق بمقام هذه الولاياتوقسنطينة في بعدها الحضاري والإنساني تزخر بكل هذه المعاني التراثية وهذا ما لمحناه من خلال المعارض المتنوعة التي إحتضنتها قاعة الميدياتيك . صناعة النحاس ... يعتبر النحاس من بين المواد التي تستعمل في الصناعة التقليدية التي تتميز بها مدينة قسنطينة على غرار بعض المدن العريقة في الجزائر كتلمسان ويعود أصلها إلى العهد العثماني حيث يستعمل النحاس عادة في الحياة اليومية لكونه يضفي جمالية خاصة ولتزيين المنازل كديكور ولاتستغني العائلة القسنطينية عنه حيث نلاحظ حضور مختلف الأواني النحاسية المناسبات كالأعراس مثلاً كما تحاول كل عروس أن تقتني في جهازها قطعة من تلك التحف والتي زينت أيضاً قاعة الميدياتيك التي تعرض فيها . الڤندورة اللباس التقليدي للمرأة القسنطينية الڤندورة القسنطينية هي اللباس الذي لاتستغني عنه المرأة في قسنطينة وهو المجال الذي برع وأبدع فيه الحرفيون بدون منازع حيث حافظوا على الإتقان في تشكيل الخيوط الذهبية والفضية مما ساهم في رواج الڤندورة داخل وخارج الوطن والڤندورة فستان طويل من القطيفة بخيوط ذهبية أو فضية (مجبود) مستوحاة من الطابع الأندلسي والعثماني ثم اليهودي وهذا يعكس غنى مدينة قسنطينة التي شهدت تزاوج كل الثقافات ، هذا اللباس كان حاضراً بقاعة العرض وإستهوى كثيراً الجمهور الزائر . من جهة أخرى تشتهر مدينة قسنطينة بصناعة الحلويات التقليدية كالمقروض ، البقلاوة ، طمينة اللوز الجوزية والغريبية التي تتميز بها المدينة القديمة خاصة لايكاد يغيب نوع من هذه الأنواع عن الصينية القسنطينية خصوصاً عند إجتماع العائلة في المساء لشرب القهوة المعطرة بماء الزهر وهي عادة متأصلة في الأسرة القسنطينية وتسمى "قهوة العصر" . اللون الموسيقي المتأصل ... تشتهر مدينة قسنطينة بألوان موسيقية تميزها عن باقي الولايات فنجد مثلاً المالوف وهو الطابع الغنائي المميز لهذه الولاية وهو موروث ثقافي أصيل وأصل الكلمة "مألوف" بمعنى وفي للتقاليد يغنى هذا النوع باللغة العربية الفصحى يستعمل في المالوف نوع معين من الآلات الموسيقية كالعود والقانون ، الرباب والناي والمالوف دائم الحضور في الإحتفالات المخصصة لهذا النوع الموسيقي ، كالمهرجان الوطني والدولي للمالوف نوع آخر تشتهر به ولاية قسنطينة وهو العيساوة وهو ذو طابع صوفي ديني يؤديه جوق موسيقي من الرجال يتقدمهم مغني رئيسي مستعملين آلات موسيقية متنوعة كالبنذير والطار الزرنة والدربوكة ، كما نجد أيضاً الفقيرات وهي مجموعة صوتية نسوية لا تستخدم من الآلات الموسيقية سوى الآلات النقرية (البنذير والطار) كما لا يتعدى حضورهم الفني الحفلات العائلية (أعراس وأختان) وغناؤهم موجه خاصة للنساء . كل هذه التقاليد العريقة التي ترمز إلى ذاكرة مدينة قسنطينة التي قال عنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أن لها جاذبية لا تقاوم ، هذه الثقافة الأصيلة نقلتها لنا القافلة الثقافية لولاية قسنطينة من خلال أسبوعها الثقافي الذي أختتم أول أمس بوهران .