يقول الشاعر : متى يبلغ البنيان يوما تمامه +++ إذا كنت تبنيه و غيرك يهدم ؟ إنه البيت الشعري الذي قد يجيب بتشاؤم على التساؤل حول ؛ متى الخروج من نفق الأزمة السياسية التي بدأت منذ قرر الرئيس السابق الترشح لعهدة رئاسية خامسة استجابة لأحزاب الموالاة و من والاها من منظمات المجتمع المدني ؟ و هو القرار الذي أطلق شرارة الحراك الشعبي يوم 22فبراير الماضي , رفضا للعهدة الخامسة استجابة لدعوات مجهولة المصدر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن تأخر رئاسة الجمهورية في التجاوب مع مطلب الحراك «الوحيد» , و زخم المشاركة الشعبية في أول جمعة من الحراك , و التحاق العديد من الفئات النخبوية به , كل فئة أطلقت «حراكا» خاصا بها و يوما محددا لمسيراتها , و مطالب تميزها عن غيرها من الفئات , كل هذه المستجدات , جعلت الحراك يرفع سقف مطالبه ابتداء من الأسبوع الرابع , بإضافة مطلب «رفض تمديد العهدة الرابعة» , ردا على تراجع الرئيس عن الترشح للعهدة الخامسة , و اقتراحه فترة انتقالية لتنفيذ خريطة طريق لتغيير سلس لنظام الحكم . و استمرت التجاذبات بين الطرفين , إلى ما بعد الجمعة السادسة , التي جاءت بشعار «يتنحاو قاع» الذي لغَّم مستقبل الحراك , مستبقا استقالة الرئيس و تخليه عن الحكم , و ما صاحبهما من إجراءات انتقالية , تخص تعيين الحكومة الانتقالية و رئيس الدولة , التي قوبلت شعبيا برفض «الباءات الثلاث», و ما يصدر عنها من إجراءات , كندوة الحوار و التشاور حول تحديد آلية للإشراف و تنظيم انتخابات رئاسية , أو الدعوة إلى إجراء هذا الاستحقاق و تحديد تاريخه . و هكذا اضطر جزء من الحراك إلى تبني مطالب أحزاب المعارضة , الداعية إلى حل سياسي بدلا من الحل الدستوري الذي لا يلبي حسبها مطالب الشعب في رحيل كل رموز النظام السابق , ليبدأ السجال بين المؤسسة العسكرية المدعمة للحل الدستوري , و بين المتمسكين باعتماد الحلول السياسية , و هي السجالات المستمرة من جمعة إلى أخرى , بين الطرفين , بظهور في كل مرة مبادرات «كمبادرة الشخصيات السياسية الثلاثة « و مبادرة «العلماء الجزائريين» مؤخرا , لكن كلها مبادرات تنهل من خلفيات سياسية تعود إلى حقبة صراع المجموعات على حكم الجزائر المستقلة , و التي تعود جذورها إلى خلافات شخصية بين القادة التاريخيين لثورة التحرير الوطني , و هو ما توحي به بعض الشعارات التي يدفع بها أصحاب هذه الخلفيات لترفع خلال المسيرات , مثل «ديقاج» بمعنى «ارحل» , و «الجزائر حرة ديمقراطية» و «الجمهورية الثانية» و « الباءات الثلاث» و كلها شعارات مترجمة عن اللغة الفرنسية «المسيطرة في تلك الفترة « , بينما يرفع ذوو الخلفيات المعاكسة شعارات مثل «الجزائر جمهورية نوفمبرية» و « الجمهورية الجديدة « و « جمهورية باديسية لا باريسية « أو «نحن أبناء باديس لا أيتام باريس « ... و غيرها من الشعارات التي تكشف أن الرهان لا يقتصر على تغيير نظام سياسي بآخر , و إنما الصراع لفرض توجهات تخالف المرجعيات الحضارية و الروحية و الوطنية لغالبية الشعب الجزائري . و مثل هذا الرهانات هي التي تحول دون الخروج من النفق السياسي الذي أدخلنا فيه النفاق السياسي للأقلية الإيديولوجية , التي لا يخدم مصالحها سوى ظلام الأنفاق , و مصالحها ليست في التمكين «لمبادىء ثورة نوفمبر ولأفكار بن نابي وابن باديس ولمسيرة الأميرعبد القادر وبن بو العيد وهواري بومدين و بن بلة و غيرهم ممن ناضلوا لبناء دولة لا تزول بزوال الرجال , دولة تقف وقفة الند للند في وجه فرنسا الاستعمارية , و أيتامها في الجزائر . و بين هؤلاء و أولئك , على الحراك اختيار خندقه , نأمل أن يوفق في اختياره ليؤكد بأنه يسعى فعلا إلى تحرير الشعب من القيود الإيديولوجية التي كبحت على الدوام تقدمه, و ليؤكد أن الخروج من النفق ممكن و يرد كما رد أحد الدعاة على الروح التشاؤمية التي تضمنها البيت الأول , بروح التفاؤل قائلا : بلى يبلغ البنيان يوما تمامه +++ إذا كنت تبنيه و عزمك صارم . أو حاسم , أو حازم ... خاصة إذا علمنا أن البيت الأول ينسب إلى بشار بن برد ,و هو شاعر كفيف عاش حياته سجين «ظلام» , أحلك من ظلام أنفاق «خفافيش» الإيديولوجية , التي يكفي تسليط الضوء على خططها لكشف حجمها للرأي العام.