لا يمكن لأي زائر أن يدخل ولاية سطيف دون أن ينبهر بحظيرة الألعاب التي صارت مفخرة المدينة في السنوات الاخيرة وبالتحديد في قلب »سْتيفيس« القديمة حيث المعالم الأثرية تنسج عالما خياليا خاصا بها تحكي من خلاله تاريخا عريقا وحضارة تعبق بالامجاد لتقابلها إذاعة سطيف بعمارتها المتميزة الممتدة في فضاء أخضر يتنفس هواء نقيا ويصدر أثيرا بهيا ينقل صوت »عين الفوارة« الأشم الى عدد من المدن المبعثرة بين التضاريس الوعرة والمناطق العالية التي تتخفى وراء منطقة أثرية تبعد عن موقع المدينة بحوالي 60 كم، وغالبا ما يسميها الزوار بمسكن الملائكة نظرا للهندسة المعمارية الراقية التي تبرز جمالية الفسيفساء الرومانية وتكشف أسرار حضارة كاملة تحمل في عمقها كما هائلا من الخبايا وعلامات الاستفهام، ومن غيرها؟! نعم هي منطقة »جْمِيلة« التي تأسست في نهاية القرن الأول الميلادي في عهد الامبراطور الأول »نيرفا« لإيواء قدماء المحاربين الرومان، لتصبح بعدها من أجمل المواقع الأثرية الجميلة والهامة بالجزائر حيث تم تصنيفها سنة 1982 ضمن التراث العالمي ليسطع نجمها في سماء الحضارة التاريخية ويصبح لها الإسم الهام في سجل الموروثات الثقافية ا لذي تحتكم عليه الجزائر دون منازع، فبمجرد دخولك لهذه المدينة الأثرية الجميلة يسحرك كل ركن من أركانها التي تنبعث منها أطياف حكايا الرومان الذين كان لهم في ذلك الزمان الغابر قوة لا يستهان بها بين البلدان والدول، وتجتاحك رغبة هائلة في التغلغل إلى مكنونات هذه المنطقة والتعرف أكثر على تاريخ المدينة بدءا من إسمهاالقديم وهو »كوكول« الذي يعني سفح الجبل وموقعها الاستراتيجي والطبيعي الذي هو مزيج بين التاريخ والطبيعة وأكثر ما يشد الإنتباه هو المسرح الروماني الذي يحتضن سنويا مهرجان »جميلة« الدولي وهو يتسع لحوالي 3000 متفرج حيث تأسس سنة 229 في المرحلة السيفيرية التي تمتد من نهاية القرن الثاني الى غاية القرن الثالث. وقد أكد مختلف الباحثين الجزائريين أن آخر نص مكتوب يتحدث عن تاريخ مدينة جميلة يرجع الى 553م وقد مرت في تلك الفترة التاريخية على كويكول كل من الرومان ثم الوندال لفترة قصيرة ثم البيزنطيين، لكن بعد هذا التاريخ لم يتم التأكد إن كان المسلمون سكنوا المدينة أم لا؟ رغم العثور على أشياء تخص الحماديين أثناء القيام بالحفريات وبعد ذلك التاريخ انقطعت أخبار المدينة إلى غاية احتلال الفرنسيين لها في حدود سنتي 1840 و1850 أين وجدوا معظم المدينة مغطاة بالتربة باستثناء معلمين وهما معبد »سيبْتام سيفار« وقوس »ايفنيه كركالا« أين تم تصنيفها كمعلمين تاريخيين أما فيما يخص الحفريات بمنطقة »جْميلة« فقد امتد تاريخها من 1957 إلى 1990 حيث تم العثور وقتها على الكثير من المعالم المهدمة، وتم إنشاءالمتحف الغني بالفسيفساء التي لازالت متألقة وحاضرة الى اليوم. وقد أوضح ذات الباحثين أن منطقة »جميلة« كانت بمثابة المأوى الآمن والمرتع المريح لجنود الرومان بعد الحرب كونها كانت تشهد العديد من المزايا التي حفزت هؤلاء على اختيارها للمكوث بها أهمها الثروة الفلاحية الهائلة في مقدمتها زراعة الزيتون والكروم إضافة إلى القمح والشعير كما أن المنطقة كانت غنية بالمياه العذبة من خلال ينابيع »القرقور« التي كانت تمول المدينة الرومانية وهي تمول الآن مدينة »جميلة« حاليا إضافة إلى أن موقعها استراتيجي فهي تقع بين واديين ونظرا للتضاريس الصعبة فقد أخذ بناؤها طابع روماني شمال افريقي كما أنها قسمت الى المدينة الوثنية