تتّضح بشكل جلّي الأهداف المسطّرة من قبل السياسة الجزائرية في مجالها الحيوي إقليميا و دوليا من خلال الهبّة التي تميّز تحركاتها في المدّة الأخيرة بعد قطع شوط لا بأس به في إصلاحات الداخل باكتمال البناء المؤسساتي الذي انطلق في 2019 ، و التوجّه نحو تحريك دواليب الاقتصاد في ظل انتعاش تؤشر عليه الأسعار المرتفعة لبرميل النفط و توجهات الجزائر نحو التنويع وإثراء قائمة الصادرات . و بعيدا عن دول الجوار التي لا تتوقّف الجزائر عن مرافقتها و دعمها من خلال الاستماع إلى انشغالاتها ، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية ، من باب درء التدخل الأجنبي و العمل على إبعاده عندما صار أمرا واقعا في عديد البؤر ، في سابقة لم تحدث منذ الاستقلال ، انتقلت الجزائر إلى تحيين علاقاتها الثنائية و المتعدّدة ، إن على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو أيضا الاستراتيجي في مجالها العربي ، ممّا قد تنتج عنه تحالفات تواجه التحديات الكثيرة و النوعية التي صارت تفرضها المتغيّرات المتسارعة من حولنا ، في إشارة واضحة أنّ القوى الكبرى تتحرّك من أجل مزيد من الهيمنة و إعادة رسم عالم جديد ، ينفض عنه سيطرة قوة معيّنة. تحديات أمنية وسياسية مختلفة وضغوط دولية ومحلية يعيشها الامتداد الإقليمي للجزائر ما تنعكس عنه تداعيات داخلية وخارجية. والتحولات الجيو سياسية التي تشهدها المنطقة العربية بعد 22 سنة ممّا سمّي بالربيع العربي و الذي كان حصاد العرب منه صفرا ، أثبتت صواب مواقف الجزائر على مستوى سياستها الخارجية و إيمانها الراسخ أنّ الأزمات ينسفها الحوار و الجنوح إلى السلم. زد إلى ذلك مضاعفات أخرى بتزايد التدخل الدولي في منطقة الساحل الذي تحتلّ فيه الجزائر نصيبا كبيرا جغرافيا و تاريخيا ، تحت ذريعة محاربة القاعدة والمنظمات الإرهابية المتحالفة معه و هو ما يضع الجزائر أمام مسؤولية حماية ترابها و امتداده و ضرورة تحيين منظومتها الدفاعية لوقف خطر الإرهاب . الاجتهاد متواصل و في ظل كل هذه الأوضاع و المستجدات التي لا تتوقف إلا أنّ السياسة الخارجية الجزائرية تبقى مطالبة في أكثر من أي وقت بمزيد من الفعالية في فرض مقاربتها ومواقفها على المستوى الإقليمي و الدولي باعتبارها عنصرا فاعلا في عديد القضايا و لملمة الأزمات بعقلانية ، و ذلك ما تبلور منذ عهدها بالعمل الدبلوماسي بعد استقلالها تجاه جميع القضايا التي دخلتها . و ترسم التحركات الأخيرة للجزائر في كل مجالاتها سقفا جديدا لسياستها الخارجية ممّا أكسبها علامة فارقة بين الدول والأمم فمنظرو العلاقات الدولية و إن كانوا يحسبونها انطلاقا من الجغرافيا و التاريخ و التموقع الجيو استراتيجي فإنّ كل هذه المعطيات ترسم ملامح السياسة الخارجية و تزيد عليها بحسب كيفية استعمالها ، لكن غالبهم يجمعون على أن للحيز الجغرافي دور مؤثر وحاسم، بل هو حتمي ويعد من العناصر الدائمة والفاعلة في السياسة الخارجية. لتزيد عليها الجزائر مقومات اقتصادية و رزانة سياسية قلّ نظيرها تجعل منها مشروع تكامل واندماج عربي و إفريقي مؤهل لدخول التحدي والمنافسة، فبمركزها الهام وإطلالتها على أهم الطرق الرئيسية في الملاحة الدولية، وهو طريق البحر الأبيض المتوسط و باعتبارها مفتاح إفريقيا تكتسي الجزائر قيمة إستراتيجية يدركها رجال الاقتصاد والتجارة الدولية كما يدركها أيضا رجال الحرب والسياسة و المنظرون للسلام و السلم .