- المحافظة على اللباس الرجالي الوهراني العربي من أولوياتنا - نجدد مطلبنا باستحداث نهج للحرفيين بحي الياسمين - سنبهر ضيوف «الباهية» في الألعاب المتوسطية يعد السيد شارف أفغول عبد الوهاب، أحد الحرفيين، ومصممي الأزياء التقليدية المعروفين بوهران، تجربته الطويلة، في مجال خياطة الألبسة، بنوعيها الرجالية والنسائية، خصوصا التي تشتهر بها الولاية، جعلت منه أحد رواد المحافظة على التراث وتثمينه محليا ووطنيا. هذا الإرث الذي يمثل هوية وثقافة مدينة عريقة، يمتد تاريخها إلى آلاف السنين، زرناه في محله بمقر غرفة الصناعة التقليدية بوسط المدينة، وقضينا معه بعض السويعات، حدثنا فيها عن مساره المهني وأسباب اختياره هذه الحرفة، وأنواع الألبسة التقليدية التي يصممها، وتاريخ «البلوزة الوهرانية» ومكونات اللباس الرجالي الوهراني العربي، فضلا عن أبرز المعوقات التي تواجه الحرفيين والحلول الواجب اتباعها لمواجهتها... فضلا عن أمور أخرى ندعوكم لاكتشافها في هذا الاستطلاع . حرفي من أسرة عريقة الحرفي شارف أفغول عبد الوهاب، من مواليد 1969 بحي المدينة الجديدة، خياط و«موديلست» في الألبسة التقليدية الوهرانية، كان جده شيخ زاوية معروف في «سبالة الطلبة»، المرحوم سي بن أفغول ووالده سي علي، مؤسس هذه الزاوية العامرة، ويحكى عبر التاريخ، بأن جده الثالث أو الرابع، كان خياط «برانيس» وعباءات رجالية عربية، ومن محاسن الصدف، أن محدثنا أصبح هو الآخر خياطا، مثل أجداده الذين عشقوا هذه الحرفة وأبدعوا فيها، ولأنه كبر وترعرع في شارع «قايدعمر» الشهير بالمدينة الجديدة، كان كلما يذهب إلى المدرسة، يشاهد الخياطين في هذا الشارع، وهم يخيطون الألبسة بمختلف أنواعها، على غرار : الحاج ميمون رحمه الله، الذي اشتهر بخياطة عباءات الأئمة و«الجلابات»، والسراويل و«جيليات» الرجالية العربية، فضلا عن خياطي «البرانيس» في شارع «بالا»، وخصوصا الذين يمتهنون حرفة «البيداي» وهي «برم» الخيط، واعترف محدثنا، أنه تأثر كثيرا بهؤلاء الحرفيين، ما جعله يختار نهجهم، حيث تعلم الخياطة عند لحسن وعبد القادر وقاسم وأحد الأصدقاء من عائلة بن زرقة، بين سنتي 1985 و1986، كاشفا أن حي المدينة الجديدة، كان يعج بالعديد من الحرفيين، الذين يشتغلون في شتى الصناعات التقليدية، على غرار النقش على النحاس وصناعة الأواني الفخارية، والصياغة وغيرها من الحرف الأخرى.. المدينة الجديدة معقل الصناعات التقليدية بداياته الأولى كانت مع اللباس التقليدي الرجالي، وتحديدا في السن ال 16، حيث ورغم مشقة العمل، إلا أنه كان يشعر بحلاوة الحرفة التي اختارها، وينبغي هنا الإشارة إلى أن أدوات الشغل وقتذاك، كانت بسيطة وبدائية، حيث لا مجال للمقارنة بين آلات الخياطة في تلك الفترة الزمنية واليوم، ورغم ذلك - يقول محدثنا- كنا نصمم ألبسة تقليدية بديعة ومتقنة، إذ كنا مثلا نخيط «العباءات» ب«القيطان»، و«القيط» بالدارجة الوهرانية «كوردون» يزينون به هذا النوع من الألبسة الرجالية، أما «البدعية» النسائية، فكنا نصممها بقماش «جيرزي» وليس الحرير، ورغم ذلك كانت ألبستنا تستهوي السيدات وتعجبهن، وكثيرا ما يطلبنها لسعرها المناسب وجودتها، معترفا في نفس السياق، أن المادة الأولية، لم تكن متوفرة مثل اليوم، ورغم ذلك كان الخياطون يصممون، ألبسة تقليدية ذات نوعية جيدة، ومن صميم عادات وتقاليد سكان مدينة وهران، كان الشباب من أقرانه يشتغلون بحب وصدق وإخلاص، ويتقاضون أجرة زهيدة حوالي 100 دج في الأسبوع، ويشتغلون من الثامنة صباحا إلى السادسة مساء، علما أن فترة