والمدينة المسيحية. وتجدر الاشارة أنه خلال تشييد المدينة الوثنية تم الالتزام ببعض المبادىء منها إنشاء طريق رئيسي يربط الشمال بالجنوب ويسمى كارددوماكسيموس والذي يقابل طريق آخر يسمى دو كيمانوس وعند نقطة الالتقاء تم تأسيس ساحة عمومية تعالج فيها المشاكل السياسية والاجتماعية وغيرها تسمى ب»فوروم« الذي تحيط به الجهات الأربع للمرافق العمومية اللازمة لتلك المدينة الرومانيةبما فيها المجلس البلدي والكابيتول الذي هو معبد حكومي لحماة المدينة الثلاثة جوبتير، مينيرف، وجينوس اضافة الى البازيليكا. أما من الجهة الجنوبية فنجد معبد فينوس وسوق الاخوين كوزينوس الى جانب وجود منازل لعائلات مرموقة وسوق للأقمشة في المرحلة السيفيرية من تأسيس المدينة التي تمتد من نهاية القرن الثاني الى غاية القرن الثالث ميلادي أما الساحة العمومية الجديدة تأسست في نفس الوقت مع معبد سيبتام سيفار سنة 229م كما تم في هذه الفترة تأسيس محكمة جديدة على أنقاض معبد الإله »ساتورن« كذلك تأسيس نافورات من بينها تلك التي تقع على طريق الكاردو ماكسيموس. أما الفترة المسيحية فهي تمتاز بالمجمع الكنائسي يضم المعمودية أي بيت التعميد والبازيليكتيف وهي مكان للعبادة كما أنها همزة وصل بين مقاطعتين رومانيتين وهما مقاطعة نوميديا ومقاطعة موريتانيا القيصرية. نجوم الفن في حضن مهرجان جْمِيلة لأن سطيف هي عاصمة الهضاب العليا وملحمة تاريخية عظمى فقد كان لابد من احتضانها لحدث معين تستقطب من خلاله و فودا عربية وأجنبية و بالفعل فقد كان مهرجان جميلة الدولي أحسن تظاهرة فنية عرفتها الجزائر بعد النجاح الذي حققته خلال الطبعات الاولى بعد أن خلقت عرسا بهيجا صنعه فنانون جزائريون وعرب على ركح مسرح »جميلة« الأثري أين تناغم الفن الأصيل مع اللحن والكلمة لتتزاوج الموسيقى ا لجزائرية بقرينتها العربية المشبعة بالنغم الموزون والقصائد الصادقة والمعبرة، مما جعل جميلة تبدو كمنافس قوي وند لا يستهان به أمام قرطاج وجرش بعد أن سجل نسبة كبيرة في إقبال العائلات الجزائرية الذواقة للفن الأصيل. وعليه فإن مسرح جميلة كان حضنا دافئا لمختلف الفنانين الجزائريين في جل الطبوع الشعبية كالشاوي والقبائلي وكذا الراي والصحراوي فكان لهم شرف تقديم حفلات فنية ناجحة أبهجوا من خلالها ضيوف ولاية سطيف وقدموا أغاني تليق بالفن الجزائري الراقي، كما كان للضيوف العرب أيضا فرصة الاندماج مع الجمهور كل سنة في مدينة أثرية فتحت أحضانها بكل حب لاستقبال نجوم الفن العربي مثل كارول سماحة والفنان صابر الرباعي وغيرهم الذين ألهمتهم مزايا هذه التظاهرة وجمال الآثار الرومانية راغبين بكل صدق سرقة لحظات ممتعة وتقاسم لحظات البهجة مع أبناء سطيفالعالية مما نمى لديهم الإحساس بالانتماء لهذا البلد الحبيب وخلق فرصة للتقارب بين مختلف الألوان الغنائية بالوطن العربي وكذا التعريف بأسماء فنية لم تنل حقها من الترويج الاعلامي. وهذا إن فإنما يدل على الهدف الاسمى الذي يرمي إليه مهرجان جميلة والمتمثل في تثمين مكانة الفن الغنائي في التراث الثقافي العربي من قبل بلد يتسم بسخاء عطائه الحضاري ورفعة منزلته في مختلف ميادين العمل الثقافي عموما والحقل الموسيقي خصوصا لتبقى الجزائر حضنا دافئا لمختلف المطربين العرب وفضاء واسعا يتكيف مع الاتجاه العصري لفن الطرب من خلال تلميع التراث الموسيقي العربي ومسايرة هذا التقدم العصري للفنون الموسيقية مما يعطي للموسيقى العربية أهمية بين الفنون ويبرز الطابع الحضاري والعالمي لها.