مع حلول فصل الشتاء وسقوط أولى قطرات المطر تبدأ مخاوف ومعاناة القاطنين تحت البنايات الهشة وحتى سكان الطوابق الأرضية الذين يستقبلون موسم البرد بحذر وترقب شديدين خوفا من حدوث أي طارئ وإذا كان هذا هو حال العائلات المحتمية تحت الأسقف فكيف هو واقع الأشخاص الذين هم بدون مأوى المنتشرين في الشوارع والأزقة وخلف جدران العمارات يفترشون الأرصفة ويلتحفون السماء حيث تتضاعف معاناتهم في عز الشتاء وتتكرر مع التقلبات الجوية . المتجول في شوارع وهران وتحديدا في نقاط تفضلها هذه الفئة هروبا من البرد والاعتداءات يصادف على الأقل شخصين أو ثلاثة في طريقه على اختلاف أعمارهم سواء تعلق الأمر بأطفال أو شباب وحتى الشيوخ والنساء تجدهم على ناصية الطريق او يتجولون هنا وهناك وبعضهم يفترش الكرتون أو أي شيء قديم في زاوية بعيدة عن الأنظار بحثا عن الدفء والأمان بخلاف سائر الأيام فان حركة المتشردين تقل في فصل الشتاء خصوصا وان الظلام يحل بسرعة حيث تتسارع هده الفئة لاتخاذ أماكن متخفية لقضاء الليالي القاسية في هذا الفصل حيث ينتشرون مثل الخفافيش متخفين في الممرات الضيقة وبداخل الحدائق العمومية و في مداخل العمارات والساحة العمومية صعوبة الإقناع للمرافقة إلى المصلحة الجمهورية عاشت مساء يوم الخميس لقرابة ساعتين من الزمن مأساة هذه الشريحة في يوم ممطر برفقة فرقة المساعدة الاجتماعية الاستعجالية المتنقلة ''سامى'' التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي في خرجة مبرمجة أسبوعيا لنقف على حجم معاناة أشخاص بدون مأوى خلال هذا الفصل و الصعوبات التي تواجهها الفرقة الاستعجالية المتنقلة في إقناع الأشخاص الذين ثم العثور عليهم في حالة يرثى لها من أجل مرافقتهم إلى المركز أين يتم التكفل بهم قبل تحويلهم إلى أماكن أخرى أو دمجهم في الوسط العائلي الانطلاقة كانت في حدود الساعة التاسعة مساء بالقرب من الباب الخلفي للحديقة العمومية المتواجدة بحي المدينة الجديدة حيث صادفنا شيخ مسن هزيل الجسم غير قادر على التحرك بسبب البرد القارس حيث كان منطويا على نفسه ويداها ترتعشان اقترب منه احد أعضاء الفرقة وتحدث معه بكل هدوء لمعرفة أسباب تواجده بعين المكان وبعد محاولات عديدة استجاب هدا العجوز الذي كانت لهجته مختلفة تدل على قدومه من إحدى الولايات المجاورة فصعد برفقتنا وأخذ مكانا معزولا لم نتمكن من التحدث إليه لأنه كان يتحاشى الحديث وما علينا سوى تركه على راحته خاصة وانه كان مبلولا ولا يستطيع التركيز في كلامه ولم تمر دقائق حتى خلذ للنوم بعد شعوره بنوع من الدفئ داخل سيارة الإسعاف الاجتماعي غيّرنا الوجهة نحو مقر الأمن الولائي المتواجد على نفس الطريق القريب من الحديقة العمومية لتتوقف المركبة عند شخص نائم في ركن من الرصيف وبمجرد اقتراب أحد أفراد الفرقة منه نهض مفزعا وحاول الهرب لكن تجربة مصالح" سامى" في مثل هذه المواقف سمحت بإقناعه وتهدئته بعد دخوله في حوار مع هذا الشخص الذي كان يعاني من اضطرابات نفسية بدليل أن حركاته لم