«قوة الجزائر بجيشها و شعبها", هي ذي العقيدة التي ينبغي رعايتها و تكريسها لدى كل مواطن غيور على وطنه . و لعل شعار "الجيش؛الشعب؛ خاوة خاوة", الذي صدحت به حناجر المشاركين في مسيرات الحراك الشعبي الأصيل , هو ترجمة عملية لهذه العقيدة الوطنية التي تعبر عن طموح و تطلع الشعب الجزائري إلى اكتساب مقومات القوة الحقيقية و بالتالي الحصانة المعنوية و المادية , التي في إمكانها ردع الأعداء و ثنيهم عن مجرد التفكير في أي اعتداء عليه دون أن يدفعوا الثمن غاليا. إن بعض السياسيين الجزائريين الذين اكتشف الرأي العام الجزائري , مدى اهتمامهم بمستقبلهم السياسي , أكثر من اهتمامهم بمستقبل البلاد و شعبها , عليهم أن يدركوا أن قواعد التمايز في الجزائر الجديدة , لم تعد بالانتماء لهذا الحزب أو ذاك و لا إلى هذه المنطقة أو تلك , و لا بالاعتماد على هذه القوى الإقليمية أو تلك , أو هذا اللوبي الإعلامي أو ذاك و لا بسلاطة اللسان "الأعجمي خاصة" ,و إنما كل التمايز يكون بمدى الجهد المبذول لتحصين الجزائر و شعبها من تحرشات أعدائها في الداخل و في الخارج , و الذين لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة بما كابده الجزائريون خلال العام الراحل نتيجة ما خلفته موجة حرائق الغابات من خسائر بشرية ومادية،. فكانت هذه الجريمة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها الأيدي الآثمة في عدة ولايات بدءا بخنشلة ثم تيزي وزو و بجاية و البويرة و جيجل , و غيرها , مخلفة وفاة 69 مواطنا من بينهم 28 عسكريا فضلا عن الخسائر المادية المعتبرة . كما كان اغتيال جمال بن إسماعيل والتنكيل بجثته في هذه الأحداث ،سببا في فتح تحقيقات أمنية كشفت أن الحرائق ومقتل الشاب جمال كانت من تدبير عناصر تنتمي إلى منظمة "الماك" الإرهابية إلى جانب تنظيم "الرشاد", و كلاهما يتلقى الدعم من القوى الاستعمارية الأجنبية المعادية للبلاد و منها نظام المخزن المغربي , و الكيان الصهيوني , و النظام الفرنسي و هو ما دفع الجزائر إلى استدعاء سفيرها من الرباط، قبل أن تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية ومنع الطائرات المغربية المدنية والعسكرية من التحليق في الأجواء الجزائرية و كذا عدم تجديد اتفاقية نقل الغاز إلى إسبانيا عن طريق الأنبوب المار عبر المغرب. جوار بنكهة الحقد و الضغينة و بلغ حقد نظام المخزن على الجزائر إلى درجة إقدامه على جريمة أبشع بقيام ميليشياته بقصف شاحنتين جزائريتين على الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا خلف مقتل ثلاثة سائقين جزائريين و كان ذلك في نفس اليوم الذي كان الجزائريون يحتفلون بعيد ثورة التحرير, و هي الجريمة التي أكدت سلطات الجزائر بأنها " لن تمر بدون عقاب". وزاد تطبيع نظام المخزن المغربي مع الكيان الصهيوني في تعميق الأزمة مع الجزائر و كل الشعوب العربية و الإسلامية خاصة مع زيارات مسؤولين من الكيان الصهيوني للمغرب على غرار الصهيوني يائير لبيد الذي هدد الجزائر من الرباط ؟ إلى جانب زيارة الصهيوني بيني غانتس، التي توجت بعقد اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين،و هو ما يستهدف بشكل مباشر أمن الجزائر و استقرار المنطقة . و لأن فرنسا الاستعمارية تحرص على الدفاع عن نظام المخزن المغربي بكل الوسائل, افتعلت قضية خفض عدد التأشيرات بالنسبة للجزائريين و أدرجت معهم مواطني تونس و المغرب لذر الرماد في العيون , و هو ما رفضته الجزائر, الأمر الذي جعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يكشف عن وجهه "الاستعماري" من خلال تصريحات شعبوية طعن بها في تاريخ الأمة الجزائرية , و في شرعية نظامها السياسي,الأمر الذي كان كافيا لنسف العلاقات بين البلدين و الدفع بها إلى القطيعة, بعد أن قامت الجزائر بسحب سفيرها لدى باريس ومنع الطائرات الفرنسية العسكرية من التحليق فوق الأجواء الجزائرية. ورغم زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر شهر ديسمبر الماضي وتعبيره عن رغبة فرنسا بفتح صفحة جديدة إلا أن ذلك لم يغير شيئا من واقع العلاقات المكهربة بين العاصمتين. و بهذه المواقف الحازمة تكون الجزائر قد كشفت عن مواقفها من الملفات الحساسة المتعلقة بعلاقاتها مع دول الجوار , و هي مواقف مبدئية , لا شك أن كل محاولات ثنيها عنها ستبوء بالفشل الذريع , لأن "الجزائر قوية بجيشها و شعبها", و هو ما يصنع الفرق بينها و بين خصومها.