أعادني رحيل أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح إلى "مكتبتي القديمة " حيث "ذاكرة الزعماء " الذين رافقوا الثورة الجزائرية المجيدة ... اعتبروها ثورتهم .. و رمزا لصمودهم و إبائهم .. و عنوانا لمروءتهم و شهامتهم .. و من أمهات قضاياهم .. ..و انا أفتش في هذه "الذاكرة القديمة " التي كلها دروس وفخر ..عثرت على مآثر الرجل ومواقفه البطولية الشجاعة التي وَجُب نقلها بأمانة إلى أجيال الثورة والاستقلال .. .. لأنني قَلَّبت صفحاته قبل فترة ..و كان محتواه يستحوذ على مخيلتي ...فتشت عنه و وجدته قبل لحظات ..كُتَيِّبٌ بعنوان "الثورة العربية في الجزائر ...تدخل سنتها السادسة " .. .. مؤرخ " الكويت 1959 " من إعداد لجنة التبرعات لمجاهدي الجزائر " إلى هنا يكاد يكون الأمر عاديا ..لكن الذي جعله مبهرا و ملهما و خارقا للعادة أنّ رئيس " لجنة جمع التبرعات لمجاهدي الجزائر " الكويتية هو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الراحل ..كان آنذاك وزيرا للإعلام بحكومة الكويت الذي كتب له مقدمة و لا أوفى و ولا أروع (سأرفقها لكم بأمانة ) اختصرت خصال الرجل و تقديره للجزائر و الثورة و عبرت عن مساندة الشعب الكويتي للجزائر و مؤازرته لثورة الشهداء و هو الشعب الذي رغم وجوده آنذاك تحت الحماية البريطانية إلا أنه آثر الوقوف مع الجزائريين و مع الثوار ...كتب الراحل الصباح حروفا جميلة في حق الثورة الجزائرية الرمز و الفخر و السؤدد ، وهو الذي جمع لها أكثر من 150 مليون دولار ( و المبلغ في وقته كبير جدا ) ، كما تعدت حملة تحصيل التبرعات التي قادها الشيخ الصباح جمع المال إلى جمع الألبسة و الأغطية و الأغذية و كانت تُهيأ في حزم جميلة شبيهة بعلب الإهداء كتب عليها " هدية الشعب الكويتي للثورة الجزائرية " .. و يشهد التاريخ و يوثق بأحرف من ذهب أنّ المتبرعين الكويتيين ، تجارا و شعبا ، كانوا يتنافسون بينهم عمن يحظى بأكبر العطاء للثورة الجزائرية .. و هو ما جعل الأمير الراحل يُقدم على نشر قوائم المتبرعين في الجريدة الرسمية الكويتية ( كما هو موضح في الكتيب ) التي كانت آنذاك حديثة العهد بالإنشاء و لهذه الأسباب أيضا أصدر بيانا بهذه الجريدة لشحن همم الكويتيين ناحية الجزائريين و إيقاظ فيهم النخوة العربية.. ..هي ذي الكويت وهو ذا المجتمع الكويتي الذي عرفته مرحابا مضيافا محبا للجزائر في ملتقى الإعلام العربي ، شهر ماي 2016 ، و هو المؤتمر الذي يشرف عليه الإعلامي البارز ماضي الخميس الذي تربطه بالجزائر علاقة وطيدة وألف لهذه العلاقة كتبا تؤرخ و توثق لها ..و هي الزيارة التي التقيت فيها بعدد من الوجوه الكويتية البارزة منها الشاعرة الشهيرة سعاد الأحمد الصباح. و إليكم مقدمة الكتاب بما حوت و ما رحُبت .. " بمناسبة دخول الثورة العربية في الجزائر سنتها السادسة ، يسرني أن أقدم باسمي و باسم الكويت تقديري لشعب الجزائر العربي ، هذا الشعب الذي عشق الحرية ، و قدم ما لم يقدمه شعب في سبيلها ، قام هذا الشعب بثورة تعتبر معجزة من المعجزات التاريخية : خمس سنوات من الصمود أمام إحدى الدول الأربعة الكبرى ، أمام جيش يعتبر من أعظم الجيوش قوة و خبرة و تسلحا ، خمس سنوات بدأها بثلاثة آلاف من الرجال المسلحين بأسلحة عتيقة ، ثم أصبح له في نهايتها جيش قوامه ما يزيد على مئة ألف مجاهد ، ممتازي التدريب ، شديدي المراس . أصبح للجزائر جيش ينازل مليون جندي فرنسي بأساطيلهم الجوية و البحرية و البرية ، و ينزل بهم في كل يوم الهزائم تلو الهزائم . لم يحدثنا التاريخ عن ثبات كثبات شعب الجزائر العربي . احرقت دوره ، هدمت قراه اغتيل من أبنائه ما يقرب من مليون شهيد ، اتخذت معه أبشع الوسائل التنكيلية و الإبادة التي عرفها تاريخ البشرية ، و هو لا يزال صامدا كالطود الشامخ ، يسخر بالأنواء ، و يهزأ بالأعاصير . إنّ أول تشرين الثاني ( نوفمبر ) – ذكرى اندلاع ثورة الجزائر – لهو عيد كل عربي من المحيط إلى الخليج ، إنه عيد البطولة و الفداء ، عيد الشهامة و المروءة ...و ليعلم إخواننا في الجزائر أنهم ليسوا وحدهم في الميدان ّ و إنما يقف إلى جانبهم كل عربي ، و شعب الكويت عن بكرة أبيه مستعد لأن يضحي بكل عزيز و غال في سبيل انتصار الجزائر .العربية . و إنّ شعبا كالشعب العربي في الجزائر ،أظهر هذه البطولات العظيمة ، و ضحى هذه هذه التضحيات الهائلة ، لهو جدير بكل مساعدة و تأييد من إخوانه أبناء الوطن العربي " و الله ولي التوفيق إمضاء صباح أحمد الصباح رئيس لجنة التبرعات لمجاهدي الجزائر ..و بعد هذا العرض أترك لكلٍ منكم رأيه و تفسيره في زعيم عربي بامتياز ..و إن كنت أعتبر في رسالة عزاء الجزائر ما يرثي الرجل و يعطيه حقه ..و لا أبلغ مما قاله رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في برقية التعزية الموجهة إلى الشيخ نواف الجابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الجديد : "..و لقد فقدنا بتأثر عميق في هذا الرجل القائد الفذ الذي عرفناه من أولي النخوة والمروءة العربية الإسلامية الأصيلة . و عهدناه بمواقف كبار الحكماء المتبصرين و الغيورين على مجد و سؤدد العرب و المسلمين ، رمزا و عمادا للأمة العربية و الإسلامية . إننا اليوم نودعه وداع العظماء بحسرة و ألم إلى مثواه الأخير ، لتبقى مآثره و شيمه و مناقبه تضيء ليس فقط أرض دولة الكويت الشقيقة ، بل نبراسا منيرا يشهد على ما سعى إليه القائد الفقيد على دروب الإخاء ، و ما تميز به من تمسك بالمواقف المشرفة إزاء القضايا المصيرية للدولة ، و ما عرف عنه من مساع لا تنقطع في رأب الصدع و لم الشمل ...و ما انبرى إليه في محراب الصبر و المثابرة منافحا عن الانتماء العربي الإسلامي ..."