التكوين تدوم سنتين كاملتين، وليس 3 أشهر مثلما هو مطبق اليوم، ولدى حديثه عن أنواع الالبسة التقليدية النسائية، أوضح السيد شارف أفغول، أنها عديدة ومتعددة منها : «البلوزة الوهرانية» و«الحايك» أو «الكسا»، «طقم الحمام»، على غرار: «البنيقة» و«بلوزة حفلات الزفاف»، و«البدعية» و«البشماق» و«القرقاب» و«بيدون» الحمام.. إلخ، علما أن الأعراس كانت تدوم 7 أيام، وجميع العرائس كنّ، يرتدين اللباس التقليدي الوهراني، ولم نشاهد في أفراحنا تلك الألبسة القادمة، من الخليج والدول الآسيوية والغربية، حيث كانت العروسة عندنا، لا تخرج بالفستان الأبيض، وإنما ب«الكسا» أو «الكراكو» أو «القسنطينية».. وغيرها من الألبسة التقليدية الأصيلة المعروفة في بلادنا، مشددا على أن حفلات الزفاف، في ذلك الوقت كانت تمتاز ب«الحرمة» و«الحشمة» وكان ممنوعا على الأطفال، الذين يزيد سنهم عن العشر سنوات، الاحتفال مع النسوة في الأعراس، وهذه الأخيرة تقام إما في الأسطح أو داخل المنازل أو «الخيم» (قيطونات)، بحضور فرق «المداحات» و«الفقيرات»، وهو ما يؤكد أصالة وعراقة مدينة وهران، وليس مثلما يحاول بعضهم تشويهها، وإلصاق بعض السلوكات المشينة بسكانها. ولدى حديثه عن طريقة، تصميم «البلوزة الوهرانية»، أوضح المبدع عبد الوهاب، أنها كانت تخاط بقماش خاص مصنوع محليا، يمتاز بنوعية جيدة وجميلة، ويزينونها بمواد بسيطة مثل «السمق» و«القميحات»، كما أن سعر «البلوزة» كان في متناول الجميع، وكثيرا ما يتعاملون مع زبائنهم بصيغة البيع التقسيط، حتى يدخلون الفرحة في نفوس العرائس، وكم كانت سعادتنا - يضيف محدثنا - كبيرة ونحن نشاهد بناتنا يتزيّن بألبستنا التي قمنا بخياطتها، مشيرا إلى أنه في السنوات الأخيرة، لاحظ وجود إقبال كبير على «البلوزة الوهرانية»، وهذا بفضل جهود الحرفيين والإعلاميين، الذين عملوا على إبراز موروثنا التقليدي العربي الجزائري الأصيل، حاثا الناس على التمسك والافتخار به، مؤكدا أن جمعية «النادي الحرفي للخياطة الأيادي الذهبية» التي يرأسها حاليا، عملت ومنذ تأسيسها في 2017، على التعريف باللباس التقليدي، وخصوصا «البلوزة الوهرانية»، حيث تم تنظيم عدة أنشطة وتظاهرات منها : عرض أزياء خاص، باللباس التقليدي الرجالي العربي، في مركز الصناعة التقليدية بحي الصباح، والاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، بتزيين الفتيات ب«البلوزة» و«كراكو»، كما تم تنظيم في 2018، عرسا تقليديا يحاكي أعراس العائلات الوهرانية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، حيث تم إحضار «الفقيرات» لإنشاد المدائح الدينية، وتجميل العروسة ب«الشدة» وتزيينها ب«الحناء»، كما قامت إحدى السيدات، بتقديم مهر العروسة في جو بهيج، أعاد للحاضرين أجواء الاحتفال بالأعراس في الماضي، موضحا أن المرأة الوهرانية، معروف عنها شغفها بالمجوهرات المصنوعة من الذهب، بخلاف مناطق أخرى تمتاز بحبها للحلي المصنوعة من الفضة، ومن بين المجوهرات التي كانت ولا تزال ترتديها النسوة عندنا : «المسكية»، وسلسة «الدولارة» والخاتم و«كرافاش بولحية» و«الدبلون و«المنيفخات» و«الزروف».. وغيرها من الأطقم الأخرى، موضحا أنه يوجد اختلاف كبير بين «البلوزة الوهرانية» في تلك الفترة واليوم، حيث أدخل عليها العديد من الحرفيين، الكثير من التعديلات، ولكن الشكل لم يتغير وجميع «البلوزات» تصنع بمادة «لاستيك» عند الخصر، وما يتغير فقط التزيين والتنميق، فمثلا في الماضي كانت دائرية الشكل، أما اليوم فأضحت تأخذ عدة أشكال وأنواع، وقديما كانت