عندما تتكلم مع أي إنسان في شؤون السياسة يخيل لك أنه كبير المحللين، وعندما تتكلم معه في مجال الرياضة يتبين لك انه مدرب كبير، وعندما تتكلم معه في الاقتصاد يصور لك انه مسير مالي في أكبر البورصات، وعندما تتكلم معه حتى حول الفضاء يظهر لك أنه رائد فضاء سابق! وعندما تتكلم معه عن إمكانية التصدق أو الاستدانة منه ينكمش و.. يصير أحوج الناس وأفقرهم! على الأقل هذا ما تقوله إحدى النكت المتداولة في مجتمعنا، إذ تلقي الضوء على المعيار الإنساني لقياس الغث من السمين في مجال الشؤون الاجتماعية للعلاقات البشرية. لا شك أن المال عصب الحياة، لأنه يبدو لأغلب الناس أنهم في حاجة إليه أكثر من حاجتهم لدينهم لأن تعلم الدين متاح عبر عدة وسائل وقنوات... أما المال فهو متاح فقط عن طريق العمل للقادرين أو عن طريق الصدقة للفقراء والمساكين، وقد ألقى الله سبحانه وتعالى حب المال في قلوب الناس حتى جعلوا إنفاقه صعبا، وقد حثنا الله على إنفاقه لاختبار مدى "صدقيّتنا" لبعضنا البعض، وفي هذا الجانب وردت عدة أحاديث وأمثال عن المال وعلاقته بالإنسان إنفاقا أو بخلا، ومن أهم ما جادت به السنة النبوية " تهادوا تحابوا "، أو ما جادت به قريحة الصوفيين عندما قالوا «الصداقة دون إنفاق نفاق» أو ما يقال شعبيا "من عندي ومن عندك تنطبع ومن عندي فقط تنقطع". إن الدنانير القليلة التي يتصدق بها الإنسان على أخيه المحتاج أو غير المحتاج لها فوائد كثيرة نذكر منها : أن الملائكة تدعو له في زيادة أمواله، وإنها انتصار على الشيطان، وأنها تطفئ غضب الله (عز وجل)، وأنها علاج وشفاء لكل الأمراض، وأنها تحمي العرض والشرف، وأنها تحسن الخاتمة قبل الموت، وأنها ستر تحمي من النار، وأنها ظل يوم لا ظل إلا ظله، وأنها تبارك في الأموال وتزكيها وأنها تلين القلب من القسوة وأنها تطفئ حر وعذاب القلب، وأنها تمحو الخطايا وتمسح الذنوب، وأنها تدفع البلاء عن المتصدق وعن أهله.. كذلك خوف الإنسان من الفقر يجعل منه إنسانا بخيلا، فقد يكون غنيا لكنه يشح عن من حوله من أولاده وأقربائه وضيوفه وأصدقائه خوفا من العوز فيصبح شقيا حزينا، لهذا وضع الله لنا معيارا لقياس "رجلة الإنسان" ومدى جوده على الفقراء والمساكين وحتى غير المحتاجين في إطار " تهادوا تحابوا". والخلاصة : هي النظر إلى المال على أنه مجرد وسيلة وليس غاية أو هدف أسمى، لذا يجب الفهم والتأكيد على أنه ليس مصدرا للسعادة، ولا معيارا لقياس النجاح لأن النجاح شيء أسمى من الغنى المادي فهو يتعلق بالعزيمة والاستمرار حين يتوقف الجميع، لهذا يجب أن نكون عمليين في التعاطي مع الماديات وأن لا ندعها تتحكم فينا فتَسُود علاقاتنا الاجتماعية وتحد من حبنا وعطفنا على بعضنا البعض، فقد يقطع البخل أواصر الصداقة حتى الوثيقة منها، فكما يقال" القي التحية ومن بعدها الهدية تحيا حياة هنية "...