أسدل الظلام ستائره واجتمعت الغمائم تحتضن بعضها في رحم السماء بليلة قمراء هادئة، فراحت تلك الصبية مسرعة لإقفال الأبواب والنوافذ و أحكمت إغلاق أغلال قلبها حاولت إيقاف نبض متسارع يقرع طبول فؤادها، فيخنق صدرها ويركن كالغصة في حلقها ، لم تمر إلا دقائق معدودة حتى راحت دموعها تتساقط كنجوم متلألئة براقة تتدحرج على ملامح وجهها الذي يفضح ندوب حياة قاسية عاصفة أحداثها، حبست كلماتها وأعدمت صراخا يتعالى داخلها ، أطفأت الأنوار وجلست بمخدعها تتراءى أمامها ذكريات جميلة تفتقدها، تزورها بين الفينة والأخرى ، تمنعها من تطليق ماض أصبح الآن يستفزها. فمع كل دقة ساعة ونسمة هواء يأتي طيفه كي يداعب مخيلتها، ويشيع جثمان فرحها وسعادتها، يذكرها بحب أبدي خالد يسكن روحها ويستوطن بمهجتها، عشق يجعلها تسمع صدى أصوات عذبة تناديها وتناجيها ،حاولت بكل قوتها وعزيمتها أن تنسى شعورا يصارع كبرياءها وغرورها ، لكنه في كل مرة يجعلها تتهاوى كورقة شجرة خريف مصفرة انقضى عمرها، كزهرة خجولة صغيرة بتلاتها ، تنتظر جرعة ماء عذب يروي عطشها ، اشتياق صارخ يضوج بقلبها ، دفعها لأن تخرج مهرولة لاحتضان حلم يراودها ، ركضت بكل شوق فتسارعت أنفاسها وتغيرت إحداثياتها ومعالمها ، اتجهت نحو حب ظنت أنه ينتظرها ليعزف سمفونية عشق لطالما تغنى بها، لم تجد نفسها إلا وهي تطرق أبواب الماضي الذي ظل يلاحقها ، بوجه شاحب وجسد منهك وقلب مرهف مرهق وشعور متمرد يدفعها نحو حافة جبل شامخ قد يعترف بحبها، انتظرت عند الباب برهة قصيرة كي تعيش لحظة حضور جميلة تحتويها، فإذا بامرأة حسناء ناعمة تقابلها ، فصدمت و جثمت مكانها وكأن تعويذة سحر ألقيت على روحها ، تسمرت مصدومة تحاول فك لغز محير يتراقص أمامها ، سر غامض يوقظ فضولها و يعدم توقها و ولهها ،فعادت أدراجها مودعة حبا خادعا قد تنصل منها ، عشق ضبابي هلامي صافح يوما شغاف قلبها، فانتهت رحلتها الطويلة بخيبة أمل صاعقة قاتلة لكل ذرة حب داخلها، خيبة أخمدت ألسنة نيران ملتهبة حرقت حبا مرتعشا احتضن واقعها .