تكن عادية وفي نفس الخرجة جمعت ذات المصلحة حوالي 5 أشخاص بدون ماوى حيث لم تكن المهمة سهلة خصوصا وان اثنين منهم تصرفوا في البداية بعدوانية و بعد محاولات متكررة من طرف الفرقة التي كانت تضم مساعدين اجتماعين يتقنون ثقافة الكلام و حسن المعاملة لاستدراج هذه الحالات نحو مراكز الإيواء واختلفت نقاط تواجدها بين شوارع حي سيدي البشير البلاطو سابقا وتحديدا في الطريق المؤدي إلى مصلحة الاستعجالات الطبية و بالقرب أيضا من جامع الشيخ الزوبير حيث لاحظنا أن هذه الفئة تختار الأماكن القريبة من مصالح الأمن لتجنب المضايقات وهروبا من العصابات التي تترصد هم ليلا وبعد الانتهاء من عملية جمع الأشخاص الذين يستجيبون لمرافقة الفرقة إلى مركز الضيافة المؤقتة بحي اكميل يتم استقبالهم من طرف مصلحة متخصصة في الاستقبال والتوجيه ويتم التكفل بهم من حيث النظافة و الأكل والنوم قبل إجراء تحقيق اجتماعي بمساعدة مختصين في علم النفس والاجتماع يدوم حوالي 72 ساعة ليتم بعدها توزيع الحالات حسب خصوصيتها فالبعض يدمج إلى عائلته مجدد بعد التواصل معها أو يتم توجيهم إلى المراكز الاستشفائية للعلاج أو تحويلهم إلى مراكز الإيواء على غرار دار الرحمة بمسرغين أو دار العجزة بحي السلام بينما يفضل البعض العودة إلى الشارع متشردون يفرون من مراكز الإيواء لممارسة مهنة التسول وهو ما أكده لنا احد أفراد الفرقة حيث أن هناك شريحة من كبار السن تفر من مراكز الإيواء ليتم جمعها مجددا لكنها تصر دائما على البقاء في الشارع بمجرد تحسن الأحوال الجوية للممارسة مهنة التسول الجمهورية واصلت رحلة الرحمة مع فرقة التنقل الاجتماعي إلى غاية مركز الضيافة المؤقتة حيث وقفنا على حكايات وقصص مؤثرة لحالات غدر بها الزمن و رمت بها الظروف القاسية إلى الشارع الذي لا يرحم فئات تختلف أعمارهم التي تتراوح مابين 25 و60 سنة وهناك أشخاص برفقة أطفالهم الشارع و معاناتهم مشتركة وكل حكاية أسوء من الأخرى فهناك 3 أصناف من هذه الشريحة حيث تعاني بعض الحالات من اضطرابات نفسية وعقلية وفئة أخرى هربت من المشاكل العائلية وقسوة الأولياء أو حتى هروبا من الفضيحة إلى جانب أشخاص دفعتهم الحاجة أو الظروف الاقتصادية إلى البحث عن الأعمال الشاقة في مدن أخرى ليضطروا إلى المبيت في الشارع قصص لنساء يعشن في الشوارع
من ضمن هذه الحالات التي يندى لها الجبين ثأترنا بقصة السيدة فضيلة التي رفضت المكوث بدار الرحمة بمسرغين للبقاء مع ابنها البالغ من عمر 16 حيث أكدت أنها تحملت قسوة الشارع حتى لا تفتقد فلدة كبدها بتواجدها في المركز إذ ا أن القانون حسبها يحرمها من رؤية ابنها الذي يحول إلى مراكز الأحداث وهو ماجعلها تسعى إلى البناء الفوضوي وتطالب المحسنين لمساعدتها قصة أخرى مؤثرة لفتاة معاقة حركيا تبلغ من العمر 32 سنة قدمت من ولاية معسكر كانت ضحية وحش بشري استدرجها واستغل حالتها وأوهمها بالزواج مقابل أن توفر له مبلغ من المال ودفعت بها هذه الظروف إلى سرقة مجوهرات عائلتها والهروب رفقة هذا الشاب الذي