السينما هي قبل كل شيء لغة و خطاب و فن و علم ظهرت تاريخيا على يد الإخوة» لوميار: أوجست و لويس» «Les frères Lumière « الفرنسيين بفضل اكتشاف جهاز السينماتوغراف مع مطلع القرن التاسع عشر، و كانت الجزائر من بين البلدان الأولى في استقطاب التقنية بحكم الاستعمار الفرنسي الذي أدخلها للترفيه و الدعاية، و تعرف سينما تلك المرحلة بالسينما الكولونيالية ثم تلتها السينما الثورية التي أنشأتها جبهة و جيش التحرير الوطني بالتعاون مع المخرج الفرنسي اليساري صديق الثورة التحريرية « «روني فوتيه « و « بيار كليمون « على تأسيس خلية سينمائية للتعريف بالقضية الوطنية و الكفاح المشروع للجزائريين عبر المحافل و العواصم الدولية. و ضمت خلية الإنتاج السينمائي آنذاك مجموعة من السينمائيين أمثال « جمال شندرلي و محمد لخضر حمينا و أحمد راشدي و علي جناوي و غيرهم...» و يمكن تصنيف هذه السينما كسينما قبلية ولدت من رحم الثورة ولادة عسيرة و لعبت دورا تحسيسيا كبيرا في الدعاية و التوثيق للثورة التحريرية المظفرة حيث كانت الصور الأولى المسربة إلى الخارج من طرف « شندرلي « سببا في اعتراف أمريكا بحق الشعب الجزائري في الكفاح المسلح، و أن ما حققه أول شريط بثته « السي بي ياس» الأمريكية سنة 1956 لم تحققه سنوات طويلة من النضال و الكفاح كما جاء على لسان الفقيد « عبد الحميد مهري «. أطلق النقاد السينمائيون تسمية السينما البعدية على الفن السابع و هي المرحلة التي تبدأ من 1962 إلى يوم الناس هذا. و قد حظيت السينما الجزائرية باهتمام كبير من طرف السلطة السياسية و احتلت مكانة مرموقة على المستويات المحلية والعربية و العالمية. عكست سينما الستينيات والسبعينيات رؤية وأهداف الثورة و مبادئها و قد عبرت عن أيديولوجية الدولة و توجهها الاشتراكي، التي كانت تمول المشاريع السينمائية و استحدثت لها عددا من الدواوين و المراكز كالوكالة الوطنية للأحداث الفيلمية « أناف» و الديوان الوطني للصناعة و التجارة السينماتوغرافية « Oncic» و المؤسسة الوطنية للإنتاج السمعي البصري Enpa»» و المركز الجزائري للفن و الصناعة السينماتوغرافية « Caaic» و قد اعتبرت العشرية الممتدة بين سنوات 1970-1980 فترة رائدة بامتياز للسينما الجزائرية على المستويين العربي و الإفريقي. ارتبطت السينما الجزائرية بالواقع التاريخي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي للجزائر و قد نالت جوائز قيّمة و احتلت مراتب متقدمة في المهرجانات السينمائية الدولية على غرار مهرجان « كان « الذي اختير فيه فيلم « وقائع سنين الجمر « للمخرج المخضرم» لخضر حمينا « سنة 1975 لنيل السعفة الذهبية و أفلام أخرى من قبيل « معركة الجزائر « و غيرها من المنتجات الرائدة التي صنعت مجد السينما الجزائرية. لكن هذا المسار الحافل للسينما الجزائرية و هي في أوج عصرها الذهبي سوف يتقهقر و يتذبذب هبوطا و صعودا بسبب عوامل و مشاكل و أزمات مر بها الفيلم الجزائري. بدأ السقوط الحر للسينما الجزائرية مع بداية الثمانينيات و هي بداية مرحلة الردة هكذا ينعتها النقد السينمائي، و التي شهدت هجرة جماعية لفنانين و مخرجين جزائريين بسبب انقطاع تمويل الدولة للمشاريع الفيلمية و الرقابة على الأفكار التي اعتبرها المخرجون مضايقات تحد من آرائهم واتجاهاتهم و لعل أبرزها تلك الجدلية بين الواقع السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي للجزائر في مرحلة التسعينيات و المراحل التي تلتها. و إذا كانت الهجرة مبررة بسبب حل المؤسسات السينمائية المدعمة لإنتاج الفيلم وقلة التمويل العمومي أو انعدامه، فهذا لا يعنى أن التمويل الأجنبي لأفكار و مشاريع المخرجين الجزائريين بريء بل هناك فضاء تسيطر عليه مدونات و أطروحات و أفكار أجنبية تفرضها الدوائر الممولة لتحقيق أجندة سياسية ثقافية و اجتماعية على المتلقي الجزائري. جاء ميلاد كتابة الدولة للصناعة السينماتوغرافية في الظرف المناسب حيث كانت السينما الجزائرية قبله تحتضر لولا بعض الإنتاجات التي حافظت على استمرارية الأنفاس