حسب البرنامج الرئاسي فإن الانتقال إلى نظام "الجمهورية الجديدة" يمر عبر "إصلاح شامل للدولة بكل مؤسساتها، يسمح بتكريس دولة القانون وجعلها في خدمة المواطن، ودولة حديثة ذات نجاعة وشرعية بأدائها, ودولة إستراتيجية محركة للتنمية وضامنة للمصلحة العليا". و هذا يعني أن الإصلاحات الموعودة , تكاد تشمل كل المجالات السياسية و الدستورية و الاقتصادية و المالية و الاجتماعية و القضائية و الإدارية و غيرها من القطاعات المترابطة و المتكاملة و التي لا يمكن الاستغناء عن بعضها دون الإخلال بنجاعة برنامج الإصلاحات برمته. و على سبيل المثال؛ فإن الإصلاح العميق الموعود لقانوني البلدية و الولاية ضروري لجعلهما وسيلة لتوجيه الاقتصاد و تشجيع الإنتاج المحليين و تنويعهما وفق خصوصيات كل منطقة و إمكاناتها المادية و البشرية , و هو يتطلب التعجيل برقمنة سريعة وكاملة لكل من الخدمات المتعلقة بالإدارة ، و بالجباية كأولية، و بشكل يلغي كل العراقيل البيروقراطية, والضرائب غير الفعالة أو ذات العائد المنخفض, ومراجعة نظام المزايا الضريبية، لتجسيد الإصلاح الإداري و الضريبي والمالي لفائدة الجماعات المحلية في أجل قريب. و أي إصلاح على المستوى المحلي, ينبغي أن يستهدف بالدرجة الأولى القضاء على آفة البيروقراطية, لأن هذه الآفة تمكنت من جعل المهام الإدارية تغلب على كل المهام الأخرى ,لمختلف هياكل و مؤسسات الجماعات المحلية, بل حتى المهمة الإدارية لهذه الهياكل ما زالت تعاني من نقائص لتركيزها على الجوانب التقنية البيروقراطية المحضة التي تُسهِّل حاجة الإدارة أكثر من حاجات المواطن. وأي نظام إداري لا يخضع إلى تقنين واضح يحدد العلاقة بين الإدارة و المواطن , و لا يضع قواعد تضمن مراقبة صارمة لتطبيق ذلك التقنين , وتقييم فعاليته بانتظام , سيتحول مع مر الأيام إلى جهاز بيروقراطي يعرقل سير الإدارة و يعطل مصالح المواطنين , ويكبح مسيرة التنمية , و هو ما تعاني منه إدارتنا المحلية, رغم أنها ليست في حاجة إلى تقنين بقدر حاجتها إلى تطبيقه, مع بعض الإصلاحات التي تزيل شعور المواطن أنه غريب عن إدارته , و هو شعور لا يبرح نفسية الكثير من المواطنين جراء بطء الإجراءات الإدارية و تغلب الروتين على الهيئات الإدارية و تضخمها الورمي على حساب نوعية الخدمات و كلفتها , و كذا شعوره بأن معظم الوثائق حتى الشخصية منها , إنما هي ضرورة يحتاجها في تعامله مع إدارات أخرى , بل و حتى الإدارة التي أصدرتها أحيانا ؟ ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص إن ما تعيشه إدارتنا يلخص بطريقة ما رأي منظري القانون الإداري الذين يؤكدون " أن الإداري يسعى دائما إلى تكثير مستخدميه بإنشاء المزيد من الأعمال و الاختصاصات , و بالتالي فإن العمل الذي يتطلب يوما قد يستغرق شهرا ,إذا لم يحدد وقت معين للقائم به , كما أن المهمة التي في متناول موظف واحد, قد توزع على عدة موظفين." و من هنا تظهر الكلفة الباهظة للبيروقراطية من حيث هدر الوقت والمال المقتطع من اعتمادات تمويل مشاريع التنمية و تنويع الاقتصاد , دون أن يؤدي ذلك إلى تحسين الخدمات الإدارية لصالح المواطنين ,و منهم المستثمرون و رجال الأعمال . و في هذا الصدد يذهب بعض المحللين الاقتصاديين إلى القول :«أن البيروقراطي يسعى دائما إلى تحقيق منفعته الخاصة من خلال تضخيم الاحتياجات التي يتطلبها المكتب أو الإدارة التي يسيرها". و المبدأ المعمول به عندنا في تقدير اعتمادات التسيير و التجهيز (الإداريين) هو "أطلب أكثر تُمْنَح القليل". و مع ذلك يبقى مردود النشاط البيروقراطي على مختلف المستويات الإدارية , دون الإمكانات المالية والبشرية المجندة له , لأنها إمكانات تفيد البيروقراطيين خاصة , و تشكل عبئا يتحملها المجتمع على حساب حاجاته التنموية, لاسيما بعد أن أضحت البلديات ملجأ للتشغيل الاجتماعي ,الذي يتم بذريعة أداء خدمات المنفعة العامة , و ينتهي إلى مزاحمة الموظفين الإداريين, الذين يزيدون أصلا عن حاجة ومهام الجماعات المحلية, التي أضحت تدريجيا ضحية"التوظيف الشعبوي و العشوائي", و الذي يخل بالتالي بالتوازن المالي لهذه الهيئات. و إصلاح هذا الخلل قد "يتطلب إعادة النظر في حجم جهازنا الإداري و في النصوص التنظيمية التي تضبطه , و ذلك بتشذيبهما و تبسيطهما إلى أقصى الحدود الممكنة , والقاعدة في ذلك هي حذف كل ما لا ضرورة له , بدءا بالوسطاء على كل المستويات و بالاستغلال الأمثل و الأقصى للعامل البشري , ليس فقط من حيث أداء مهامه ,و لكن من حيث تكوينه أيضا , و خاصة في مجال معاملة الجمهور و التعامل مع أدوات الرقمنة و ما تعلق بها , و تيسير كل ما يفيد المجموعة الوطنية اقتصاديا و تنمويا. بل يجب إعفاء الجماعات المحلية من كل المهام و الأشغال و الخدمات , التي يمكن أن يتكفل بها القطاع الخاص في شكل عقود امتياز محددة الحقوق و الواجبات, لتتفرغ المجالس المنتخبة لتنفيذ و تجسيد برامجها الانتخابية , و فق منظور الديمقراطية التشاركية التي كرسها الدستور المعدل , في انتظار تفصيل محتواها و تطبيقاتها ضمن المراجعة الوشيكة لقانوني البلدية و الولاية. و تلخيصا لمتطلبات الإصلاح الشامل الموعود ضمن البرنامج الرئاسي , يمكن التنويه إلى "إن قاطرة المسار الاقتصادي للبلاد ليس في مقدورها مهما بلغت قوتها جر إلى ما لا نهاية عربات لا متناهية من الهياكل البيروقراطية المتهالكة , لا سيما إذا ما زحف الورم البيروقراطي نحو وحدات المنظومة الاقتصادية سواء أكانت مؤسسات مالية , مصرفية , جمركية جبائية أو وحدات إنتاجية", الظاهرة التي لا يفتأ الوزير الأول وزير المالية , يدعو إلى معالجتها, لتسترجع برامج التنمية في كل القطاعات عافيتها.إذ من العبثية في مجال التسيير, استمرار الوحدات الاقتصادية في تحمل تكاليف و أعباء أطقم إدارية تستحوذ على أكثر من ثُلُث التعداد الإجمالي لعمال المؤسسة؟ و هو ما ينسحب أيضا على الجماعات المحلية, التي عليها التحرر من القيود البيروقراطية.