تخلى عنها بمجرد أن سلمته المسروقات ولم يكتف هذا المجرم بفعلته حيث اعتدى عليها ورماها في الشارع حيث أقدمت بعدها على محاولة الانتحار بترجعها للأدوية ولحسن الحظ تم إنقاذها و التكفل بها من طرف مساعد اجتماعي بمستشفى أول نوفمبر باسطو في الوقت الذي دخلت فيه الفرقة المختصة بمصلحة الإسعاف الاجتماعي في تواصل مع عائلة الفتاة لإعادتها إلى أهلها بالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية منذ قرابة أربعة أيام في انتظار استجابة العائلة
سيدة أخرى تدعى فاطمة كانت تقطن بحي الزيتون روت لنا تجربتها القاسية بعد زواجها الذي لم يدم طويلا وانجابها لطفلة تبلغ حاليا أربع سنوات حيث تعرضت للعنف والضرب وعانت ويلات الحياة الزوجية التي كانت فاشلة وانتهت بالطلاق لتتفاجأ برفض العائلة التكفل بها ولم يكن أمامها سوى افتراش الشارع رفقة ابنتها التي عانت من أمراض خطيرة لولا رحمة الخالق الذي حفظه من الأذى طيلة هذه الفترة هذه السيدة شكرت فرقة المساعدة التي راعت ظروفها و استنجدت بأحد المحسنين الذي تكفل بكراء منزل لها و وليست هذه السيدة الوحيدة التي تلقت المساعدة بل هناك حالات أخرى وجدت العطف و الحنان في الغرباء و عانت من قسوة الأهل
في المقابل أحصت ذات المصالح خلال القيام بنشاطها الدوري على الأشهر الماضية 8 حالات ضحية الاعتداء الجنسي والاغتصاب لفتيات قدمن من ولايات مجاورة تتراوح أعمارهن مابين 16 و40 سنة حيث تم إدماجهن بمركز المرأة المعنفة بمستغانم واستفادت البقية من الإدماج العائلي أو الإدماج المؤسساتي كما سجلت ذات المصالح قرابة 60 حالة رفضت الإدماج بأنواعه خلال السنة الجارية تتراوح أعمارها مابين 25 و30 و40 سنة فضلت الشارع وتلتحق بالمراكز في ظروف استثنائية فقط خاصة في فصل الشتاء وبلغة الأرقام فقد أحصت ذات المصلحة التكفل ب 157 حالة جديدة منها 106 نساء و35 طفلا لتضاف إلى التكفل اليومي وعلى مدار السنة ب 1474 حالة منها 409 امرأة يرفضون التقيد بالقوانين وعن رفض العديد من كبار السن الالتحاق بديار الرحمة فقد يؤكد السيد بن محمود احمد أخصائي نفساني عيادي على مستوى المصلحة أن عملية إقناع هذه الفئة للصعود إلى الحافلة والالتحاق بالمصلحة تأخذ أياما عديدة وغالبية الأحيان يتم إقناعهم من قبل عناصر الأمن التي لها دور كبير في إنجاح هذه العملية لاسيما أنها تمثل لدى هذه الفئة الأمن والاستقرار مشيرا أن جميع عمليات الجمع المبرمجة لا يمكن أن تعطى نتائج إيجابية لولا جهود عناصر الأمن أما فيما يتعلق بعدم تقبلهم المكوث بديار الرحمة لأن هذه الفئة كانت تعيش ولسنوات عديدة دون تقيد بالقوانين ومكثت بالشوارع دون أن يفرض عليها قيود فهي حرة في فكرها وتصرفاتها اليومية وعليه يصعب أن تتأقلم مع النظام الداخلي لكن مع هذا فمصلحة الإسعاف الاجتماعي تبذل جهدا كبيرا من أجل حماية هذه الشريحة من الأخطار المحدقة أين قامت بتشكيل خلية تتكون من أخصائيين نفسانيين عملهم إقناع هذه الأخيرة في وسط أمن وفي ظروف أحسن من الشارع.