خياطة «البلوزة الوهرانية»، تأخذ وقتا خصوصا مرحلة «التعمار»، لأنه عمل يدوي يستغرق أحيانا 3 أيام إلى أسبوع .. إلخ، وفي يومنا هذا أيضا، تصميم هذا اللباس يأخذ بعض الوقت، باعتبار أنه يوجد عدة أنواع من التزيين ((perlage ، ويستغرق هذا الأخير مدة زمنية معينة لإنجازه، مضيفا أن القماش متوفر وحسب رغبة كل سيدة وقدراتها المادية. نبذة عن اللباس الرجالي الوهراني أما فيما يخص اللباس الرجالي الوهراني العربي، فعادة ما يصنع ب «التيرقال»، ويتكون من «جيلي» وسروال «تستيفة»، و«الطربوش» وحزام من الجلد و«قمجة» وحذاء من الجلد الأصلي العربي، وساعة متصلة بسلسلة توضع في الجيب، و«الطربوش الوهراني» يختلف عن العاصمي، حيث لا يكون طويلا ومصنوع من «الكتان المصوف» وليس ب«الكرطون»، ولونه أحمر قرمزي، وبالمناسبة وفي إطار المحافظة على التراث الوهراني، يسعى العديد من الحرفيين بوهران اليوم، لتصنيف «البلوزة» في «اليونيسكو» كإرث جزائري عربي أصيل، مع العلم أنها مصنفة حاليا وطنيا، والملف موجود وقام بإعداده العديد من المهتمين بالتراث والتاريخ. وبخصوص مشاركته في تظاهرة، ألعاب البحر الأبيض المتوسط، أوضح محدثنا أنه، وباسم غرفة الصناعة التقليدية والحرف، سيتم تخصيص فضاءات للترويج للمنتوجات الوهرانية المعروفة، وتحديدا في منطقة «سيدي امحمد» وفضاءات أخرى، فضلا عن تنظيم معارض في فندق «الميرديان» وواجهة البحر، كما يوجد مشروع إقامة «نهج خاص بالحرفيين»، وهذا المقترح تم التطرق إليه منذ مدة حوالي 4 سنوات، ويتمنى الحرفيون تجسيده في أقرب وقت، حيث اقترحوا على أحد الولاة السابقين، منحهم شارع بحي «الياسمين»، بين فندق «فاندوم» إلى غاية ملتقى الطرق «دبي»، يتم تسميته بشارع «الحرفيين»، يخصص لعرض مختلف الصناعات التقليدية الفنية، وجدد السيد الشارف أفغول عبدالوهاب، نداءه لوالي الولاية الحالي السيد سعيد سعيود، للموافقة على الفكرة وتجسيدها على أرض الواقع، على أن تشيد المحلات بالخشب وليس الاسمنت، حفاظا على البيئة وترسيخا لثقافة المحافظة على الوسط الإيكولوجي. وأضاف محدثنا أنه وفي إطار تثمين هذا الموروث الثقافي غير المادي، قام بتكوين العديد من الشباب، وأنه كثيرا ما يشعر بالسعادة، لدى مشاهدته من تتلمذوا على يديه، قد أصبحوا خياطين كبار ومحترفين، مبرزا أن مدينة وهران منذ القدم، تشتهر بصناعة المجوهرات الذهبية، ومن بين أشهر العائلات المتخصصة في هذه الحرفة، عائلة «بوعشرية و«رمعون» و«بن كولة» و«بن علو».. إلخ. الدعم المادي والمعنوي للنهوض بالقطاع وختم السيد الشارف أفغول عبد الوهاب حديثه معنا، بأن المحافظة على التراث الوهراني، تكمن في دعم الحرفيين، بتوفير ورشات وفضاءات للتسويق، وأن يكون الفضاء في مكان مناسب وليس معزولا، مطالبا الباحثين بإجراء بحوث في مجال الصناعات التقليدية الفنية، سواء الألبسة أو الفخار والزجاج وصناعة الذهب، والحدادة الفنية، حتى تبقى للأجيال القادمة، ولا تضيع مثلما ضاعت العديد من الحرف على غرار : «الطربوش»، الذي أضحى من يصنعونه يعدون على الأصابع.. تجدر الإشارة إلى أن الخياط و«الموديلست» شارف أفغول عبد الوهاب، شارك في العديد من المعارض الوطنية والدولية، وحاز على عدة شهادات اعتراف وتقدير، وتمكن خلال مشاركاته خارج الوطن وخصوصا في باريس وبوردو وليون، من الترويج للبلوزة الوهرانية، التي أعجبت كثيرا الفرنسيين، ما جعلهم يقبلون عليها ويشترونها لارتدائها في مختلف حفلاتهم وسهراتهم، وهو ما يؤكد علو كعب هذا الحرفي ابن المدينة الجديدة، وحفيد شيوخ الزوايا والخياطة.