الأخيرة لها. و لعل من مهام كتابة الدولة للصناعة السينمائية و وزارة الثقافة هو محاولة إحياء و تحديد هوية السينما الجزائرية في سياق الألفية الثالثة و انعكاسات الواقع و الظروف العامة عليها باعتبار الوسيط السينمائي « الفيلم « وثيقة اجتماعية تساهم في رسم قوانين ديناميكية المجتمع في ظل التحولات العالمية التي سيطرت فيها الثقافة الجماهيرية المعولمة على المشهد الثقاقي للشعوب الهشة قصد تفتيت ثقافاتها المحلية و ضرب قيمها و إضعاف عاداتها و تقاليدها التي تتشكل منها الهوية المحلية الوطنية. لذلك كانت السينما من أقوى الأسلحة الفكرية التي نفذت إلى عقول الجماهير، و ليست وظيفتها أن تزودنا بمعرفة للعالم فحسب و إنما تخلق أيضا القيم التي نعيش بها. أما البعد الثاني الذي تشتغل عليه كتابة الدولة للصناعة السينماتوغرافية هو طمأنة صناع الفيلم بوجود إرادة سياسية من طرف الدولة و سن القوانين المشجعة للإنتاج و التوزيع السينمائي و السهر على متابعته مرحلة بمرحلة. نحن نعلم أن الصناعة السينمائية تقوم على ثلاثية الإنتاج و التوزيع و العرض كما هو الحال في البلدان ذات التقاليد السينمائية، فهي أيضا تسقط ثم تنهض من جديد كما حدث في هوليوود بأمريكا في أزمة 1950 ، و في أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى و الثانية. فإذا كان الإنتاج السينمائي ضعيف في بلادنا فهذا يعني أن هناك حلقة ضعيفة ضمن سلسلة الحلقات المذكورة سابقا بحيث أن قضية التوزيع في الجزائر مغيبة تماما بعدما كانت مقتصرة على الدولة بمفهوم الاحتكار، فقد آن الأوان لإسناد عملية التوزيع للقطاع الخاص مع امكانية الإستثمار في استوديوهات الإنتاج السينمائي لذوي التخصص و المبدعين من الشباب و أصحاب المال. أما قاعات العرض» 450 قاعة « تقريبا فقد تراجع عددها بسبب الإهمال و الضرر المادي الذي لحق بها و صارت ملجأ للمتشردين و في حالات أخرى تحولت إلى مآرب لا علاقة لها بالبث و العرض، و تجدر الإشارة إلى المنازعات القانونية بسبب الملكية و أحيانا أخرى بين مصالح الثقافة و البلديات حول أولوية تسيير قاعات العرض التي تنتشر بالمئات عبر ولايات الوطن وسط المدن و في الأحياء الشعبية. نحن نقدر النوايا الخالصة للمسؤولين على القطاع لكن هناك عدد ضئيل من هذه القاعات يشتغل بصعوبة كبيرة و أغلبها مغلقة منذ التسعينيات رغم كونها مصدرا مهمّا للدخل القومي خارج المحروقات. و ما وجد من هذه القاعات هو هياكل بدون روح لا ترقى لمستوى العرض الذي يؤسس للثقافة السينمائية رغم ملايير الدينارات التي صرفت لترميمها. و لإعادة بعث الشاشة الكبيرة من جديد يجب مراجعة الخلل الذي عطلها بكل موضوعية و إصلاحه و تأسيس بنك تمويلي للسيناريوهات و المشاريع السينمائية – تسهيل الاستثمار السينمائي الخاص كقطاع مكمل للقطاع العام- العمل على تفعيل مفاهيم الإنتاج و التوزيع و العرض – التركيز على تكوين الشباب على المستوي الأكاديمي و دعمهم من خلال إنشاء صناديق و ورشات مع مضاعفة المهرجانات المحلية و الوطنية و الدولية التي تعتبر خزانا لتفريغ الطاقة الإبداعية.- إقامة مشاريع سينمائية مشتركة لاكتساب الخبرات و تجارب الآخر- إعادة تفعيل قنوات الإتصال بين الأدباء و كتاب السيناريو و السينمائيين- وضع بطاقية سينمائية لمحترفي الفن السابع مع تحديد شروط تسلميها و سحبها في حالة عدم التزام المنتج السينمائي بدفتر الشروط – تأسيس مركز وطني للسينما و إعطائه الصلاحيات الملائمة للتسيير . كخلاصة نشير إلى البعد التأثيرى و التواصلي الذي تلعبه السينما الأجنبية التي تقوم بصناعة الفرد من خلال مشروع ثقافي تبنى عليه مجموعة من الأطروحات كالعولمة و نمط الحياة الغربية و التشكيك في قدرات الآخر و تشويه صورة العرب و المسلمين، كان بالأحرى أن تقوم به السينما الوطنية كفكر و فن و صناعة و تجارة. و تبدو الأهمية الإقتصادية للسينما من خلال مجموعة كبيرة من الصناعات و الحرف الأخرى التي تصل إلى خمس و سبعين حرفة و مهنة، فهي بذلك مصدرا لجلب الثروة و خفض نسبة البطالة في المجتمعات.