تعدّدت التظاهرات الإحتفالية بالذكرى ال 58 لثورة نوفمبر المباركة بولاية معسكر شأنها في ذلك شأن كل ربوع الوطن، وذلك مما ينبغي التنويه به والإشارة ، لاسيما إذا كانت هذه التظاهرات من الثراء والتنوع بحيث تسهم في إثراء المعرفة التاريخية لدى فئة الشباب على وجه الخصوص، وتصحح ما علق بأذهانهم من أفكار مسبقة وخاطئة حول ثورتهم المجيدة وحول صناعها. ومن أجل ذلك لابد ألا تغفل التظاهرات الإحتفالية بالذكرى، الجانب النقدي للوقائع التاريخية ولابد أن تأخذ أخطاء الثورة ونقائصها حيزا من النقاش العام خلال إحياء المناسبات التاريخية ولا شك أن ذلك لن يزيد الثورة إلا عظمة وصناعها إلا فخرا واعتزازا لدى الرأي العام الوطني على وجه الخصوص الذي تتوفر له عندئذ كل المعطيات التي تتيح له الحكم الصائب والسليم على الوقائع التاريخية. هذا عن «الأخطاء» التي ارتكبت إبان الثورة فماذا نقول عن الأخطاء التي يراد تكريسها بعد الثورة؟ لاشك أن الواجب يفرض علينا تصحيحها، بكل الوسائل الممكنة، وهو ما دأبت عليه شخصيا منذ أن اكشتفت أن التظاهرات التاريخية بولاية معسكر، تواصل تقديم «الشهيد شريط على الشريف» كآخر من نفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة، وهو خطأ شائع، كنا قد أشرنا إليه مرارا قصد تصحيحه وقلنا بخصوصه، «إن الشهيد شريط علي الشريف رحمه الله، يكفيه فخرا أنه استشهد فداء للوطن، ولن يزيد أن ينقص من جسامة تضحيته هذه كونه أول أو آخر من نُفّذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة أو بغيرها، ولذا أدعو أبائي المجاهدين في سيڤ أوفي معسكر، وكل المشرفين على القطاع الثقافي بالمنطقة إلى الكف عن تكريس هذا الخطأ التاريخي سواء من خلال ترديده بدون سند تاريخي، أو من خلال إحياء كل عام ذكرى استشهاد هذا البطل ويصرون في تصريحاتهم للصحافة بأنه آخر من نفذت فيه السلطات الإستعمارية حكم الإعدام بالمقصلة». واعترف بأن الصحافة مسؤولة مسؤولية كاملة في تكريس هذا الخطأ ونشره في أوساط القراء والمستمعين كونها تنقل الكثير من التصريحات الصادرة عن بعض الأشخاص نفترض فيهم المعرفة بالواقعة التاريخية من منطلق أنهم عاصروها أوعايشوها، وإذا بهم يوقعونها في أخطاء تصبح مع تكررها أخطاء شائعة يصعب بعد ذلك تصحيحها وقد تتسبب حتى في رسوب الطلاب والتلاميذ في إمتحانات مصيرية إن هم اعتمدوها في إجباتهم فضلا عن أنها تساهم في تقليص نسبة المصداقية عن المعلومة التاريخية بصورة عامة. وحتى لابد وبملاحظاتي هذه متحاملا على من كانوا أول المبادرين إلى إحياء هذه الذكرى (ذكرى أكثر من أعدم بالمقصلة) أدعوهم إلى مراجعة قوائم الشهداء الذين اعدموا بالمقصلة أو رميا بالرصاص وهي متوفرة لدى وزارة المجاهدين والمنظمة الوطنية للمجاهدين وجمعية المحكوم عليهم بالإعدام، وحتى على شبكة الإنترنيت. وهي قوائم تشير بوضوح إلى وجود 33 شهيدا كلهم أعدموا بالمقصلة، وبعد إعدام الشهيد شريط على الشريف، منهم 15 شهيدا تم إعدامهم بسجن بربروس بالجزائر