«العيش معا بسلام»هي المبادرة الجزائرية التي تحولت إلى يوم عالمي بعدما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2017 ب 172 صوتا, على لائحة تعلن من خلالها يوم 16 مايو من كل عام يوما عالميا للعيش معا بسلام. وهو الحدث الذي اعتبرته في حينه البعثة الدائمة للجزائر لدى الأممالمتحدة مسعى جزائريا «يندرج في إطار جهود ترقية قيم ثقافة السلم والمصالحة على المستوى الدولي ويهدف إلى تكثيف جهود المجتمع الدولي من أجل السلام والتسامح والاندماج و التفاهم و الأخوة». و تم التأكيد بالمناسبة «بأن المبادرة الجزائرية هي ثمرة مسار طويل قامت به الجمعية الدولية الصوفية العلوية التي شارك رئيسها الشرفي وشيخ الطريقة العلوية الشيخ خالد بن تونس في جلسة المصادقة على هذه اللائحة». هذا عن المبادرة , أما عن المسار , فإن الجمعية العلوية أرادت من خلال مسعاها , تنفيذ إحدى التوصيات الواردة في إعلان وهران المتوج لأشغال الملتقى الدولي الأول للأنوثة من أجل ثقافة السلم ؛ الكلمة للنساء» المنعقد بوهران بين 27و 31 أكتوبر 2014 بحضور 3200 مشارك يمثلون 25 جنسية , و قد نصت التوصية المذكورة على «العمل مع الأممالمتحدة لإعلان يوم عالمي للعيش معا في سلام». و حسب الموقع الترويجي للمبادرة فإن البيانات القانونية تنسب منشأها إلى الجمعية الدولية لطريقة الصوفية العلوية و الهيئات التابعة لها ,كحركة الكشافة الإسلامية بفرنسا, و مؤسسة جنة العارف ,و لخص الشيخ خالد بن تونس رسالتها في قوله: « إن الخوف من الآخر يغذي التعصب. ثقافة «كلّ واحد لنفسه» تؤدي إلى نزاعات سياسية واجتماعية وبيئية تضر بالإنسانية جمعاء. من المهمّ جدا للعالم أن تبرز رؤى جديدة. علينا أن نفتح، عبر الفن والثقافة و التربية والعلوم والاتصالات والروحيات، مسارا جديدا لثقافة السلام. اليوم العالمي للعيش معا هو مشروع مستقبل حيث الهدف هو التجمع دون التشابه، وهو التجمّع من أجل التوحّد». و قبل القرار الأممي , مرت المبادرة بعدة مراحل تمحورت حول إنشاء جائزة الأمير عبد القادر من أجل تشجيع و ترويج ثقافة العيش معا و التعايش السلمي في حوض البحر الأبيض المتوسط و العالم , و الإعلان عنها في دار اليونسكو بباريس في حضور أحد أحفاد ألأمير في 29 سبتمبر 2015, و في مرحلة موالية تم التأسيس الرسمي للجائزة و وضع نظامها الداخلي بمستغانم في إطار مهرجان اليوم العالمي للعيش معا المنظم يومي 22 و 23 نوفمبر 2015. و في نفس الإطار تم توقيع بروتوكول اتفاق باريس بمدينة غريس بولاية معسكر تحت شجرة الدردارة موقع مبايعة الأمير يوم 27 نوفمبر من نفس السنة , و يومين بعد ذلك تم عرض الجائزة على الصحافة بالجزائر العاصمة , و تقرر تسليم أول طبعة منها بمقر الجمعية العلوية بمستغانم يوم 21 سبتمبر 2016 بمناسبة اليوم العالمي للسلام... و رغم أن المبادرة تقدمت بها جمعية دولية للتربية الصوفية مصنفة كمنظمة دولية غير حكومية استشارية لدى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي للأمم المتحدة , إلا أنها وجدت من يعرقل تمريرها للمناقشة من طرف الجمعية العامة , بل رفض صراحة الممثل السامي لمنظمة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة دعم البادرة بحجة أنه لا يدعم التيار الصوفي ؟ و لذا كان لابد من تدخل الدبلوماسية الجزائرية لإزالة مثل هذه العوائق من طريق المبادرة التي لخص بيان الأممالمتحدة قرار الجمعية العامة الأممية بخصوصها بتأكيده أن:«العيش معًا بسلام هو أن نتقبل اختلافاتنا وأن نتمتع بالقدرة على الاستماع إلى الآخرين والتعرف عليهم واحترامهم، والعيش معًا متحدين في سلام.وأعلنت الجمعية العامة بموجب قرارها رقم 72/130 يوم 16 ماي يومًا عالميًا للعيش معًا في سلام، مؤكدة أن يومًا كهذا هو السبيل لتعبئة جهود المجتمع الدولي لتعزيز السلام والتسامح والتضامن والتفاهم و التكافل، والإعراب عن رغبة أفراد المجتمع في العيش والعمل معًاً، متحدين على اختلافاتهم لبناء عالم ينعم بالسلام وبالتضامن وبالوئام.ويمثل هذا اليوم دعوة للبلدان لزيادة تعزيز المصالحة وللمساعدة في ضمان السلام والتنمية المستدامة، بما في ذلك العمل مع المجتمعات المحلية والزعماء الدينيين والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، من خلال تدابير التوفيق وأعمال الخدمة وعن طريق التشجيع على التسامح والتعاطف بين الأفراد». و هو المضمون الذي توزع على 12 حيثية تذكر بأدبيات و مرجعيات وقرارات سابقة في نفس الإطار , إضافة إلى 7 بنود تدعو المجتمع الدولي بكافة كياناته إلى الاحتفال بهذا اليوم العالمي الذي جاء ليدعم اليوم العالمي للسلام المحتفى به يوم 21سبتمبر من كل عام و اختير له هذا العام موضوع''الحق في السلام — 70 عاما منذ إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان‘‘, و لم تشر لا حيثيات القرار و لا بنوده إلى الجهة المبادرة , و لا سبب اختيار يوم 16 ماي بالذات يوما عالميا للعيش معا . أما أسباب إقرار هذا اليوم الإضافي احتفاء بالسلام فقد أجملها صاحب المبادرة الشيخ خالد بن تونس في هذه العبارات «إن الأحداث الأخيرة أظهرت لنا مدى احتياجنا إلى خلق ثقافة السلام هاته وحتى نتعلم كيف نعيش معا. إن يوما عالميا للعيش معا لن يحلّ كل شيء، وإنما هو، في اعتقادنا، مَعْلَم مفيد ومهمّ من أجل أن نعرف أنفسنا ونعترف ببعضنا في دائرة الأخوة الإنسانية، في تعاون وتآزر بعضنا مع البعض وليس في معارضة بعضنا ضد البعض الآخر». غير أن العامل الأبرز في اعتقادنا , يكمن في الصراعات المزمنة بين التيارات الدينية في العالم الإسلامي لا سيما بين السنة و الشيعة و تفرعاتهما , و ما نجم عن ذلك من تطرف يهدد السلام في كل مكان , و لذا كان من البديهي أن يمنح المجتمع الدولي فرصة للتيار الصوفي الذي يستقطب 250 مليون مريدا عبر العالم (و هو عدد لم ينعكس خلال جمع التوقيعات لدعم المبادرة), كي يقدم مساهمته لبناء عالم العيش معا في سلام , شريطة أن يُفعِّل مريديه و أموالهم , لأن القرار الأممي حرص على النص بأن تمويل التظاهرات المنظمة لإحياء الأيام العالمية يتم عن طريق التبرعات. «فالحرب كانت دائما ثرية و السلام فقيرا»...و تجارب الجوائز العالمية لم تجلب السلام للشعوب .