أن يعود التلميذ لمعلمه .. فذلك المُنى كله الذي دثّرته الدموع و العبرات .. وذلك حق المعلم في أن نُبجله ونُجِله.. هو اعتراف بمن نسجوا قصة وجودنا وتواجدنا في هذه المهنة .. ووسام شرف نتقلده بكل فخر واعتزاز، بفضل من ساعدونا في رسم مسار مهنة ما أصعب الولوج في غياهبها وهي تُغتال في زمن سُمي بالعشرية السوداء .. كدنا نفقد فيه .. كما فقدنا أحبة وأعزة تجاوزوا ال 100 صحافي... هو سرد لدهر ولجناه و نحن لا نعي إلا النّزر القليل من خبايا مهنة كالتي نتحدث عنها .. بحوزتنا حروف فقط وأمنية للوصول تماما كالمعلم.. وأمامنا تحدِّ لنصرة الوطن و التضحية من أجله .. أن أقف اليوم ( 21 أكتوبر 2020 ) كتلميذة أمام معلمي الأول المدير العام الأسبق لجريدة «الجمهورية» السيد كعوش محمد الذي استقبلني ذات يوم من نوفمبر 1992 بمكتبه مرحبا ومشجعا وناصحا .. وأن أهديه باقة ورد تكريما له في اليوم الوطني للصحافة، فذلك فضل آخر أحظى به وتكريم لي أنا شخصيا .. ..كنت أستعد للتخرج من الجامعة لما رمتني الأقدار آنذاك في أحضان جريدة «الجمهورية» ..أمتلكني الخوف والتخوف من مهنة لم أدرسها (فأنا خريجة مخابر الميكروبات والفيروسات و لم أحضِّر نفسي إلا لهذا التخصص).. استقبلني السيد كعوش وقال لي: «مستقبلك في الصحافة يا ابنتي بين حروفك تنسجه أصابع يديك لا غير» ..قلت هي فرصتي وما خاب من جرّب .. بوم ويومان ... وشهر وشهران ... وسنة وسنتان .. وأصبحتُ واحدة من عائلة جريدة «الجمهورية» نُسرّ بنجاحها متى نجحت ونرقى برقيها متى تحقق لنا ذلك... وكله بسبب رجال ونساء سبقونا إلى هذه المهنة .. تعلمنا منهم أبجديات العمل الصحفي الجاد .. كما تعلمنا منهم أيضا الوطنية و حب الوطن .. والسيد كعوش محمد من أولائك الذين رافقونا السير في هذا الركب .. أمدّ الله في عمره وبارك فيه و شفاه .. كان السيد كعوش محمد إعلاميا قديرا تعلمنا منه الكثير في المهنة و الأخلاق ..كان يقول للمُجيد أجدت و للمُصيب أصبت .. وكان يتحاشى تأنيب غيرهم من الصحفيين و يحفزهم على تجديد المحاولة ومعاودة الاجتهاد ليتفوقوا على من نازعوهم في الجودة والصواب.. وكان السيد كعوش محمد أيضا خلال كافة السنوات الستة (6) الأولى التي قضيتُها بجريدة «الجمهورية» وهي تحت تسييره إلى أن أحيل على التقاعد في 1997، نِعْم الأب أيضا و نِعْم المسير الذي حَفِظ وحافظ على المؤسسة الإعلامية وصحفييها وعمالها في أصعب وأعصب فترة شهدتها الجزائر .. هدَّدَنا كغيرنا من الزملاء، الدمويون الذين عاثوا في الجزائر فسادا وعذابا وتقتيلا.. لكننا بقينا واقفين وواصلنا الوقوف .. نودع حينا أحدنا إلى مثواه الأخير في جو جنائزي مهيب، أصبح من يومياتنا الدامية والمؤلمة وحينا آخر نؤازر بعضنا البعض لنقوى ونصبر ونتجلد وبالتالي نتغلب على الإرهابيين الذين شرعوا في تصفيتنا ووأد أحلامنا... و شيء من هذه الهِمّة و الأزر و العزيمة مدّنا به معلمنا السيد كعوش محمد ... وإذ نتذكر الإعلامي كعوش محمد في اليوم الوطني للصحافة وفضله على الإعلام في الجزائر في العشرية السوداء.. نتذكر من فقدتهم «الجمهورية «في هذه السنوات العجاف الدامية.. أتذكر وتتذكر «الجمهورية» بحرقة وحزن يوم 17 فيفري 1995 ..الطريقة الهمجية التي أغتال بها المجرمون زميلنا الصحفي جمال الدين زعيتر صبيحة يوم الجمعة ..يومها ذهب جمال الدين ليترحم على والدته بمقبرة قديل و برفقته أخوه و ابن أخيه ذو الأربع سنوات من العمر.. تراجع جمال الدين إلى السيارة هو وابن أخيه ليلهيه ببعض الحلوى، لكنه لم يتسن له ذلك لأنّ محشوشة الدمويين كانت سبّاقة إلى جسده لترديه قتيلا في الحين .. فدوَّت المصيبة في المكان وفي قديل و في الجزائر كافة ..و ب «الجمهورية» نصبنا بيت العزاء وبمصلحة حفظ الجثث بمستشفى بن زرجب ودعنا زميلنا وأخانا وصديقنا وهو الذي مزّقت المحشوشة صدره و بطنه و هو الملطخ وبدلته الزرقاء الأنيقة بالدماء و المُزيّن بحب الوطن ..و بنفس الألم ودعنا في « الجمهورية» الزميلين بختي بن عودة و علي بن كرباش ( من مكتبنا بالعاصمة )..و ودعنا قائمة تتعدى كما قلت المائة صحفي كلهم قامات إعلامية نافحوا عن الوطن بالحبر و الدم .. ورغم المحن والإحن .. بقي آخرون مثل معلمنا السيد كعوش محمد الذي مما أعترفُ له به أيضا تكليفي بإعداد الملحق العلمي لجريدة «الجمهورية» بحكم تخصصي الجامعي، وتكريمي بمهمة إلى دولة سويسرا ...فشكرا وألف شكر يا أستاذي و أمدّ الله في عمرك وشفاك ..