العاصمة، كالشهيد زواوي السعيد بن عمار الذي أعدم يوم الفاتح فبراير 1958، والشهيد مختاري علي بن العربي الذي أعدم في الثامن من نفس الشهر والسنة، والشهيد عامر معمربن بركوش يوم 17/2/1958.... وآخر من أعدم بالمقصلة بسجن بربروس بالجزائر العامصة هو الشيهد شابة محمد بن السعيد من تيزي وزو الذي نفذ فيه حكم الإعدام يوم 7 جويلية 1959 على الساعة الثالثة و15 دقيقة . كما نجد بسجن الكدية بقسنطينة 14 شهيدا من أصل 53 أعدموا فيه، كان استشهادهم بعد 28 جانفي 1958 (تاريخ إعدام شريط على الشريف) مثل الشهيد صحراوي محمد الطيب من بسكرة الذي أُعْدِم يوم 29/1/1958، كما أن آخر من أعدم بهذا السجن هو الشيهد بوليفة صالح من قسنطينة الذي استشهد تحت المقصلة يوم 28 ماي 1958. ونفس الملاحظة تصدق على قائمة الشهداء الذين نفذ فيهم حكم الإعدام بسجن وهران وعددهم 43 شهيدا، 30 منهم أعدموا بالمقصلة. وآخر هؤلاء الشهيد سليمان بلمختار الذي تشير قوائم وزارة المجاهدين إلى إستشهاده بالمقصلة خلال عام 1960 دون ذكر اليوم أو الشهر والتوقيت وهو رابع شهيد يعدم بعد تاريخ 28 جانفي 1958 المعتقل به في سيڤ ومن خلالها معسكر، كمناسبة لذكرى إستشهاد آخر شهيد نفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة. * سليمان بلمختار آخر شهداء المقصلة وعموما نستطيع تلخيص هذا الموضع بالإشارة إلى أنه من أصل 162 شهيد نفذ فيهم حكم الإعدام بين 1954 و1962 بسجون بربروس بالجزائر والكدية بقسنطينة وسجن وهران، هناك 142 شهيد أعدموا بالمقصلة و33 من هؤلاء كان تاريخ إعدامهم بعد 28 جانفي 1958، وآخر هؤلاء هو الشهيد سليمان بلمختار كما أسلفنا، والذي أعدم عام 1960 بسجن وهران. وتبقى الإشارة في الأخير إلى أن المعطيات التي ذكرناها في هذا الموضوع استقيناها من وثائق رسمية ولم تختلقها، لأن جميع المعطيات المتعلقة بالشهداء الذين أعدموا إبان الثورة مدوّنة ومثبّتة بتفاصيلها في سجلات السجون التي كانت تنفذ فيها أحكام الإعدام، ومن هنا وجب التساؤل على أي مصدر أو وثيقة تاريخية استند الذين اتخذوا من تاريخ إعدام الشهيد شريط علي الشريف كمناسبة لإحياء ذكرى آخر من نفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة. سؤال لا نوجهه فقط للذين بادروا بتأسيس هذه الذكرى وإنما لكل من سايروهم ومازالوا في هذا المنحى عن جهل للحقائق التاريخية أوعن مسايرة ومجاراة لكل ما يصدر عن الأسرة الثورية دون تمحيص أو تدقيق. وبطبيعة الحال لا يسعنا في ختام تعليقنا هذا، سوى الترحم على كافة شهدائنا الأبرار من أولهم إلى آخرهم، ومن أُعْدِم منهم بالمقصلة، أو رميا بالرصاص أو تحت التعذيب الوحشي أو في السجون، ومن عرف أصله وفصله منهم أو استشهد في ساحات القتال وبقي مجهولا لا يعلم خبره إلا الله وجزى الله عنا خيرا أباءنا المجاهدين الأحياء منهم والأموات من أجل تضحياتهم الجسيمة وأيضا من أجل اجتهاداتهم لكتابة تاريخ الثورة وتصحيح كل ما شابه من أخطاء، إنه لا يضيع أجر من أحسن عملا.