بعد أن فصل الناخبون في تشكيلة البرلمان الجديد ,الذي توزعت مقاعده على 14 حزبا تراوح نصيبها بين مقعد وحيد و 98 مقعدا , بالإضافة إلى 84 مقعدا للمستقلين - حسب النتائج النهائية الصادرة عن المجلس الدستوري - بدأت الأنظار تتطلع إلى معرفة التشكيلة الحكومية التي سيعتمد عليها رئيس الجمهورية, في غياب أغلبية برلمانية مطلقة يمكنها الاستفراد بتشكيل حكومة, تتولى تنفيذ برنامجها الخاص . و هي التشكيلة الحكومية التي شرع رئيس الجمهورية في مشاوراته السياسية بخصوصها مع المستقلين و رؤساء الأحزاب الفائزة في الانتخابات بحسب النتائج التي حصل عليها كل حزب,لإيجاد الصيغة الأنسب,لمواصلة تنفيذ برنامج «الجزائر الجديدة» من طرف حكومة ائتلافية و التي تمثل الخيار الأرجح , في ظل غياب أغلبية برلمانية مطلقة لأي حزب أو تكتل ضمن القوائم الفائزة بمقاعد البرلمان الجديد. و في هذا المجال, يحظى رئيس الجمهورية بعدة خيارات , لتشكيل حكومة أو وزارة ائتلافية من بين الأحزاب الخمسة الحائزة على حصة معتبرة من المقاعد بالإضافة إلى كتلة المستقلين , فضلا عن تجمع الأحزاب التسعة الجامعة ل15 مقعدا, إن توافقت على تشكيل كتلة برلمانية خاصة بها.إذ يبقى مثل هذا النوع من الحكومات الائتلافية , هو الأنسب لضمان الاستقرار و الديمومة للطاقم الحكومي , و خاصة في أوقات الأزمات كالأزمة التي مرت بها الجزائر , جراء تغيير النظام ,و ما انجر عن ذلك من وضع سياسي غير مستقر زاد من صعوبته الوضع الاقتصادي الهش و مخلفات الجائحة الوبائية. اتّساع مجال الاختيار يصعّب مهمّة التوصّل السريع إلى الحكومة و حتى من حيث الشعبية يبقى رئيس الجمهورية أوفر حظا من الكتل البرلمانية المرتقبة , كونه حظي هو أيضا بتزكية شعبية أكبر من تلك التي حصل عليها النواب الجدد في الانتخابات التشريعية الأخيرة كما أنه يلقى -في نفس الوقت- قبولا حسنا لدى الأحزاب الممثلة تحت قبة البرلمان, بل يمكن ترجيح إمكانية حصول الرئيس و برنامجه على دعم أغلبية برلمانية مطلقة , قد لا تتوفر لكل حزب على حدى , في وجود الخلافات حتى بين الأحزاب التي تتقاسم نفس التوجه السياسي و الإيديولوجي, و بالتالي كلما قل عدد الأحزاب المنضوية تحت لواء التحالف الرئاسي , كلما تقلصت الخلافات الداخلية أو البينية , و هي خاصية يزيد من نجاعتها حيازة هذا التحالف على أكبر عدد من المقاعد , مقارنة مع التحالفات الأخرى الممكنة. غير أن اعتبارات و ظروف أخرى , قد تفرض الخيارات الأدنى , و التضحية بما هو أولى من أجل تقوية الجبهة الداخلية للبلاد على سبيل المثال... و لعل الإشكال الذي سيواجه المشاورات يكمن في اختيار الطاقم الحكومي, إذ لا شك أن المرشحين «للاستوزار» كثيرون و خاصة ضمن المساندين للرئيس من داخل البرلمان, و المؤيدين لبرنامجه السياسي و التزاماته ال 54 الانتخابية , و بالتالي فأن مهمة أي رئيس حكومة - أو وزير أول - ستكون صعبة إن تم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة , بحكم اتساع مجال الاختيار , غير أن حكومة التوافق الوطني الأنسب للمرحلة الراهنة تفرض التضحية بكثير من الطامحين في حقائب وزارية سواء من محيط الرئيس أو من الكتل البرلمانية المحتملة , كما تفرض على هؤلاء تسهيل هذه المهمة,خاصة أن البرلمان الجديد رغم تميزه بوجود 305 نواب جديد يتمتعون بالمستوى الجامعي , و 140 نائبا تقل أعمارهم عن 40 سنة , إلا أن المستوى الجامعي و الشباب ميزتان غير كافيتين في غياب الخبرة اللازمة للإشراف على دائرة وزارية. و من الاحتمالات المرجحة كذلك, عدم استغناء رئيس الجمهورية ضمن الطاقم الحكومي الجديد عن بعض الوجوه الوزارية التي رافقته طيلة 18 شهرا من عهدته الرئاسية , و من ثم الإبقاءعلى عدد محدود من الوزراء الذين كشفوا عن كفاءة و تحكم في تسيير قطاعاتهم كالخارجية و الداخلية و العدل.