الأستاذة نزيهة شلخي موسى من بين الأديبات اللواتي فرضن وجودهن في السّاحة العربية و ليس فقط الجزائرية، حيث تشرفتُ بأن أجاور حرفها ونشاطها على ساحة الافتراض، أين قدمت الكثير من الجهد في لجان تحكيم مسابقات و إدارة مجموعات أدبية ذات صيت في العشرية الأخيرة ، لتتوالى الجهود في دخول معترك التأليف الورقي، حيث كان أول مولود أدبي لها مع دار الأوطان في ديوان شعري مميز تحت عنوان " سطور خطتها الذاكرة " سنة 2014 ، ليليها الديوان الثّاني مطلع سنة 2017 كذلك مع دار الأوطان للنشر والتوزيع تزين بعنوان " تباريح الصّمت " ، و الّذي شهدتُ شهرته بمعرض الكتاب الدولي 2017 بالجزائر العاصمة . ولم تتوقف عند هذه الفاصلة، حيث شاركت في الكتاب الجامع "مشاعل جزائرية" –أديبات من الجزائر العميقة- إصدار دار أفق للنشر والتوزيع ، خلال هذه الفترة كذلك كان للشاعرة نزيهة شلخي موسى تواجد مكثف على منصات الشّعر عبر التّراب الوطني ، ليليها بعد ذلك مولود جديد في الخامس من جويلية 2021 تحت عنوان "ناصع كقلب " عن دار خيال للنشر والتوزيع، حيث فعلا جاء ناصعا كعيد الاستقلال ، هذا الإصدار الذي بين أيدينا ونناقش فحواه . .. "ناصع كقلب" العنوان وصورة الغلاف: بمجرد رؤية تصميم الغلاف يصلك فحوى عنوانه لبلاغة الصورة في اختزال العمل من حيث التعريفة العنوانية ، هنا وقفة جلية وإيحاء تمكن منه المصمّم الذي تجرّع عمق التعريف ، حتى تشبّع فنصعت فكرة ريشته لتخرج إلينا الاختزال الجيد، أوّل خطوة ناجحة في العمل هي الغلاف ، أما العنوان الذي يحمل في مدلوله الكثير من التّصور قبل الولوج في نصوص ديوانه ، ناصع من النّصعة وهي دلالة على بياض لا سواد فيه من طغيان النقاء الذي يحمله ، خصوصا أن هذه النّصعة كان صفة للقلب وليس لشيء أو أمر آخر ، فناصعة القلب لا تشبه شفافية أخرى ، القلب ذو المضغة التي إن تشبعت بالبياض والنقاء والحب والرخاء في المودة ، كتحصيل حاصل يجب أن يكون بتلك النصاعة الموصوفة هنا وعليه كبداية تحليلية نقول أن العمل من خارجه مكتفي الإقناع والتبرئة من شك النقد الذي في كثير من المرات ولدى أغلبية الضالعين بالدواوين والكتاب يمرُّون على الصفة الخارجية دون إعطائها حق القراءة الصّحيحة والنقد البناء، فتتويج ديوان ناصع كقلب بهذه النقطة المهمة هي إدلاء برأي توجب على أي قارئ وليس فقط ناقد ، لذا نبارك هذه البداية الراقية الناجحة التي لا تشوبها شائبة . لغة التوظيف والأسلوب: كبداية ننوّه بقراء الكاتبة المُلمّين بحرفها على مدار سنوات متتابعة أن الخط السردي النثر موحد بعمق متجلي، إن قرأته في نافذة أخرى تدرك أن الكاتب هو الأستاذة نزيهة شلخي موسى ، أما على غرار العامة من الأذواق فنص وخط الكاتبة متمكن في عمقه بمعنى الفكرة المسقطة التي يُشاد بها طرحا ودلالة في ما بعد ، للكاتبة قدرة الولوج في التخيل والتصوير حتى تتعانق حروفها بسريالية التوظيف، كما أن لاقتنائها المفردة محسوب بدقة، ضف إلى أن الخاصية المتحررة من القافية التي تعطي للنص شكلا يبهر وفي الموضوع نقاش ليراع واع وراقي بصلابته يشهر، أما الأسلوب الشيق ببيانه، في ذهابه بالقارئ مع فكر الكاتبة والإتيان به بمعاني دقيقة تجعل سيل الأسلوب هذا ينهمر فيشبع ليترك رغبة جامحة في فهم العمق من العميق، ..هي اللغة الراقية والبديع في المفرد توظيفا مع سند المعنى من ينتج العمل الراقي والمُتذوق. وبين أيدينا الآن مختارات من نصوص الديوان مثل هذا النص : " قتلتها بدم بارد كمن يبحث عن كوّة ضوء في عتمة ليل طويل أرَاوِحُ مكاني أتسمّر كعمود إنارة منطفئ عند آخر الشّارع ، تحاصرني الحروف الّتي قتلتها بدم بارد كنت أنتقم من سادية العالم كلّه، وأستمتع بنكتة غبية أقهقه عليها ملء قلبي، ثمّ أنام مطوّلا كمن أغمي عليه فجأة كانت أكبر أحلامي أن أستفيق في اليوم الموالي لأصبح مواطنا صالحا جداا ... لا معذرة .... بليدا جداا ..جدا " ... في هذا النص الثري بعنوانه المبدئي قتلتها بدم بارد، للوصف حدة القسوة وجبروت الرغبة المسبقة معاني تخفي ما وراء السطر، والمُطّلع هنا على هذا النص في أوله بعنوانه يدرك عمق الخلفية وما تحمله من قدرة التوظيف ..نص سريالي بحت اجتمع فيه الوصف الدقيق المتجانس مع التشبيه في المعاني والصور ، كقولها -تحاصرني الحروف- محاصرة الحروف كشكلية نصية ، لا بعد لها من حيث الصورة السطحية ، وفي عمق هذا الوصف الأخّاذ تحاصر الحروف صاحبها لأنه المُدلي بها فكأني به استنزفها قولا بظلم البوح فحاصرتها ساعة اغتيال معناها بدم بارد ، ولك عزيزي المتلقي أن تحلل هذا الإسقاط لتصل إلى دهشة ونقطة ظمأ تطلب المزيد . هو أسلوب الكاتبة الفذّ لتزيد في ما يلي " الحصار ، قهقهة القلب التي لا تلجمها صورة ملموسة بل تتعدى الواقع إلى محسوس مدمي ، فكيف إن رجعت للتوظيفة التي ما قبل ؟ ، الانتقام من سادية العالم كله شكلها المؤسف شابه الاستمتاع بنكتة غبية لا تٌبسم الموجوع بقدر ما ينكسر منها حسرة "، .. مع هذا التوظيف واللغة العالية التركيز نستكين إلى خلاصة دون وسيلة إجهاد لأن الغاية صور بيانية رائعة، لنحصل في ختام النص أن كل هذه القهقهة والانتقام من سادية شكلت عالما غبيا بحجم نكتة غبية لاعتلاء مرتبة مواطنا في تميزه كان بليدا ، لك واسع النظر أيها المتصفح لهذه العبارات اللامتناهية في الروعة والبلاغة الراقية العمق، لنواصل مع الموالي" : محبرتي تجمّدت ، هي أيضا كنت قد نسيتها داخل رفّ مهمل في ثلاجة بيتنا في الخارج ، الشّمس أصبحت باردة جدا الرّصيف كان يلعن المارّة ، بتنا في هذه المدينة الشّبح نمشي على الأرض كسيقان قصب خاوية لا شيء يملؤها غير لُهاث الرّيح و ضجيج اللاجدوى".