العدد( 2) مما قرأت وأعجبني رائع جداً يقول الدكتور راتب النابلسي :- طبعا مع شيء من التصرف قمت به . توقفت كثيرًا في سورة يس، فوجدت فيها أمرًا ربما لا نلتفت إليه كثيرًا ... ترتبط سورة يس بالموت ... وغالبًا ما تجد أهل المتوفي يعكفون على قراءة سورة يس يوم الوفاة، لعل الله ينفع بها الميت ، والأوفياء منهم يواظبون عليها عدة أيام بعد وفاة عزيز عليهم. ولا شك أنّ القرآن خير كله وبركة كله. لكني ألتفت إلى أمر مهم في سورة يس .... قال الله عن القرآن الكريم فيها ( لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حيّاً ) ولم يقل لينفع من كان ميتًا ، !!! لست أناقش هاهنا موضوع انتفاع الميت بقراءة الحي للقرآن، ولكني ألتفت إلى أننا أغفلنا الحكمة الأعظم من القرآن ( لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حيًا )، ثم جعلت أتسائل ... كم مِنّا من الذين قرأ سورة يس وانتفع بها ؟ ، كم مِنّا من تعلم منها ولو معنى واحد ؟ كم منا من أثرت في حياته وغيرت منها شيئًا ؟ هؤلاء الملايين الذين يقرأونها كل يوم .. ما صنعوا بها ؟ ماذا غير في حياتهم القرآن؟ ثم سألت نفسي ... ماذا صنعت أنت بها ؟ .... ووقفت قليلاً أتدبر السورة ، حقيقة لفت انتباهي فيها آيات كثيرة ، لكنّ أبرز ما لفت انتباهي هي قصة القرية التي جاءها المرسلون، لعل أكثرنا يعرفها ، لكن الذي استوقفني فيها شيء أدهشني.. في القصة أنّ رجلاً من القرية اقتنع بما يدعو إليه المرسلون ، وقام ملهوفًا على قومه ( من أقصى المدينة ) ، جاء يحاور قومه ويدعوهم إلي ما اعتقد أنه سبيل الفوز والسعادة ، جاء يحمل الخير لهم ، جاء فزعًا إلى لفت انتباههم، جاء بخطاب يمس العاطفة فيستميلها ، ويخاطب العقل فيقنعه!!! وكانت المفاجأة مفزعة للغاية، كافأه قومه بأن قتلوه ،مباشرة، ولم يتركوا له فرصة، إنها ليست قتلة عادية ،!!!! بل بطريقة حقيرة رديئة دنيئة لا يزاولها إلا حيوان بريٌ ،لم يعرف شكلاً إلى التهذيب والتربية ... تروي التفاسير أنّ قومه قاموا إليه فركلوه بأرجلهم ،ورفسوه ،حتى خرج قَصُّهُ ( عظمة القص تصل ما بين الأضلاع ) من ظهره. سبحان الله، كالحيوانات..تماما. ثم يدهشك ما سيحدث بعد ذلك ... يخبرنا القرآن أنّ هذا الرجل لما مات، قيل له ( أدخل الجنة ) ... الله لكن ،لو كنت أنا مكانه لفكرت على الفور « ياربي والذين قتلوني!!! ألن تنتقم لي منهم ؟ ألن تعذبهم ؟ يارب سلط عليهم حميرًا ترفسهم حتى يموتوا « كما فعلوا بي أنا ورفسوني.... لكن الذي أدهشني هو نفس الرجل العظيمة ، تمنى الخير لقومه ،بعد كل ما حصل منهم !!!!! ( قال ياليت قومي يعلمون - بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) ما أعظم نفسه!!!! ،وما أوسع صدره!!!!، حقيقة توقفت كثيرًا أمام هذه النفسية العظيمة ، نفس رحبة واسعة جدًا ، حتى أنها لم تحمل ضغينة على القتلة ، ولم تحقد عليهم،!!!بل على العكس ، كانت أول أمنية له فور أن بشر بالجنة، لو أن هذا المجتمع القاسي الذي قابل الجميل بالقتل ، لو أنهم يعلمون حسن المنقلب عند الله ، لو أنهم يطلعون على الخير الذي أعده الله للصالحين ( يا ليت قومي يعلمون ) ..أدهشني حرصه على الخير لقومه،!!!! مع ما واجه منهم من قسوة ،وجفوة، وغلظة. أدهشني تمسكه بالرغبة في إصلاحهم، مع ما تبين من عنادهم، وجحودهم،وقسوتهم، أدهشتني همته في دعوتهم للخير ،وقسوتهم علية، ثم سماحته ،وعفوه ،وعدم التفاتته إلى سوء فعلهم . أدهشني حبه الخير للآخرين ، حتى من آذوه... أدهشني أن تكون أول أمنية له، !!!! لو أنهم يعلمون... وبعد أيامٍ ، وقفت من سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على موقف مشابه ، رحلة الطائف ، ويأتيه ملك الجبال بعد أن آذوه أهلها، لو شئت أطبقت عليهم الأخشبين « ... فيجيب ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) الكبار وحدهم هم الذين يتحملون سفاهة الناس ، من أجل هدف أسمى ... هو إصلاحهم الكبار وحدهم هم الذين لا يعادون أحدًا انتقامًا لأشخاصهم الكبار وحدهم هم الذين تكون أمنياتهم، نشر الخير الكبار وحدهم هم من يتقبلون دفع ضريبة حمل الإصلاح للناس مهما غلا ثمنها، الكبار وحدهم هم الذين لا يعرف عامة المجتمع أقدارهم ..... اللهم اجعلنا من اصحاب النفوس الكبيرة ... من أصحاب النفوس المتسامحة، من أصحاب النفوس التي تعفو وتغفر ،،، لأن إذَا مَاتَ القَلْبُ.. ذَهَبَتِ الرًحمَة، وَإذَا مَاتَ العقْلُ ; ذَهَبَتِ الحكْمَة ، وَإذَا مَاتَ الضًميرُ وقست النفس ; ذَهبَ كُلُ شَيء ...