«يا بيروت ..يا بيروت .. يا بيروت .. يا ستّ الدنيا يا بيروت .. نعترفُ أمام اللهِ الواحدِ الأحدِ نعترفُ ..أَناَّ كُنّا منكِ نَغَارُ..و كان جمُالكِ يُؤذينا .. نعترف الآن .. بِأنّا لم نُنصفكِ و لم نَرحمكِ ..بأنّا لم نَفهمكِ و لم نَعذُركِ و أهديناكِ مكان الوردةِ سكّينَا ....نعترفُ أمام الله العادل بأنّا أَحرقناكِ و أبكيناكِ ..و حَمّلناكِ أَيَا بيروت معاصيناَ ....قٌومِي مِنْ تحتِ الرَّدمِ ..قُومِي مِنْ تَحْتِ الرَّدْمِ ...». هي قصيدة من روائع نزار قباني...التي قيل أنها كانت إحدى الشرارات التي أشعلت حرب 67 وهي ما سميت بالنكسة....و هي أيضا أغنية حفظناها عن ظهر قلب و بإتقان شديد عشية حفل المطربة ماجدة الرومي بقصر الرياضة بوهران سنة 1997..سلاما للبنان و تِرحابا بماجدة التي تحدّت الصعاب والعراقيل لتقبل دعوة الجزائر بزيارتها آنذاك لما كان الإرهاب يُمزقنا و الدّمار يلاحقنا ،فكان يهابنا الآخرون و يأبوْنَ أن يحطوا بديارنا... لكن ماجدة ما تزال تعترف رغم مرور أزيد من 23 عاما على هذا الحفل المشهود أنهّ كان من أجمل و أنجح حفلاتها بالوطن العربي .. وهي التي حذّرتها عائلتها وأحباؤها من الذهاب إلى الجزائر في تلك الظروف القاسية التي كنا نمر بها ...استقبلها الجزائريون استقبالا كبيرا وعظيما وامتلأت قاعات الحفلات التي غنت بها بأضعاف المتذوقين لفنّها والمحبين للبنان الشقيق ..و أكثر من ذلك اكتشفت ماجدة جمهورا وشعبا يحفظ أغانيها و يرددها بسلاسة و هو الشعب الذي قالت ماجدة «أنهم نسبوا له بهتانا ولفقوا له كذبا أنّه شعب لا يجيد العربية و يتكلم بالفرنسية و لا يتبع من الأغاني و الفنّ إلا ما هو فرنسي ؟؟؟؟». ماجدة انبهرت بالحفل الذي افتتحته بأغنية «يا ست الدنيا يا بيروت...» ولم تتمالك نفسها و هي تترك الميكروفون للجمهور لينُوب عنها في أول خرجاتها إلى الجزائر ..فخَرَّتْ ساجدة لهذا الجمهور الجزائري الذي ردد أغانيها بلغة عربية أكثر سلامة و فصاحة مما شهدته في دول عربية أخرى ..و هي الأمسية التي قمتُ مُفتخرة ومُعتزة آنذاك و أنا في بداية سنّ الشباب بتغطيتها لجريدة الجمهورية, و أتذكر في أول لقاء لي بماجدة كلمتها الشهيرة,,»جَايّاَ أحبكم « و كان ذاك عنوان أول مقالاتي عن ماجدة .. و هكذا ربحنا نحن والجزائر و ماجدة أحد الرهانات التي تحدينا بها الإرهاب الأعمى الذي كاد يسرق مِنّا الوطن و الحلم في الحياة .. و ها هي جوارحنا و خوالجنا و أعماقنا تُردد.. «يا بيروت يا ست الدنيا يا بيروت..» و نواصل ...قُومِي مِن تحتِ الردمِ ..قومي من أجل الحبّ و من أجل الشعراء ..قومي من أجلِ الخبزِ و من أجل الفقراء .. وهي الأغنية التي أعادت بثها عديد القنوات العربية مباشرة بعد الإنفجار الرهيب و الضخم لمرفأ بيروت الذي تسبب في كارثة و فاجعة لم يَستفِقْ منها لبنان و لا نحن ولا العالم بعد .. ..نعترفُ يا بيروت أمام الله أننا و أنتِ تتألمين و تنزفين قد ذرفنا لأجلك الدموع و بكينا على حالنا و أحوال العرب ؟؟ ففي ذاكرة كل مِنّا لبيروت وَدٌّ يَأخدنا فيه الحنين للاعتراف بجمالها و صفائها، وفضولٌ يحملنا لاكتشاف أسباب شغف الناس بها ... فكنا نحلم كغيرنا بزيارة ست الدنيا هذه التي أنهكتها على مرّ عقود من الزمن الصراعات السياسية والاختلافات الطائفية.. حالها في ذلك حال أمتنا العربية الممزقة من المحيط إلى الخليج .. .. بكيناكِ يا بيروت من هول ما سمعنا و قد شبه الخبراء ما وقع لك بانفجار قنبلة هيروشيما وناكازاكي في اليابان التي مرت علينا أمس ذكراها ال 75 الأليمة .. يا للكارثة ويا للصدفة الغريبة.. ..الحصيلة رعب.. أزيد من 150 ضحية و130 ألف لبناني أصبحوا بدون مأوى وكلفة الدمار تتخطى 4 مليارات دولار .. ...قوة الانفجار قدرها الخبراء بما يعادل زلزال شدته 4.5 درجة عل سلم ريشتر .. دمّر أزيد من 3 كلم من المنطقة المحاذية لمرفأ بيروت ..وصل ضرره وشظاه إلى كافة العاصمة بيروت .. شعر به سكان قبرص التي تبعد عن لبنان 240 كيلومتر.. الكارثة كبيرة والفاجعة أكبر في لبنان اليوم ... تجعلنا نتساءل هل انفجار بيروت قضاء وقدر أم بفعل أيادِ دخيلة وخبيثة ؟؟؟ ...كما عادت ماجدة لتتغنى ببيروت ..عادت فيروز لنُردد معها ..«نحبك يا لبنان». فلكِ الله يا بيروت ولكل عواصم عالمنا العربي التي أكلها الدمار و الخراب لسبب أو لآخر و أصبحت كالرميم.... ...نعم المصاب جلل، لكن بيروت لا تنحني فالمخلصون من اللبنانيين قادرون على تجاوز المحنة.. كفانا بكاء و بالأمل والحب و العطاء ستزهر بيروت من جديد..